الخط الأخضر بين شطري قبرص سيزول… والجزيرة في طريقها للوحدة
11 - فبراير - 2014
حجم الخط
0
في مبنى الامم المتحدة الذي يقوم في المنطقة المنزوعة السلاح في العاصمة المقسمة نيقوسيا، سيجتمع اليوم رئيس قبرص اليونانية نيكوس انستسيادس، ورئيس قبرص التركية درويش أرولو. وقد أمكن اللقاء بعقب التمهيد بالاعداد لمحادثات السلام بين جزئي الجزيرة المفصولين بالخط الاخضر المحلي. وقد وافق الطرفان في نهاية الاسبوع بعد اشهر اتصالات من وراء الستار على تصريح مشترك يكون الأساس للتفاوض ويُتلى في افتتاح اللقاء. اعتاد صحفيون اسرائيليون يغطون الصراع في قبرص أن يقارنوا الوضع في الجزيرة الجارة بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وخطوط التشابه واضحة: فهناك منطقة غير كبيرة مقسومة بين فئتين من السكان؛ وحرب روايات في مقدمتها الجدل في كلمة احتلال فيما يتعلق بوجود الجيش التركي في شمال الجزيرة؛ وجدالات فيمن بدأ العنف؛ وقرارات مكررة لمجلس الامن بقيت كتابة ميتة بل تباحث في ‘حق العودة’ وهو الطموح الى العودة الى الاملاك التي تُركت في الجانب الآخر من الحدود بعد التقسيم في 1974. هناك فرق مهم واحد بين الصراع الاسرائيلي الفلسطيني والصراع القبرصي وهو الانتباه العالمي. فهم في قبرص كان يمكنهم فقط أن ينظروا في حسد الى زيارات وزير الخارجية الامريكي جون كيري للقدس ورام الله في السنة الاخيرة. لكن يبدو ان الامريكيين غيروا توجههم في الاشهر الاخيرة. إن كيري لم يزر قبرص الى الآن في الحقيقة لكن نائبة وزير الخارجية الامريكي فيكتوريا نولاند زارت الجزيرة في منتصف الاسبوع الماضي والتقت مع الطرفين. ‘أنا على يقين بعد هذه المحادثات من أن الزعيمين يلتزمان شخصيا باحراز تقدم حقيقي في الايام والاسابيع القريبة نحو انهاء تقسيم الجزيرة’، قالت نولاند. بل إن نائب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن تحدث بالهاتف الى رئيس قبرص اليونانية في يوم الجمعة، وأفادت وسائل الاعلام التركية مؤخرا أن واشنطن تعمل سرا مع أنقرة على صوغ الاعلان المشترك الذي سيُمكن من تجديد المحادثات. أنكرت متحدثة وزارة الخارجية الامريكية في الحقيقة أن تكون واشنطن مشاركة في مسيرة ‘جديدة’ في قبرص، لكن وزير الخارجية كيري اعترف قبل أكثر من اسبوع بأن الولايات المتحدة ‘تعمل على موضوع قبرص سرا’. يمكن أن يساعد حل الصراع قبرص اليونانية الغارقة في ازمة اقتصادية، كثيرا، وأن يسقط العزلة الدولية التي تفرض قيودا ثقيلة على الطرف التركي. إن الكشف عن مخزونات الغاز في شرق البحر المتوسط التي يوجد كثير منها في المنطقة الاقتصادية لقبرص وحدها، كان واحدا من العوامل التي أفضت الى تجديد الاهتمام العالمي بالنزاع القبرصي، وسيُحسن حل الازمة ايضا مكانة تركيا، وهي أنبوب الاوكسجين الذي يحفظ قبرص التركية، في محاولتها الطويلة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. لكن يبدو أن الاهتمام الامريكي المتزايد بالصراع القبرصي متصل ايضا بمحاولة احراز شيء من الاستقرار على خلفية عدم الاستقرار في المنطقة (تقع قبرص على بعد عشرات الكيلومترات فقط عن الساحل السوري). ‘أصبحنا نرى مؤخرا طاقة دبلوماسية كبيرة تُبذل في قبرص أكثر مما رأينا في العقد الاخير’، قال لصحيفة ‘وول ستريت جورنال’، جون ستيليدز، وهو خبير بالعلاقات الدولية تستعمله وزارة الخارجية الامريكية للاستشارة في شؤون اليونان وقبرص. ‘يتصل هذا بأحداث في المنطقة، ولا سيما مخزونات الطاقة المتحدث عنها، والازمة الاقتصادية في قبرص والتحولات في المنطقة التي هي أوسع’. إن التصريح المشترك يفترض أن يقصر المباحثات في قبرص على موضوعات محددة، كما هو حال وثيقة كيري التي ستضع الاساس للتفاوض الاسرائيلي الفلسطيني. وقد كان التصريح المشترك بخلاف الحال الاسرائيلي الفلسطيني حيث فرضت الوثيقة على الطرفين، كان شرطا سابقا لتجديد المحادثات اشترطه اليونانيون القبارصة. وبيّن سفير قبرص في اسرائيل، دمتري حدزيارغيرو أن الاصرار ينبع من رغبة في الامتناع عن محادثات عقيمة لمنع امكان ‘أن يأتوا الى المائدة ويعرضوا مواقفهم غير المقبولة فلا تُقبل، فيكون عندنا فشل آخر برعاية الامم المتحدة’. إن الاعلان المشترك ‘يضمن المباديء المهمة وأساس الحل’، قال رئيس قبرص اليونانية للصحفيين عند زيارة أثينا في يوم الجمعة التي أبلغ فيها رئيس حكومة اليونان عن أمر تمهيد الطريق، وأضاف: ‘ما زال الجزء الصعب أمامنا’. وعبر رئيس قبرص التركية عن تفاؤل باحتمالات نجاح المحادثات. وقال أرولو في اعلان لوسائل الاعلام إنه ‘اذا كان عند الجانب اليوناني نية التوصل الى اتفاق فانه يمكن اجراء استفتاء للشعب في غضون ثلاثة اشهر الى خمسة’. تناول التباحث في الاعلان المشترك مفاهيم قانونية مجردة، لكن يقوم في أساسه الاختلاف الأكثر مبدئية في الصراع وهو رفض اليونان القبارصة الاعتراف بشمال قبرص. ‘يرون أن تصبح جمهورية قبرص اتحادا فيدراليا’، وقد قال الرئيس التركي القبرصي أرولو في مقابلة صحفية لصحيفة ‘هآرتس’ قبل بضعة اشهر، ‘ونرى أن الحديث عن دولتين صديقتين تتخليان عن بعض صلاحياتهما للادارة الفيدرالية’. تقرر في مسودة الاعلان التي سُربت الى وسائل الاعلام القبرصية أن يقوم اتفاق السلام بين الطرفين على اتحاد فيدرالي بين منطقتين ومجموعتين سكانيتين، وبحسب الخطة ستصبح قبرص الموحدة عضوا في الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وتكون لها سيادة دولية واحدة. فشلت الجولة الاخيرة من محادثات السلام بوساطة الامم المتحدة التي حاول فيها الطرفان الاتفاق على انشاء اتحاد فيدرالي بين جنوب قبرص اليونانية التي يعترف بها أكثر العالم، وبين شمال قبرص الذي تعترف به تركيا وحدها رسميا، فشلت في آذار 2011. وكانت نقاط الاختلاف الرئيسة موضوعات مثل الاتفاق على طرق تقاسم السلطة، واختلافات في املاك مواطني الطرفين التي بقيت في الجانب الثاني من الحدود وقضايا تتناول الارض. لقيت محاولات تجديد التفاوض صعابا اخرى بعد أن حصلت قبرص اليونانية العضو في الاتحاد الاوروبي على منصب الرئيسة الدورية للاتحاد الاوروبي في 2012. وكذلك واجه اليونان القبارصة في السنوات الاخيرة ازمة اقتصادية شديدة طُلب اليهم فيها قبول اتفاق تخليص من اعضاء آخرين في الاتحاد الاوروبي ومن صندوق النقد الدولي قبل سنة. وجعلت الازمة حل الصراع في الجزيرة في مكان أدنى في ترتيب أولويات الحكومة اليونانية القبرصية في نيقوسيا. حظيت جزيرة قبرص باستقلالها من بريطانيا في 1960 ونشبت منذ الايام الاولى اختلافات بين الاكثرية اليونانية والأقلية التركية في الجزيرة، وهناك من يزعمون أن البريطانيين كان لهم دور في ذلك بعد أن كانوا يواجهون في سنوات حكمهم للجزيرة حركة الاستقلال القبرصية بتحريض فئة من السكان على الاخرى. ودار معظم الاختلاف في السنوات الاولى بعد الاستقلال حول تقاسم السلطة بين اليونانيين والاتراك. وبعد أن غيرت الاكثرية اليونانية الدستور في 1963 من طرف واحد بزعم أن حق الاعتراض الذي منح للاتراك على قرارات من السلطة يفضي الى اصابة الجزيرة بالشلل، ساء التوتر في بضعة اشهر وأفضى الى مواجهات عنيفة. وفي 1974 دبرت الجماعة العسكرية في اليونان انقلابا على رئيس قبرص (من أصل يوناني) رجل الدين مكاريوس، وأرسلت تركيا ردا على ذلك قوات عسكرية سيطرت على الجزء الشمالي من الجزيرة. وفشلت محاولات توحيد الجزيرة من جديد مرتين في سبعينيات القرن الماضي. وفي 1983 اعلن الاتراك القبارصة الاستقلال من طرف واحد الذي اعترفت به تركيا وحدها منذ ذلك الحين. وحدث شق الطريق في التفاوض في بداية الالفية الثالثة حينما شجع الطموح الى الانضمام الى الاتحاد الاوروبي الطرفين على التوصل الى تصالح. ففي نيسان 2003 اجتاز مواطنو الشمال والجنوب لاول مرة منذ ثلاثين سنة ‘الخط الاخضر’ القبرصي، وهو المنطقة المحددة التي تفصل بين الطرفين. وبعد ذلك بسنة عُرضت باستفتاء للشعب خطة السلام التي صيغت بوساطة الامم المتحدة فأيد الطرف التركي الخطة باغلبية بلغت 67 بالمئة، لكن اليونانيين رفضوها بأكثرية كبيرة بلغت 76 بالمئة. وفي أيار 2004 انضمت جمهورية قبرص الى الاتحاد الاوروبي. اذا كان التفاؤل حقا وأثمر التفاوض الجديد اتفاقا فسيطرح ليبت فيه مواطنو الطرفين باستفتاء شعبي. إن اليونانيين القبارصة الذين رفضوا الاتفاق السابق اصبحوا هذه المرة في موقف مختلف تماما. فقد كانوا في ذلك الوقت يواجهون قبول الاتحاد الاوروبي بهم، وكان مستقبلهم الاقتصادي وردي، ويفترض أن يقوي وضعهم الاقتصادي الصعب الآن والمزايا التي يتوقع أن يأتي بها حل الصراع، أن يقوي دعم الاتفاق. لكن الرئيس انستيادس أصبح يواجه الآن صعابا في اقناع معسكره بدعم المسار. فقد عبر الحزب الديمقراطي العضو في الائتلاف الحاكم عن معارضته الاعلان المشترك. ‘الحديث عن وثيقة غير مقبولة وخطيرة لا نوافق لا على مضمونها ولا على التكتيك الذي تمثله، تبناها الرئيس’، قال زعيم الحزب نيكولاس بابدوبولس. ‘نحن ندعو الرئيس الى عدم التوقيع عليها لأنه يعرض للخطر وجود الجمهورية القبرصية’.