الخط المستقيم… من شرم الشيخ إلى العقبة

حجم الخط
0

تأتي الدعوات الأمريكية للقمم العاجلة، وفق توقيتات محددة ومنتقاه بعناية فائقة.. فهي مراقبة جيدة لأحداث المنطقة، على الرغم من انشغالها بالحرب على روسيا ومتابعة الصين، ففي الوقت الذي تلوح فيه أية بادرة نهوض فلسطيني، تدلف لاستدعاء حلفائها لجهة إخماد الحالة الشعبية، قبل أن تكتمل ويصلب عودها، والذي يثير علامات التعجب والاستفهام بعد كل هذه السنين من التجارب المريرة والتضحيات هو، الاستجابة العربية السريعة على الرغم من معرفة الجميع بأن العنوان الأساسي لها هو محاصرة الانتفاضة الشعبية وتداعياتها، وفي خدمة الاحتلال الصهيوني الذي تحرص الإدارات الأمريكية المتعاقبة على أمنه وضرورة إدراجه كأولوية عربية، وهذا بالطبع أمر مفهوم من طرف لا يخفي انحيازه فقط، بل هو شريك أساسي في كل الحروب ضد الأمة العربية، وفي التآمر على مستقبل شعوبها، وحيث الالتزام الغربي عموما والأمريكي خصوصا بحماية الكيان الصهيوني، الذي أنشئ بقرار إمبريالي وتواطؤ القوى الكبرى حينها لأسباب وتقديرات خاطئة، ووضعه فوق القوانين والأعراف الدولية لم يعد محل نقاش.

عندما توضع المصالح الأمريكية بشكل جدي في الميزان، وتشعر بأنها مهددة، لن تقف عند مصالح كيان لقيط مصطنع

وعلى الرغم من الوضوح الشديد، إلا أن الاجتهادات حول الدور الأمريكي لم تطو بعد على المستوى العربي الرسمي، الأمر الذي يفتح السجال من جديد حول هذا الدور، الذي يستحوذ على الكثير من الجهد الفكري والسياسي ويتم تسويقه في محاولة لإضفاء قدر معقول من النزاهة والموضوعية عليه، ولعل السؤال القديم الجديد، من في خدمة من؟ هل أمريكا في خدمة إسرائيل أم العكس؟ يستحق الإثارة بحيث تنصب الجهود في اتجاه واقعي، بعيدا عن الأوهام والتفرغ للقضايا الأكثر أهمية، وقد قيل الكثير في هذا الشأن، ورغم ذلك بقيت التصورات المثالية منتشرة في الأوساط الرسمية ومروجو خياراتها السياسية كذلك، إذ لا يزال البعض يعتقد أن الوصول إلى قلب واشنطن يمر بالضرورة عبر تل أبيب، بينما يرى البعض الآخر، على الرغم من الدلال الكبير الذي يتمتع به الكيان الصهيوني، إلا أنه في آخر تحليل مجرد أداة بيد الإمبريالية الأمريكية. ومن المفيد في هذا السياق التذكير بالدراسة القيمة للدكتور طلال ناجي، الأمين العام للجبهة الشعبية القيادة العامة «النفوذ الصهيوني في العالم بين الحقيقة والخيال الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا» الصادرة عن مركز الغد العربي 2004 تقديم الدكتور جورج حبش، الذي قد أشار كذلك في دراسة سابقة عن تلك العلاقة بالقول «إن الكيان الصهيوني في خدمة الإمبريالية على المستوى الكوني، بينما تقف الإمبريالية العالمية في خدمة الأغراض الصهيونية على المستوى الإقليمي»، وهي الفكرة نفسها التي نفاها المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، حيث وصفها بأنها من الأساطير التي تسود العالم العربي، والتي ليس لها وجود في التحليل العلمي.. ولن نذهب بعيدا لتعزيز هذا الرأي الذي اختبر صحته في سنة 2003 حينما أرادات الولايات المتحدة الأمريكية احتلال العراق، أصرت على استبعاد إسرائيل حتى تضمن التأييد العربي والإسلامي الذي يتحفظ على المشاركة الإسرائيلية في تلك الحرب الاجرامية، وليس على احتلال العراق وتدميره، التي اعتبرها الكيان الصهيوني فرصة ذهبية لتحقق هدفين رئيسيين: الهدف الأول الدخول المباشر في العالم العربي والإسلامي من دون شروط. والهدف الثاني: المكاسب التي سيجنيها بعد هذه العملية العدوانية، ورغم ذلك انصاع الكيان الصهيوني للإرادة الأمريكية، الأمر الذي يعني تغليب المصالح الأمريكية وتأكيد تبعيته ودوره الوظيفي، وهو ما أكدته الدراسة والتقديم المشار إليهما.
إن الوقوف على كنه العلاقة الجدلية والمركبة بينهما قضية جوهرية.. بالطبع لا نستطيع أن ننكر مدى تأثير نفوذ اللوبي الصهيوني، ودور رأس المال والإعلام في صنع الساسة الأمريكيين أنفسهم، وفي توجيه سياستهم، خصوصا في ما يتعلق بالشرق الأوسط. ولكن عندما توضع المصالح الأمريكية بشكل جدي في الميزان، وتشعر بأنها مهددة، لن تقف عند مصالح كيان لقيط مصطنع. وتبقى المستجدات الجديدة على الصعيد الدولي الذي يتجه نحو التعددية القطبية وكسر الهيمنة الأحادية الأمريكية، تسمح الى حد كبير بإمكانية زعزعة سريعة لمواقفها الثابتة حيال الحقوق العربية، وفي مقدمتها الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورب سائل يسأل لماذا نفترض إمكانية تعديل سياستها طالما مصالحها مضمونة بصرف النظر عن مواقفها المنحازة، وهي ما زالت قادرة إلى الآن على فرض أجندتها على شعوب المنطقة، وهذا يقودنا إلى طرح سؤال جدي في ما يتعلق بعلاقتها بالأنظمة العربية، وهل هو تحالف استراتيجي؟ أم قصور في الرؤية كما يحلو للبعض تصويرها؟ والحقيقة فإن الأنظمة العربية لم تعد ترى في هذا العالم الواسع سواها، من دون أن تدرك على الأقل في هذه المرحلة التاريخية بأنها في سعيها المستميت للدفاع عن مكانتها المهددة على رأس العالم، ربما بحاجة لنا أكثر من حاجتنا إليها، التي لم نحصد منها سوى سلب الإرادة السياسية والتبعية والابتزاز والقتل والتدمير والخراب ونهب الثروات. وبطبيعة الحال فإن تلك المكانة مشروطة بالهيمنة على مصادر الطاقة والأسواق الاستهلاكية والموقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
كاتب عماني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية