الدراما الرمضانية ترسم ‘ماكيت’ الثورة الثانية في مصر

حجم الخط
0

القاهرة ـ ‘القدس العربي’ من : لم تشغل الثورة الثانية أهل الفن عن الاحتفال السنوي بشهر رمضان، بل لعلها كانت دافعاً وحافزا لإثبات الدور الريادي للثقافة والفكر والدراما في مواجهة التعسف الإخواني ودعاوي التكفير والتحريم.
هذا العام سيشهد سباقاً محموماً بين النجوم في إطار التنافس على النجومية والاستحواذ على القاعدة العريضة من الجمهور المحب لما هو فني وثقافي وإبداعي، ليلى علوي هي الأبرز بين البطولات النسائية فهي من كانت حاضرة بقوة العام الماضي بمسلسل نابليون والمحروسة، ذلك العمل التاريخي المهم نابليون والمحروسة، ذلك العمل لتاريخي المهم الذي جعلها في مقدمة الصفوف وأكد قدرتها على التفوق والتألق والتنوع الأدائي، حيث قدمت الشخصية بدون رتوش أو زخرفة واعتمدت فقط على موهبتها فنالت استحسان الجمهور وحصلت على العديد من الجوائز المحلية والدولية.
وعلى ذات الدرب وبنفس الكفاءة تعود إلينا في عام جديد بدور مختلف يذكرنا بأدوارها قبل عشر سنوات أو أكثر، إذ تجسد في مسلسل ‘فرح ليلى’ شخصية فتاة جميلة تدرك مقومات الجذب لديها وتتمرد على من يتقدم للزواج منها تحت حجج وذرائع مختلفة تشي بوجود أزمة عامة في مسألة الارتباط والأحوال المزاجية المتغيرة وغير المفهومة في حسابات بنات حوا، وهي أغوار عميقة لم يصل إليها الرجل الذي يدعي انه الأقدر على فهم طبيعة الأنثى وشئونها الخاصة.
فرح ليلى دراما تعتمد على روح الفكاهة والتباين في أداء ليلى علوي وقدرتها على التنويع وتقريب المفاهيم الكبرى بأبسط التيمات، وعلى الرغم من أن ليلى علوي نجمة سينمائية لها قدرها على الشاشة الكبيرة، إلا أنها تبدو أبسط في أدائها الإنساني وأكثر إقناعاً، لكونها لم تصب بعد بأمراض النجومية وعقدة النجمة الجميلة التي كانت سبباً في إنزواء الكثيرات لعدم قدرتهن على استيعاب المتغيرات التي تحيط بالممثل فتعجزه أحياناً عن التماشي مع المراحل العمرية والاعتراف بالزمن، لقد أعملت ليلى علوي ذكائها فنجت من هذا المأزق وخرجت من شرك الغرور فباتت بطلة كل المراحل ومناسبة لكثير من الأدوار.
وربما ليست هي الفنانة الوحيدة المتجاوزة للأفكار التقليدية في حساباتها الفنية فهناك يسرا وإلهام شاهين لم تتخلى أي منهما عن مكانها كنجمة وبطلة لأهم الأعمال في موسم ذروة المشاهدة فيسرا تشارك أيضاً بمسلسل وتسعى للاحتفاظ بمكانتها كلاعب رئيسي في السباق الرمضاني، وكذا إلهام شاهين التي لم تكتف بالتمثيل ولكنها دخلت بكل ثقلها في غمار المعارك الانتاجية لتكمل ما تعتقد انه خطوة على طريق التحدي أمام من يحاربونها ويحرمون الفن والإبداع، وهو ما يعد استكمالاً لمعركتها مع الرجعية المعادية للجمال والخلق والابتكار.
وليس أدل على العداء السافر للفن والفنانين من قيام بعض المتشددين برفع دعاوى قضائية ضد مسلسلات لم يتم عرضها لمجرد الشك في أنها تسيء لبعض من يسمون أنفسهم بالمشايخ، كما هو حادث في مسلسل ‘الداعية’ الذي يقوم ببطولته هاني سلامة ويزعم نفر من الناس انه تجسيداً لشخصية يهدف للنيل من مكانته ويشوه سمعة الدعاة أمثاله، هذا الجزم بالتشويه يستند إلى ما عُرض من بعض التنويهات على القنوات الفضائية الخاصة التي توضع عادة للتشويق والجذب لزوم تنشيط سوق التوزيع وزيادة نسبة المشاهدة في داخل مصر وخارجها، وهذه لا تعدو كونها مشاهد مجتزئة من الحلقات لا تصلح لأن تكون حجة يحكم بموجبها بإيقاف عرض المسلسل!
هذه المقدمات تقودنا الى اكتشاف حالة التربص الجلية بالإبداع والمبدعين وتشير إلى ما وصلنا إليه من مستوى متدني في الحكم على الأشياء من مظاهرها المبدئية دون تأن أو محاولة للفهم!
الغريب أن تلك الاحتجاجات والدعاوي القضائية تأتي من أناس يعدون أنفسهم ممن يقومون المجتمع ويعملون على نهضته، بينما الحقيقة تعكس غير ذلك وتؤكد أن المحاولات الدؤوبة من جانب ‘الجماعة’ وأتباعها لوئد المشروعات الفنية والقضاء على الحركة الثقافية يعضد تيار التمرد ويشعل جذوة الثورة الثانية بامتياز ولا نبالغ إذا قلنا إنها ستكون ‘الموجة الحارة’ الفعلية التي تنبأ بها الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة قبل رحيله ويتزامن تصويرها وعرضها في نفس التوقيت لتصبح شاهد عيان على ان الدراما تسبق زمانها في كثير من الأحيان فما كتبه عكاشة قبل ثماني سنوات على الأقل يتحقق الآن كأنه وليس اللحظة.
شهادات كثيرة تدلي بها الأعمال الرمضانية في أحداث السياسة والثورة وما يتعلق بهما في القريب العاجل على مستويات أخرى يدركها التغيير حتماً شاء الرافضون أم أبوا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية