راقب المشاهدون العرب، الانتخابات الأمريكية، بكثير من الاهتمام، وهم المحرومون من رؤية هكذا عملية سياسية داخل بلدانهم. يعود ذلك أيضاً لإدراك الجميع، أن هذه الدولة العظمى، تُحدد بسياساتها، مستقبل المواطن العربي، أكثر بكثير، من ساسة بلدانهم أنفسهم.
الوضع السياسي العربي، يُظهر مدى تخلف الأنظمة العربية، عن المعركة الحضارية للإنسانية، فنحن في واقع الحال، وبسبب هكذا أنظمة، لسنا إلا موضوعاً مطروحاً على طاولات الدول المؤثرة بالعالم، ولسنا طرفاً فاعلاً بحد ذاته.
سياسات فاعلة
سياسة أي دولة، تعتمد على قوتها بنواح عديدة، ولكن أيضاً على قوة الطرف الآخر لهذه السياسة، فالسياسة الأمريكية تجاه الصين مثلاً، ليست قراراً أمريكياً بحتاً، بل هو أيضاً قرار صيني، يُفرض على أمريكا، والعكس صحيح، فلكل طرف مصالح ووسائل قوة، تمنحه تحديد سياسات فاعلة.
لو نظرنا للأطراف العربية، كل دولة على حدة، قد نجد أن تلك الدولة أو الأخرى، هي ذات أهمية على المستوى الاقتصادي أو الجغرافي، إلا أنها غير مؤثرة، على المستوى السياسي، بمعنى أنها لا تستطيع أن تأخذ مواقف سياسية بناء على هذه القوة الاقتصادية، أو هذا الموقع الجغرافي المهم. ذلك لأسباب عديدة مُهمة منها، أن هدف أي نظام عربي تقريباً، هو البقاء بالسلطة، وليس الدفاع عن مصالح بلده.
هذا البقاء بالسلطة، هو الذي دفع رئيس مثل الأسد، لتدمير سوريا، ووضعها تحت الوصاية الأجنبية، أو هدر أموال الشعب السعودي بالمليارات، لدعم حامي النظام، الأمريكي ترامب، أو الدخول في معارك لا تُعبر عن مطامح الشعب السعودي.
الذين ينتظرون التغيير بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد وصول الرئيس بايدن عليهم فقط أن ينظروا إلى مصالح أمريكا والقوى الفاعلة في الحزب الديمقراطي، خصوصا الجناح اليساري وليس للمواقف العربية مهما علا ضجيجها، لأنها لا تملك أي وسيلة للتأثير وتجري وراء الحماية الأمريكيه.
وما نرى من نصوص رسائل التهنئة العربية لبايدن والتي تنتظر كلها تدخل الولايات المتحده لحل مشاكلنا لدليل على العجز الكامل لهذه الحكومات وتبعيتها للمقرر الأمريكي.
السياسة الخارجية المُعلنة، هي الجزء المرئي من وسائل دولة ما للدفاع عن مصالحها، الجزء الأقل رؤية هو البُعد الداخلي لهذه السياسة الخارجية، أي نوع وكم ووحدة الدعم الشعبي، والوسائل الاقتصادية، وعناصر القوة المُتواجدة داخل هذه الدولة.
هذه العناصر هي، حجم الدولة السكاني والجغرافي والاقتصادي، ونوعية تحالفاتها الدولية، وأيضاً تمتعها بفترة سلم وأمان طويلة لتتمكن من البناء.
هذه الأسباب (سكان مساحة سلم) تسمح لها بالمشاركة بالحضارة الإنسانية من موقع الفاعل.
لو قارنا الولايات المتحدة ( 9,8 مليون كم مربع،328 مليون نسمه، تمايز سكاني وبعد جغرافي) مع الدول العربية ( 13,3مليون كم مربع، 429 مليون نسمه، ثروات لا تحصى، موقع جغرافي بين ثلاث قارات، تشابه سكاني ) فإننا سنلاحظ، أنه لا توجد أي دولة تملك هذه الوسائل للبناء الحضاري، بمعنى أن جزءا أو كل هذه العناصر مفقودة، فمصر دولة كبيرة السكان، لكنها محدودة المساحة والموارد، قطر أو الكويت في المقابل، لهما موارد، ولكنها تفتقر للعدد الكافي من السكان أو المساحة، وهكذا بكل الدول العربية، بالإضافة إلى أن كل هذه الدول، تفتقر إلى السلم الداخلي والخارجي، فهي إما مشغولة بالقمع والحروب الداخلية، أو مشغولة بالحروب الخارجية.
عناصر التأثير الحضاري
لو أخذنا كل دولة أو ولاية أمريكية على حدة، فلن نجد أي ولاية تمتلك عناصر التأثير الحضاري بمفردها، بسبب عدم امتلاكها للعناصر الثلاثة بنفس الوقت، مع أنها تتمتع جميعاً بالسلام منذ فترة طويلة، فالحجم السكاني أو المساحة أو الموارد، ستكون غير كافية لذلك. الهدف الأساسي للآباء المؤسسين للولايات المتحدة، كان هو إعطاء هذه الدول أساساً، إمكانية التجمع وبدء عملية حضارية، أثرت على الإنسانية جميعاً.
نحن في دولنا العربية، مهما كانت وسائل كل دولة وأهميتها ونظامها السياسي، لن نتمكن من المشاركة الفعالة، بالسياسة الدولية بمفهوم تغييرها لصالحنا، إلا إذا فهمنا أهمية تجميع القوى (سكان ومساحة ووسائل) في إطار النظام الديمقراطي كشرط اضطراري كما بأمريكا، وأنهينا حروبنا الداخلية والخارجية العقيمة، لنتمكن جميعاً من بناء أوطاننا.
العالم يتجه منذ سنوات عديدة، نحو التجمعات الكبيرة الديمقراطية، سكانياً وجغرافياً واقتصادياً، حتى ولو اختلفت اللغات والمسارات التاريخية، ورغم كل ما حصل من حروب وخلافات سابقة، هذا ما نراه مثلاً في الاتحاد الأوروبي.
التغير الديمقراطي المأمول، والذي يضع الشعب في موقع السلطة، كما حدث في تونس، سيكون المفتاح للولوج بهذا الطريق. فمثلاً لو توافقت دول شمال أفريقيا الخمس، على بناء اقتصادي وسياسي وحضاري مشترك (مساحة 6 ملايين كيلومتر مربع، سكان 101 مليون نسمة، موارد وثروات طبيعية هائلة) فهم بكل تأكيد سيكونون أكثر فعالية، وأكثر مساهمة، بتحديد السياسات التي تهمهم، وتهم شعوبهم، مما نراه حالياً عندما يغني كل على ليلاه، وليلى أمامهم لا يرونها.
كاتب ومحلل سياسي