الدراما المصرية: تتعدد الأسباب والعيوب واحدة

كمال القاضي
حجم الخط
0

لم تخرج الدراما المصرية في السنوات الأخيرة عن صور التشوه الاجتماعي، إما بالتركيز على العشوائيات والفوضى وجرائم القتل والانحراف الأخلاقي، أو بالغموض والإثارة والدخول في أطوار الأمراض النفسية أو اللعب على مغازلة الجمهور الرياضي بخلق أنماط غير اعتيادية لأحداث تتصل بحياة الرياضيين وأبطال ألعاب القوى الذين بدأوا مؤخراً في الظهور على الشاشة ممثلين لشريحة استثنائية لم تكن معروفة لدى الجمهور العادي من قبل، وقد وجدت هذه النوعية من المسلسلات قبولاً عاماً فزاد التركيز عليها لتصبح نوعاً درامياً مُعترفا به في سوق الإنتاج والتوزيع.

ومن بين ما تم إنتاجه خلال العامين الماضيين، مسلسل “هوجن” بطولة محمد عادل إمام ومسلسل “لمس أكتاف” لياسر جلال.

وبموجب النجاح الذي تحقق لهذين العملين جرت تحضيرات أخرى لأعمال مشابهه وما زالت جُعبة الكُتاب مليئة بما يُستجد. ولهذا التوجه أسبابه التي توحي بمحاولات كسب ثقة جماهير الرياضة واستقطابها لتكون ضمن القوة المشجعة للنوع الدرامي الجديد بعد استنفاد وسائل تطوير الدراما التقليدية وتشبع المشاهدين البيتوتيين بالأفكار التي أكل عليها الدهر وشرب نتيجة إعادة تدوير القصص والحكايات منذ ما يقرب من عشرين عاماً، اللهم بعض الاستثناءات القليلة التي كتبها كُتاب كبار مثل محفوظ عبد الرحمن ويسري الجندي وأسامة أنور عكاشة ووحيد حامد، وأحدثت صدى وتغييرا حقيقيا في ذائقة المشاهد المصري والعربي، كـ”بوابة الحلواني” و”جمهورية زفتى” و”الطارق والشهد” و”الدموع” و”ليالي الحلمية” و”الراية البيضاء” و”العائلة والجماعة” حيث لم تترك تلك النماذج الدرامية المُعتبرة فرصة للآراء السلبية لانتقادها والإشارة إلى نواقصها وعوراتها الفنية، وذلك لأهميتها وقدرتها على الإقناع وهو ما جعلها الأكثر تميزاً برغم سيول المسلسلات والحلقات التي جاءت بعدها.

أما عن الغث والسمين في مسلسلات العام التاسع عشر والعام العشرين في الألفية الثانية، فلم يرتق منها إلى مستوى المنافسة غير النزر اليسير، ولنا في ما تم عرضه فعلياً العظة والعبرة. ولنبدأ بمسلسل “ولد الغلابة” الذي كان أقرب إلى الفواصل الكوميدية منه إلى العمل الدرامي المصروف عليه بسخاء بغير جدوى، وهو أمر نوقش في حينه وتمت الإشارة أثناء العرض الأول إلى مواطن الضعف المزري وأوجه الخلل البين في كل الجوانب بما فيها أداء الأبطال الرومانسيين والمجرمين والقتلة والمتآمرين في إطار واحد وتكوين إنساني لم يتوافر إلا في الشياطين والأبالسة!

ومثله كانت حزمة المسلسلات التي قدمها النجم عادل إمام بإصرار على التواجد، كـ”عفاريت عدلي علام” و”أستاذ ورئيس قسم” وأخيراً “فلانتينو” الذي دخل به الموسم الرمضاني الماضي لينافس نادية الجندي ونبيلة عبيد، أبطال المسلسل الأضعف “سكر زيادة” المفارق في شكله ومضمونة للعنوان التجاري الذي لم يدل على أية حلاوة أو طلاوة ومر كغيره من الأعمال الضعيفة المتهافتة مرور الكرام برغم طنين الدعاية التي سبقته والمحاولات اليائسة للمتاجرة بأسماء النجمتين الكبيرتين.

وفي السياق جاءت مسلسلات أخرى أكثر ضعفاً وتهافتاً معولة على التأثير الجماهيري للبطولات النسائية، كمسلسل “فرصة تانية” لياسمين صبري التي ظلت طوال الحلقات الثلاثين تطوف حول نفسها في حركة دائرية حول الحدث فأصابت المشاهد بالدوار وفي النهاية لم نجد لدورانها أي معنى، اللهم غير وقوفها في ذات الدائرة كأنها لم تتحرك خطوة واحدة، وكذلك مسلسل “اللعبة” لمي كساب، المحتوي على جُرعات كوميدية زائدة عن المُعدلات المُستساغة والمُتسبب في زيادة نسبة الاستظراف وخروج الكوميديا عن إطارها الطبيعي باللجوء إلى الافتعال والتكلف في الأداء لإجبار الجمهور على الضحك القسري بلا أدنى قيمة حقيقية أو مجازية.

وما بين مسلسل “اللعبة” ومسلسل “لعبة النسيان” كانت المسافة الفاصلة بين جدية الطرح والمعالجة وبين الكوميديا غير المُسببة، ففي الأخير توافرت بشكل حقيقي عناصر الإثارة والجذب فظهر الفارق النوعي في الكتابة والإخراج والأداء التمثيلي للبطلة دينا الشربيني فرفع ذلك من أسهمها ووضعها في مصاف نجوم السباق والرهان الأساسيين في المواسم الرئيسية.

أما في مسلسل “إتنين في الصندوق” فقد اتسعت الرقعة الدرامية لكل الاحتمالات ورأينا الشيء ونقيضه، كوميديا وتراجيديا وضحك ولعب وجد وهزل، كأن الكاتب قد راعى كل الأذواق ولم يشأ أن يُحرم أحداً مما يُحب فآثر أن يتضمن صندوقه السحري كل الألاعيب، وبالضرورة تبددت طاقات الممثلين الكبار والنجوم الشباب، صلاح عبد الله وحجاجي عبد العظيم وفتوح أحمد وانتصار وحمدي الميرغني وأوسئوس، فلم تُسفر الأحداث عن أي جديد أو مفيد وبدت النهاية عبثية، لا هي كوميدية ولا هي تراجيدية، حتى أنها خرجت تماماً عن السياق الإنساني الذي اتسمت به الحلقات الأولى فضاعت كل المجهودات المبذولة هباء.

وليست الأمثلة التي تقدمت سوى عينات قليلة من نوعيات كثيرة لأعمال تندرج بالاسم فقط تحت بند الدراما التلفزيونية، لكنها بالقطع لا تمثل العناوين  الكلية لمضامين الدراما المصرية بحضورها وتاريخها، فهناك من الأجود والأرقى ما يستحق الإشادة كالأمثلة سالفة الذكر، بيد أننا أردنا أن نضع الأقل قدراً وحظاً من دراما 2019 و2020 بين قوسين لنحذر من مغبة الاستسهال والتراجع.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية