عندما خشيت إسرائيل من البرنامج النووي العراقي؛ فإنها ضربته في القلب، من دون ضجيج مُسبق، وكذلك فعلت مع الأنشطة النووية والكيميائية في سوريا، وقبلها دمرت البرنامج الصاروخي المصري، واغتالت علماء ذرة مصريين. فلماذا إذن ضجيج التصريحات حول توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، أو ما يسمى بالخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران؟ ألم تختبر إسرائيل فعلا قدراتها الهجومية ضد إيران خلال العامين الأخيرين؟ ألم تغتال فخري زاده؟ ألم تشن عمليات تخريب مادية وإلكترونية ضد البرنامج النووي الإيراني، وهي عمليات تصاعدت بوتيرة سريعة خلال العامين الأخيرين؟
الحديث المتكرر وضجيج التصريحات الإسرائيلية بشأن الخيار العسكري يكشف قدرا كبيرا من العجز الإسرائيلي تجاه إيران، كما يكشف أيضا عن فقر خياراتها العسكرية، لأنها تنطلق من مفهوم خاطئ عن التعايش مع المنطقة، والدول المحيطة بها، وهو مفهوم «احتكار السيطرة» وتحقيق «السيطرة المطلقة على أساس القوة الساحقة». إسرائيل دولة متفوقة، نعم هذا حقيقي ولا ينكره غير جاهل قصير النظر. لكن هذا التفوق لا يمنحها رخصة لحمل السلاح ضد الجميع وتهديد الجميع. هذه الرغبة في السيطرة المطلقة هي أساس المواجهة بين إسرائيل وإيران، والسبب في ذلك هو أن إيران اقتربت من النجاح في تحقيق معادلة التوازن النووي في الشرق الأوسط، وهو ما فشلت فيه الدول العربية.
ومع ذلك فإن السيطرة المطلقة ليست طريقا للتعايش. ولعل إسرائيل التي تريد أن تعيش في أمان، عرفت كيف تحقق ذلك على حدودها الشمالية، باتفاق غير مكتوب مع حزب الله اللبناني. وطبقا لهذا الاتفاق فإن قوات الحزب ترد على أي انتهاك إسرائيلي بمقدار محسوب يعادل قوة الانتهاك، كما أن إسرائيل ترد على أي انتهاك بمقدار معادل أيضا، أي أن قاعدة العين بالعين والسن بالسن تتجلى بوضوح في هذه العلاقة المستمرة بين الطرفين في السنوات الأخيرة. الأكثر من ذلك أنه في حال حدوث خطأ ناتج عن تصرفات فردية من هنا أو من هناك، فإن قنوات الدبلوماسية الخفية تعمل بسرعة على نزع فتيل الموقف حتى لا يشتعل؛ فتكون التهدئة هي عنوان الحرص على استمرارية ذلك التفاهم غير المكتوب بشأن التعايش بين الطرفين.
تنطلق إسرائيل من مفهوم خاطئ عن التعايش مع المنطقة، وهو مفهوم «احتكار السيطرة» وتحقيق «السيطرة المطلقة على أساس القوة الساحقة»
إسرائيل لم تتوصل بعد إلى صيغة للتعايش مع إيران، وهي تخشى من وجود قوات الحرس الثوري الإيراني، والتنظيمات المحلية التابعة له في سوريا والعراق وغزة بالقرب من حدودها. وهي تعلم أنها قبل أن تفكر في أي عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، فإن عليها أولا وضع خطة لـ»تحييد» تلك القوات، لأن وجودها يجعل إسرائيل في مرمى مدفعيتها وصواريخها، لأنها تعتبر نفسها امتدادا عضويا للقوة الإيرانية. كما أن عدم «تحييد» هذه القوات يعرض إسرائيل لاجتياح فيالق استشهادية، تعتبر الموت في سبيل قضيتها هو أقصر الطرق إلى الجنة. الحسابات الإسرائيلية يجب أن تأخذ في اعتبارها أيضا نطاق «الضربة الثانية» التي قد تتلقاها في حال أقدمت على توجيه ضربة حقيقية إلى قلب البرنامج النووي الإيراني. حقيقة الأمر هو أن الحديث عن الخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران حديث سهل، لكن تحقيقه أمر شديد الصعوبة، ولا أظن أن خريطة توزيع القوة في الشرق الأوسط حاليا، على الرغم من التفوق الإسرائيلي، تسمح للقيادة الإسرائيلية بالإقدام على عمل عسكري استراتيجي يمنع إيران فعلا من امتلاك سلاح نووي، وهي في خياراتها المحدودة ضد إيران لا تملك حتى الآن ما يسمى «الخطة أ» ولا «الخطة باء». وربما يكون من الأسهل عليها أن تختبر طرقا دبلوماسية أفضل، لتحقيق التعايش مع «إيران النووية» أو «غير النووية».
استراتيجية إيران النووية
يسود اعتقاد في إسرائيل بأن رغبة إيران في امتلاك سلاح نووي هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للنظام السياسي الحالي. ويقوم هذا الاعتقاد على المخاوف التي اجتاحت طهران بعد دخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان عام 2001، ثم إلى العراق في عام 2003. لكن هذا التقييم يتجاهل حقيقة الطموح التاريخي للثورة الإيرانية في قيادة الشرق الأوسط، أو على الأقل الجناح الشيعي منه، بما في ذلك الأقليات الشيعية في دول سنية كبيرة مثل السعودية. كما يتجاهل حقيقة أن إيران تعتبر أن ولايتها الشرعية تمتد على كل الشيعة في العالم الإسلامي، وتعتبرهم من المستضعفين الذين تجب نصرتهم. تماما كما تعتبر إسرائيل أن ولايتها تمتد على كل يهود العالم، وأنها هي طوق النجاة لهم وضمان أمانهم، بعد ما تعرضوا له من اضطهاد على مرّ التاريخ. وهو الاضطهاد الذي تجلى في أفكار وحركات معادية لليهود في الغرب على وجه الخصوص. وربما لا يدرك قطاع كبير من السياسيين الإسرائيليين أنهم يمارسون أشكالا من الاضطهاد ضد شعب لم يلعب تاريخيا دور الجلاد عليهم، بل عاشوا معه لقرون طويلة شركاء في الأرض والتاريخ والثقافة، ليس في فلسطين فقط، لكن في الامبراطوريات الإسلامية على مرّ التاريخ. وتسير استراتيجية إيران النووية على طريق واضح، يهدف إلى امتلاك التكنولوجيا النووية بلا قيود ولا حدود. ولا يستطيع أحد تجريد أمة من حق امتلاك العلم والتكنولوجيا المتقدمة، خصوصا إذا توفرت لها الإرادة السياسية؛ فالإرادة تصنع القدرات، والقدرات تخلق حقائق جديدة على الأرض، تبقى ما بقيت لها إرادة التحدي ومواجهة محاولات الهدم. وأخطر الهدم هو هدم الإرادة، وليس هدم القدرات. وتعترف إسرائيل بأنها لم تستطع حتى الآن هدم الإرادة في إيران، ومن ثم فإن عمليات التخريب التي تمت والاغتيالات التي نُفذَت، لم تؤد إلا إلى زيادة صلابة الإرادة، ومن ثم تعويض القدرات المفقودة بسرعة، والمضي بخطوات سريعة على طريق «أستاذية» امتلاك التكنولوجيا النووية. ويجب القول إن طريق إيران، منذ الإمام الخميني حتى الآن، استبعد السعي لإنتاج سلاح نووي، ومع ذلك فإذا ذهبت الفتوى الشرعية إلى أن إنتاج سلاح نووي هو حاجة ضرورية لـ»المحافظة على النفس» فإنه سيكون. لكنه سيكون للدفاع عن النفس، وليس للعدوان على الآخرين.
ضعف الموقف الإسرائيلي
يعترف كثيرون في إسرائيل بأن الولايات المتحدة هي أضعف اليوم في مواجهة إيران عما كانت عليه قبل مايو 2018. وفي ذلك يُلقى باللوم على بنيامين نتنياهو في انسحاب الولايات من الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما تسبب في التداعيات التي أدت إلى ضعف الموقف الحالي. ما لا يدركه كثيرون في إسرائيل هو أن ضعف الموقف الأمريكي تجاه إيران يطبع بصمته بقوة على الموقف الإسرائيلي. وليس حديث نفتالي بينيت عن القيام بعمل عسكري مستقل ضد إيران بجديد على الخطاب السياسي الإسرائيلي، فقد قال ذلك نتنياهو من قبله، لكنه لم يفعل، على الرغم من الإغراءات التي كان يقدمها له مثل هذا العمل، لإنقاذه من السقوط سياسيا إلى الهاوية التي هو فيها الآن. ومن قبله تراجع دونالد ترامب عن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، بعد إسقاطها طائرة تجسس أمريكية. قبل دقائق من الموعد المحدد، أصدر ترامب أوامره بوقف الضربة خشية تداعياتها.
خلافات داخلية
لا يوجد اتفاق في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي حول طبيعة «التهديد الايراني» ولا حول تعريف نقطة «اللاعودة» التي تستدعي القيام بعمل عسكري ضد إيران. كل ما تفعله أجهزة الأمن والمخابرات الإسرائيلية هو محاولة «تعطيل» البرنامج النووي الإيراني بكل الأشكال. ومع ذلك فإن التقدم الذي أحرزته إيران في مقابل عمليات «التعطيل» خصوصا في مجالي تخصيب اليورانيوم وتصنيع أجهزة طرد مركزي فائقة السرعة، يؤكد فشل تلك العمليات في تحقيق أهدافها، وهو ما أكده تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» جاء فيه أيضا أن الإدارة الأمريكية نبهت إسرائيل إلى حقيقة أن تلك العمليات جاءت دائما بنتائج عكسية. وهناك في داخل إسرائيل من يقلل من أهمية وصول إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% طالما أنها لا تمتلك تكنولوجيا صناعة السلاح النووي، خصوصا أجهزة التفجير. ويتفق مع هذا الرأي الجنرال جادي أيزينكوت رئيس الأركان السابق، الذي يرى أن التهديد الإيراني ليس «تهديد وجود» إذا تمكنت من إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 90%، على عكس ما يعتقد رئيس الوزراء ورئيس الأركان الحاليين. ويرى أيزينكوت أن باب الدبلوماسية سيظل مفتوحا، مع عدم التهاون في الاستعداد للحرب. وقال في حوار مع صحيفة «جيروزاليم بوست» في 8 يوليو الماضي أنه يثق في أن إسرائيل لديها القدرة على مواجهة التهديد النووي الإيراني، الذي يمثل «تهديدا خطيرا» لأمن إسرائيل. الموقف الإسرائيلي بشكل عام أضعف من أن يتبنى خيارا عسكريا استراتيجيا ضد البرنامج النووي الإيراني في الوقت الحاضر، لكن لديه سلة فيها من الأدوات ما يستخدمها لتعطيله.
كاتب مصري
الصهاينة متفقين مع الصفويين ضد أهل السُنة والجماعة منذ فضيحة إيران غيت سنة 1985 !
ألم يكن بمقدور الصهاينة ضرب المشروع الإيراني منذ بدايته؟
النووي الإيراني ليس ضد الصهاينة!!
ولا حول ولا قوة الا بالله
البرنامج الصاروخى المصرى لم يدمر بل تم الغاْه بعد الاداء المحبط لصواريخ القاهر و الظافر .
العالم الغربي في مرحلة النفخ في القوة الإيرانية كما فعل مع صدام الذي صنفوه رابع جيش في العالم ولما اكتمل النفخ تم التفجير والنتيجة يعرفها الجميع