شاعت على السوشيال ميديا ظاهرة نشر اقتباسات من الكتب الفكرية والروايات. طبعا يستطيع أي عاقل أن يدرك أن كثيرا منها غير حقيقي، وإنما هو من تأليف ناشر المقتطف نفسه. هذا لا يعني أنها كلها كذلك. لكن الكثير منها كذلك. ليست هناك مشكلة عندي فما يُنشر يكون فيه كثير من الحكمة النافعة، رغم قناعتي بأن الحياة الإنسانية تخص صاحبها. ما تقرأه في الحب أو الحياة الزوجية الأفضل لا يتحقق للجميع. التجارب الإنسانية شديدة الخصوصية، فليس كل قصص الحب لها سبب واحد في النجاح أو الفراق، وليس كل قصص الزواج لها سبب واحد في الاستمرار أو الانفصال. في الحب كثيرا ما تكون هناك اكتشافات لم تخطر على بال المحب أو الحبيب.
النظرة الأولى التي اشتهرت كبداية أو مدخل عاصف للحب، لن تمنع المحب من اكتشاف ما لم يتوقعه في الآخر. الحب في بلادنا ليس مجرد تجربة وتنتهي، فالغاية دائما هي الزواج، وقد تظهر معوقات لم تخطر على بال أحد. في البداية يشعر المحب بأنه قادر على فعل المستحيل لتكلل القصة بالزواج، ثم يمكن أن يكتشف أن هناك مستحيلا حقا يعوق ويوقف كل شيء. حين أقول المحب أو الحبيب هنا أعني الاثنين. الشاب والفتاة أو الرجل والمرأة. فضمير الذكورة يعني الاثنين معا، كما نقول المال والبنون، فالبنون هنا لا تعني المذكر فقط، ومن ثم حديثي عن الاثنين معا. لاحظت أن الجيل الأصغر سنا من الشباب على السوشيال ميديا هو الأكثر ولعا بالحديث عن نجاح الحب أو الزواج، ومن ثم يقول رأيه أو يهيم بالمقتطفات التي تتحدث عن ذلك وينشرونها من كتابات المشاهير. كل من تزوج يعرف أن الأمر بعد الزواج يختلف عنه قبل الزواج، فالحب كما يقال يُعمي ويصم، لكن بعد الزواج حين يجمع مكان واحد بين حبيبين ليلا ونهارا يكتشف كل منهما في الآخر ما كان غائبا، ويحتاج الأمر من كل منهما إلى ترويض نفسه لتقبل ما لم يتوقعه، وهي عادة أشياء عادية، لكنها لم تخطر على البال. كما أن الحياة الزوجية في الريف غيرها في المدن، وبين الغنى غيرها بين الفقر. هكذا لن تجد شيئا تقول عنه إنه أحد أسباب النجاح، إلا ما اتفق عليه البشر من خلال التجربة، وهو أن على كل من الزوجين أن يتواءم مع الآخر، حتى لو كما نقول يأتي على نفسه، ويتنازل عن أشياء تعوّد عليها من أجل راحة الآخر ورضاه. هكذا أقرأ كل المقتطفات عن الحب والزواج وأبتسم. الحب والزواج أمر نسبي لا تصلح فيه القواعد العامة.
هناك ايضا مقتطفات تخص علاقة الفرد بالدولة، أو بالنظام السياسي، ورغم صحة الكثير منها غير أنها ليست حاسمة. فالقاعدة السائدة مثلا هي أن التعاون مع الدولة الديكتاتورية أو الغاشمة أمر غير مُجدٍ ويدين صاحبه، ومن ثم يرفض المعارضون ذلك، أو عليهم أن يرفضوا ذلك كمبدأ يجب عدم التخلي عنه، لكن يمكن أن يختلف الأمر ويجد الفرد نفسه متعاونا، لأنه يرى جوانب إيجابية في بعض ما تفعله الدولة الديكتاتورية. لا أتحدث هنا عن الانتهازيين فهم لا يستحقون الحديث، يمكن أن تكون المعتقلات مفتوحة للمعارضين، لكن في الوقت نفسه تقدم الدولة برامج ومشروعات متطورة في الاقتصاد والصحة والتعليم، كما حدث أيام جمال عبد الناصر. انجذب إليه الكثيرون من المعارضين الذي لم يدخلوا السجون، أو الذين خرجوا منها، حتى وقعت الهزيمة ليكتشف الجميع تقريبا، أن أي مكتسبات دون ديمقراطية ستضيع مثل «هنادي» في الوباء.
أنا طبعا من الجيل الذي يرى أن مثل هذه الخلاصات تخاطب العقل قبل الروح، وتخرج الرواية من طريقها الفني إلى طريق المعرفة والعقل.
وهنادي هي الشخصة الطيبة في رواية «دعاء الكروان» التي قامت بدورها في الفيلم زهرة العلا، ولما اغتصبها المهدنس الذي تعمل عنده (أحمد مظهر) قتلها خالها الذي هو في الفيلم الرائع عبد العليم خطاب، وسؤال اختها فاتن حمامة لأمها أمينة رزق «وين هنادي ياماي» والإجابة «هنادي راحت في الوباء». يتكرر الأمر نفسه مثلا في مصر الآن، فهناك ما يُسمى بالحوار الوطني تشارك فيه شخوص مرموقة، بينما الكثيرون يرون أنه لا جدوى منه، وكل يرى نفسه على حق. المساهمون في الحوار يرون أنه لا طريق غير ذلك مع نظام قوي على معارضيه، ومع حالة من اليأس من الثورات والانتفاضات بعد ما جري في يناير/كانون الثاني 2011 التي كانت حلما تم وأده من بقايا النظام القديم، التي ما زالت قوية، وتزداد في قوتها حتى إنها شغلت السجون بالآلاف من شباب يناير ذاتها، أكثر من شباب الإخوان المسلمين الذين هم شماعة التخويف.
تساعد المتحاورين فرحة الناس بمن يتم الإفراج عنهم، بينما هي أعداد لا تساوي خمسة في المئة من المحبوسين، ومن ثم فالفريق المعارض لذلك يرى نفسه على حق، ويصف الأمر بأنه مجرد تحلية النظام الحاكم لنفسه أمام العالم. لكل أسبابه وهي كلها صحيحة، فحتى السياسة تعكس النسبية في الفكر، كما تعكسها علاقات الحب والصداقة والزواج، وهذا يعيدنا إلى المقتطفات التي تملأ السوشيال ميديا على لسان كتّابها. لا أحد يفرق بين ما يؤخذ من كتب في علم النفس أو الاجتماع أو الاقتصاد أو التاريخ وبين الروايات. ورغم أن الغش فيها يشمل كتابا مثل أينشتاين، فما يقال على لسانه كثير جدا لدرجة تجعلك تفكر هل يمكن أن يكون قد قال هذا كله، لكن الأكثر شيوعا هو ما يقال على لسان دوستويفسكي أو نجيب محفوظ. مئات وربما آلالف المقتطفات ولا يمكن أن تكون كلها صحيحة، لكن الأهم أنها لو صحيحة فقد جاءت في رواياتهما على لسان شخصياتها، وليست على لسان أي منهما. والشخصيات حين قالت ذلك كانت في موقف خاص بها، وهو موقف استثنائي وليس موقفا علميا تقول فيه إن الماء يتكون من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين. هذا الموقف الاستثنائي للشخصيات قد ترى عكسه في روايات أخرى للكاتب، لكن أحدا لا يشير ممن ينشرون الاقتباسات، إلى أن القائل هو فلان في رواية كذا، فدائما يقال اسم المؤلف. دخلت لأرى مقتطفات من رواياتي على السوشيال ميديا فوجدت الكثير، لكن طبعا شملني ما يشمل الكتاب الأحياء وهو الصمت وتقدير من فعل هذا. لم أشأ أن أقول إن من قال ذلك هي شخصياتي، أما أنا فلا أعرف، بل ونسيت في أي ظروف قالته. إلى هنا إغراءات الميديا رغم ذلك جميلة، فهي تلفت نظر المتابعين إلى أعمال الكاتب، لكنني لاحظت في بعض روايات قرأتها ولن أسميها، أن بعض الكتاب صاروا يضعون ذلك في اعتبارهم وهم يكتبون، خاصة في السرد بضمير الغائب الذي يشغل فيه المؤلف المساحة الكبيرة. كثيرا ما يُقتطع السرد عن الأحداث والشخوص لكتابة عبارة فيها من الحكمة الكثير تلخص ما يحدث، ولا يُترك للقارئ استخلاص الحكمة أو الدرس. لاحظت أن ذلك صار يتكرر في الرواية كثيرا جدا الآن، وكأن هدف الكاتب أن يتم استخلاصه في ما بعد منسوبا إليه على السوشيال ميديا، ومدخلا للدعاية لأعماله.
أنا طبعا من الجيل الذي يرى أن مثل هذه الخلاصات تخاطب العقل قبل الروح، وتخرج الرواية من طريقها الفني إلى طريق المعرفة والعقل. أي الحديث المباشر الذي هو العدو الأول للإبداع. هنا المشكلة التي تهمني، وهي خروج الكاتب بالعمل الفني إلى مساحة العقل بسبب إغراءات السوشيال ميديا، ويبدو طبعا أنه لا حل. آخر رواية قرأتها لكاتب لم أكملها لأني وجدت كل ثلاث صفحات تقريبا حكمة، أو خلاصة فكرية للأمر. أعطيتها لصديق شاب قائلا زهقت من المعاني الكلية المباشرة، اقرأها أنت يمكن تعجبك!
روائي مصري
شكرًا أخي إبراهيم عبد المجيد. طرحت في هذا المقال عدة جوانب تستحق جمعها نقاش واسع، لكن سأحاول الإختصار. في البداية الحب الحقيقي عميق داخل النفس البشرية وأغلب مايدور من حديث حول الحب هو إلى حد ما سطحي ومشاعر بشرية ربما للتنفيس عن صعوبات الحياة والواقع ولهذا نستمتع بالأغاني عن الحب حتى لو ام نكن نحب فعلًا. أما الحياة الزوجة فسر نجاحها يقع تحت إرادة الإنسان والسعادة الزوجية من صنع الإنسان. وقولك أن الجانبين يجب أن يتوأم مع الأخر صحيح ولكن مايحصل في المجتمع عادةً هو أن المرأة هي المطاوب منها دومًا التنازل والرجل يستغل هذه النقطة وعادة ببشاعة، ومع الوقت اتصبح الزوجة ضحية بلا سند. وهذا جعل المجتمعات عمومًا ذكورية وخاصة مجتمعنا حيث مازالت هذه الذكورية هي المسيطرة وتقف عائق أمام التحرر الإجتماعي. ولي رأي بهذا الصدد كتبته أكثر من مرة وهو أننا نحتاج إلى التحرر التكاملي أي الإجتماعي (المرأة والرجل والمجتمع معًا) والفكري والسياسي والثقافي والفردي، ولايجب تفضيل واحد على الأخر ولا التخبط بها جميعًا بل بمشروع توافقي فيما بينها، بخطوات منسقة بينها دون تأخير أو تقدية يعطل إحداها أو يفضل واحدة على حساب الأخر. هذا يقودنا إلى النقطة الأهم … يتبع من فضلكم
وهي التعامل مع الواقع السياسي. من الناحية المبدأية أنا ضد التفاعل والرضوج للسلطة وكلنا يعرف ماذا حصل للسلطة الفلسطينية التي اعتقدت ذات يوم أن السلام يخدم الشعب الفلسطيني، وكان ماكان! لست ضد السلام مطلقًا لكن إذا لم تفعل الأمر كما يستحق فأنت المسؤول عن الخطأ أولًا وأخيرًا ومن ليس لدية حس كافي لهذه المسؤولية سيكون ضحية رخيصة! إذًا، من يريد التفاعل مع السلطة دون ربط النتائج بالمقدمات لن يحصل على نتائج مشجعة!. والسلطة تستغل هذه النقطة ببشاعة في دولنا، هي تفتقر إلى الحس الوطني والمقدرة على إدارة المجتمع وتفتقر إلى التخطيط السليم وليس لها مشروع وطني متكامل يشمل مكونات المجتمع ومتطلبات الدولة المعاصرة ومع ذلك تريد أن تنحني لها الرؤوس! ، فإن ليس بالحسنى فبالطرق القبيحة! طبعًا أنا أعي أن المسألة ليست بهذه البساطة لكن المقاومة السلبية هي أضعف الإيمان. فالشعب التونسي مثلًا أعطى قيس سعيد درسًا مهمًا في هذا الشأن!. وأخيرًا وسائل التواصل الإجتماعي! العلة في مكان أخر وهي عدم وجود تواصل بين أفراد المجتمع وبين المثقف والمفكر والكاتب في مجتمعاتنا ولهذا نجد الناس تهرب إلى حيث يمكنها أن تتفاعل بنوع من الحرية. لكن الحل هو الحرية الفكربة والإجتماعية والسياسية والثقافية بمشورع متكامل.
عذرًا بقراءة أخرى لما كتبته ألاحظ بعض الأخطاء الكتابية، والتصحيح كما يلي: تستحق جميعها. هي المطلوب منها. التفاعل والرضوخ. بمشروع متكامل.