طرابلس – «القدس العربي»: بعد الاشتباكات الدامية التي شهدتها مدينة طرابلس الليبية، التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى في إطار الصراع حول الشرعية في البلاد، لم تتوقف حكومة الوحدة الوطنية عن إصدار القرارات واتخاد الإجراءات التي اعتبرت صارمة لترتيب العاصمة أمنيًا والقضاء على التشكيلات المسلحة التي غيرت ولاءها مؤخراً واتجهت لدعم باشاغا.
وأعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، عن تكليف وزارة الدفاع بالإسراع بوضع خطة شاملة لإخراج المعسكرات من وسط مدينة طرابلس، مشيرًا إلى إعطائه تعليمات مباشرة لإزالة المقرات الأمنية من مصيف طرابلس وتحويلها إلى شاطئ عمومي، وإعادة مبنى الإذاعة بشارع النصر إلى قطاع الإعلام.
جاء ذلك في خطاب تعليقًا على الاشتباكات التي شهدتها طرابلس بين قوات موالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وأخرى موالية لرئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، والتي أسفرت عن مقتل 32 شخصًا وإصابة 159.
واضاف الدبيبة: «لقد شنوا عدوانًا همجيًا على عاصمة بلادهم بعد أن حشدوا الإمكانات المادية من سرقة ضرائب الليبيين، وحشدوا الدعم الإعلامي للفتنة بين الليبيين، وكأن ليبيا ليس بها من يغارون عليها ويقفون بالقوة والمرصاد للمنقلبين على السلطة بالحديد والنار».
وتابع أن «العدوان انتهى دون رجعة ومعه مشروع التمديد للجاثمين على صدور الليبيين منذ 8 سنوات، وحلم الانتخابات قد اقترب أكثر وأكثر»، معتبرًا أن «الديقراطية في ليبيا لم تتحقق حتى اليوم، لأنها ليست يوم الانتخابات ولكنها يوم التجديد لمن أحسن، والعزل لمن أخطأ». وأشار إلى أن «تعطيل الانتخابات السابقة أو ما سمي (القوة القاهرة) كان بسبب آلية الطعون، التي وُضعت بشكل يفشل العملية الانتخابية برمتها»، مضيفًا: «يا سيد عقيلة ويا سيد المشري، لقد فشل مشروع الحكومة الموازية، لأن الشعب يرفض التمديد، الشعب الليبي ليس قاصرًا حتى يخدع بفكرة ظاهرة حكومة جديدة، وباطنها التمديد لأجسامكم التي فقدت الشرعية والمشروعية».
وأشار الدبيبة إلى تصريح رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح، الذي قال: «أعطوني قانونًا أنفذ به الانتخابات»، مخاطبًا الجهات التشريعية، مضيفًا: «أطلقوا سراح الليبيين، وأصدروا له القاعدة الدستورية للانتخابات». وقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، إن من شنوا العدوان على طرابلس كانوا مطية لأجندات دولية لا تريد الاستقرار للبلاد، معتبرًا أن الديقراطية في ليبيا لم تتحقق حتى اليوم، لأنها ليست يوم الانتخابات، ولكنها «يوم التجديد لمن أحسن والعزل لمن أخطأ».
ودعا الجميع دون استثناء لإعلاء كلمة الوطن، وجمع الصف، ونسيان صراعات الماضي، ونرحل جميعًا، ولكن عبر الانتخابات.
وتابع الدبيبة، في كلمة بثتها منصة «حكومتنا»: «اذهبوا إلى الانتخابات قبل أن يفوت الأوان، واحذروا غضب هذا الشعب الحليم إذا غضب. لا للحلول التلفيقية، نعم للانتخابات، لا للتمديد، نعم للانتخابات. لا للحرب، نعم للانتخابات».
كما أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الأحد، القرار (387) باعتبار 17 شخصًا ممن توفوا جراء الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس خلال اليومين الماضيين من شهداء الواجب، وهو ما سينطبق أيضًا على كل من يتوفى من الجرحى نتيجة هذه الأحداث بعد صدور هذا القرار. وفي السياق ذاته، أصدر المدعي العام العسكري التابع لحكومة الوحدة الوطنية، الأحد، أوامر بالقبض على كل من آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة الجويلي، ورئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، ووزير الصحة والناطق باسم الحكومة عثمان عبد الجليل، ورئيس الحزب الديمقراطي محمد صوان، ومنعهم من السفر ووضعهم في منظومة الترقب والوصول.
وطالب مكتب المدعي العام العسكري، مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب بوضع أسماء كل من أسامة عبد السلام محمد الجويلي وفتحي عبد السلام باشاغا وعثمان عبد الجليل محمد أحمد ومحمد حسن محمد صوان، بقوائم الممنوعين من السفر ومنظومة الترقب والوصول، على خلفية التحقيقات الجارية لديه في القضية رهن التحقيق بأحداث العدوان على مدينة طرابلس وترويع الآمنين بتاريخ 27 آب/ أغسطس الجاري.
كما طالب مكتب المدعي العام العسكري كلًا من إدارة الشرطة العسكرية وإدارة الاستخبارات العسكرية وجهاز دعم الاستقرار وجهاز المخابرات العامة وجهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وجهاز الأمن الداخلي وجهاز المباحث الجنائية بالبحث والتحري والقبض على باشاغا وصوان والجويلي وعبد الجليل وتسليمهم إلى مكتب المدعي العام العسكري. وعلق رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا، الأحد، على الاشتباكات قائلا إن حالة الفوضى الأمنية وترويع الآمنين في العاصمة طرابلس أحدثتها مجموعات إجرامية خارجة عن القانون تأتمر بأمر (رئيس حكومة الوحدة الوطنية) عبد الحميد الدبيبة، مؤكدًا على انتهاء ولايته وشرعيته وفق اتفاق جنيف الدولي، وكذلك بموجب قرارات مجلس النواب.
وتأسف باشاغا عن تلك الأحداث، مترحمًا على من قضى فيها، وأكد نبذه الدائم العنف وتمسكه المطلق بممارسة الحقوق السياسية بالطرق السلمية، متهمًا الدبيبة باستغلال موارد الدولة ومقدراتها لتشكيل ودعم مجموعات مسلحة ترسخ حكمه وسلطانه بمنطق القوة والأمر الواقع والتأسيس لدولة ديكتاتورية مستبدة تستهدف كل من يعارضها بالقبض والسجن. وتابع: «نؤكد دومًا أن غايتنا ليست الوصول للسلطة، وإنما إقامة دولة مدنية ديمقراطية يسودها القانون ولا يسودها الفساد والديكتاتورية والقمع والإرهاب الذي يمارس حاليًا من تلك العصبة المستولية على العاصمة طرابلس».
كما أكد باشاغا أن حكومته ناتجة عن عملية سياسية دستورية ديمقراطية، وأنها خاضعة تمامًا لقواعد الديمقراطية، وتضع نفسها رهن إرادة الشعب الليبي ومؤسساته التشريعية والدستورية، ولا تستهدف إلا المصلحة العامة عكس الذين يستأثرون بالدولة ومقدراتها وثرواتها لأجل مصالح شخصية وعائلية صارت ترهب ليبيا وشعبها ومستقبلها لإرادتهم وأطماعهم.
واندلعت اشتباكات بالاسلحة الثقيلة والمتوسطة في عدد من أحياء العاصمة طرابلس ليلة الجمعة، ولم تتوقف حتى السبت بين مجموعتين مسلحتين في شارع الزاوية ومنطقة باب بن غشير وشارع الجمهورية، ومجموعات أخرى في بوابة الجبس تضمنت داعمين لرئيس الحكومة المعين من البرلمان باشاغا.
وأعلنت وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية الأحد، ارتفاع حصيلة ضحايا الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس إلى 191 شخصًا ما بين قتيل وجريح. ووقعت الاشتباكات بين كتائب محسوبة على باشاغا وأخرى محسوبة على رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وذلك بعد تلميحات عديدة وتحذيرات من باشاغا باللجوء إلى السلاح في حال لم يتمكن من الدخول إلى طرابلس. وخيمت أجواء من الهدوء الحذر في العاصمة طرابلس، الأحد، بعد اشتباكات ليلة الجمعة وصباح السبت، حيث شهدت المدينة تراجعًا في المظاهر المسلحة في مناطق الاشتباكات، فيما بثت شركة الخدمات العامة، تسجيلًا مصورًا لعمليات إزالة آثار الاشتباكات من أمام مستشفى الحروق، وبريد شارع الزاوية، ومنطقة باب بن غشير.