بغداد ـ «القدس العربي»: تعوّل الإدارة الأمريكية كثيراً، على دور رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في الحفاظ على «الشراكة العراقية ـ الأمريكية» في مجالات الأمن والاقتصاد والاستثمار، غير أنها تقرّ بصعوبة مهمة الكاظمي، في ظل انتشار السلاح «غير المنضبط» بعيداً عن يدّ الدولة، والمتمثل بما يعرف بـ«فصائل المقاومة الإسلامية» المعروفة بالعداء لواشنطن، وتبدي تقارباً ملحوظاً مع الجارة الشرقية طهران.
ويبدو أن عقبة تلك الفصائل والتأثير الإيراني الواضح على قوى سياسية فاعلة في الساحة العراقية، تعدّ الأبرز أمام مضي الكاظمي بتحقيق تقاربٍ جديد مع أمريكا والتحالف الدولي، يستند على إعادة الانتشار لا الانسحاب، وهو ما يعبّد الطرق أمامه نحو تحقيق «مشروع الإصلاح» المُنتظر، وما له من انعكاسات على القطاعات الاقتصادية والاستثمارية والأمنية.
السفير الأمريكي في العراق، ماثيو تولر، تحدث أمس الإثنين، من بغداد، مع مجموعة من الصحافيين عبر دائرة إلكترونية، عما دار في زيارة الكاظمي الأخيرة لواشنطن في 18 آب/ أغسطس الماضي، قائلاً: «القضايا الاقتصادية كانت من أهم المحاور التي ناقشها الكاظمي مع الحكومة الأمريكية خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن».
وأضاف أن «الحكومة الأمريكية تفهم جميع التحديات الاقتصادية التي يمر بالعراق بسبب فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط، فضلا عن ضعف الاستثمار الخارجي في الداخل العراقي» مبينا أن «واشنطن داعمة لأي جهود للإصلاح الاقتصادي من قبل الحكومة العراقية».
وتابع أن «هنالك لقاءات ستعقد في مجال الاستثمار لغرض دعم عمليات الإصلاح وقضايا الاستثمار في العراق» مردفا: «نأمل أن لا يقوم مجلس النواب العراقي برفض الاتفاقات الأخيرة بين العراق وأمريكا».
وبين أن «اتفاق الإطار الاستراتيجي تمت المصادقة عليه من قبل البرلمان العراقي في سنة 2008، وأي شيء نقوم به ضمن هذا الإطار وفق القانون والاتفاقات الأمنية بين البلدين».
ولفت إلى، أن «العراق أكد التزامه الواضح كبلد مستضيف لقوات التحالف الدولي، وهو سوف يوفر الحماية الكافية لأفراد التحالف والمؤسسات الدبلوماسية».
وأكد، أن «حكومة الكاظمي تأخذ هذا الالتزام بجدية، على الرغم من أنها تواجه تحديات فرض القانون ومواجهة الجماعات المسلحة التي لا تحترم القانون» مبينا أن «الحكومة العراقية تمثل إرادة الشعب العراقي، التي يريد تطبيق القانون على جميع المجاميع».
وقال إن بلاده «لا تريد بقاءً عسكرياً دائماً في العراق، وهناك الكثير من سوء الفهم المقصود عن علاقة التحالف الدولي والحكومة العراقية».
وأضاف، أن «خلال السنوات الخمّس الماضية حققنا مع العراقيين الكثير في الحرب ضد داعش، ونحن في نهاية هذه المعركة» لافتاً إلى أن «نقاشاً سيكون مع الفنيين لتحييد الظروف في المرحلة الأخيرة من قتال داعش».
وتابع: «إننا دائما نسمع الكثير من الشركاء العراقيين أن الشراكة مع أمريكا يجب أن تتواصل» مشيراً إلى أن «هناك أصوات متطرفة تصل إلى حد إطلاق الصواريخ لاستهداف التواجد العسكري والتواجد الدبلوماسي، وهذا لا يمثل الشعب العراقي أو مصلحة العراق».
وزاد أن «هذا الخطاب إذا انتصر على مصلحة العراق، سيدفعنا إلى مراجعة الكثير من القضايا ليس بين العراق وأمريكا بل بين العراق والتحالف الدولي بصورة عامة».
وأضاف، أن «هنالك حوارات فنية لمناقشة إعادة الانتشار، وأن هذه المحادثات الفنية جارية وقد توصلت إلى بعض الاتفاقيات فيما يتعلق بإعادة الانتشار للتحالف الدولي وتقليص القوات لأن الظروف قد تغيرت، والعدد والمهارات والدور ستحدده الظروف».
واشنطن تعوّل على دور الكاظمي في الإبقاء على الشراكة مع بغداد
وأتمّ قائلاً: «نفهم أن التحديات التي تواجه الحكومة الحالية كبيرة من أجل تحقيق أهدافها، وهي في حاجة إلى الأمن وخلق فرص العمل والازدهار والتغلب على الأزمات ودورنا كجهة مساعدة سنعمل على تقوية الحكومة لتكون ذات سيادة وبناء اقتصاد وقطاع خاص».
وعبّرت القوى السياسية المنضوية في تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري، واحدة من أثقل القوى السياسية الشيعية الممثلة في البرلمان العراقي، رفضها اتفاق الكاظمي في واشنطن على ترتيب الانسحاب الأمريكي الكامل من العراق بمدّة 3 سنوات.
فعلٌ مشروع
وتعترف فصائل «المقاومة الإسلامية» تشكّل الأذرع العسكرية لأغلب القوى السياسية في تحالف العامري، باستمرار حمّلها السلاح واستهداف المصالح الأمريكية في العراق، معتبرة ذلك «فعلاً مشروعاً» لحين الانسحاب المنتظر.
في هذا الشأن، قال الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» ـ تمتلك كتلة برلمانية باسم «صادقون» قيس الخزعلي، في كلمة تلفزيونية: «الإعلام يركز فقط على الأحزاب الإسلامية، وحصر المشاكل فقط بهذه الأحزاب لدوافع سياسية» مضيفاً أن «الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية لم تتبنَ المنهج الصحيح لتطبيق الإصلاح».
وأشار إلى أن «الفساد يملأ العالم ولم يقتصر على العراق، وأمريكا لا تحقق العدالة ولا الإنسانية ولا السعادة» لافتاً إلى أن «أساس الفساد في العراق هو من شرع نظام المحاصصة الطائفي».
وبشأن حصر السلاح بيد الدولة قال: «السلاح المنفلت موضوع قديم جديد طرح سابقا ويطرح حاليا والهدف منه زيادة التركيز لطرح هذا الموضوع وتصدي بعض الشخصيات السياسية على المستوى الأول لطرحه» مبيناً أن «عندما يتكلم البعض عن السلاح المنفلت هو ليس السلاح المنفلت الحقيقي وإنما نوع معين من السلاح».
وأضاف أن «بعض الجهات تغض النظر عن السلاح المنفلت الحقيقي الذي يهدد هيبة الدولة وسيادتها، كما أن بعض الجهات تقصد بالسلاح المنفلت هو سلاح المقاومة وفصائل المقاومة، ونحن نشدد على موقفنا الثابت من دعم الدولة والأجهزة الأمنية حتى تقوم بواجبها وحصر السلاح بيدها».
وتابع: «لا حل حقيقي وأمن حقيقي إلا من خلال دعم الدولة» متسائلاً: «هل السلاح الأمريكي والسلاح الذي قتل فخر العراقيين المهندس وسليماني هو السلاح المنضبط؟، ما دام الاحتلال موجودا فإن سلاح المقاومة شرعي».
وتساءل أيضاً: «إذا كنتم تعتبرون أن القوات الأمريكية هي قوات سلام، وإذا كنتم تغضون النظر عن الدوافع الحقيقية للكيان الإسرائيلي في تدمير العراق والإدارة الأمريكية تنفذ هذا المشروع، إذا كنتم لا تعترفون بشرعية قرار البرلمان الذي حدد بخروج القوات الأمريكية من العراق فالمشكلة هي مشكلتكم» مشدداً على أن «شرعية حمل السلاح في هذا الوقت هي شرعية كاملة».
وزاد: «نعتقد بوجوب حصر السلاح بيد الدولة التي من خلال مؤسساتها ضبط الأمن، فنحن نتكلم عن سلاح مؤقت لا دائمي وعن سلاح مساند لا بديل وعن سلاح يدعم شرعية الدولة ويدافع عنها، كما نؤكد على حقنا الكامل والمشروع على مقاومة الاحتلال الأمريكي بكافة الوسائل المعلنة».
قرار أمريكي
وأشار إلى أن «نعلم أن الإدارة الأمريكية لا تحترم الإرادة العراقية، ولن تخرج من البلاد وتريد البقاء لخدمة المشروع الإسرائيلي الذي يريد تدمير العراق، كما أن الإدارة الأمريكية ترفض أن يستكمل العراق قدرته التسليحية» مبيناً أن «الإدارة الأمريكية تريد من الدولة العراقية ومؤسستها العسكرية أن تبقى رهينة ومرتهنة بيد القرار الأمريكي وتتحكم به كما تشاء».
وبشأن عمليات اغتيال الناشطين الأخيرة، قال إن «هناك مجاميع من أشخاص عراقيين من محافظات مختلفة تم تجنيدهم وتدريبهم خارج البلاد، وأن الأغلب من المجاميع تم تدريبهم في الأردن وبإشراف مشترك من المخابرات الأمريكية الإسرائيلية، والمجاميع تم تدريبهم على عمليات الاغتيال بالكواتم واستخدام العبوات اللاصقة وعمليات القنص».
وتابع أن «23 مجموعة تم تدريبها وتأمين احتياجاتها ومتواجدة في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وهي تركز على محافظات النجف وكربلاء والبصرة وذي قار، وهي مسؤولة عن عمليات الاغتيال وتقوم بتصعيد الوضع الامني».
ولفت إلى أن «بعض الناشطين لديهم ارتباط بأجندات خارجية يتهمون المقاومة بالاغتيالات دون أي تحقق ويدعون للتسليح لمواجهة العنف بالعنف والسلاح بالسلاح».
وهاجم دعوات حمل السلاح قائلاً: «دعوات رفع السلاح ومواجهة العنف بالعنف أهدافها واضحة هي استهداف قيادات وكوادر فصائل المقاومة، فأن المقاومة تقف عائقا أمام إرادة ترامب في السيطرة على موارد الطاقة العراقية وتنفيذ المشروع الإسرائيلي».