الدستور بين مبارك والإرهاب وعالم التسريبات

حجم الخط
1

في استجابة سريعة للأخبار التي تناولت الإعلان عن زيادة أخرى في الأسعار مع بداية العام، انتشرت صورة الطفل الباكي، وهو يطالب المدرسة بالحصول على فترة قصيرة للنوم خلال اليوم الدراسي، وبدلا من أمنية النوم الغائبة، كانت أمنية الواقع البعيدة هي الحصول على فرصة للاحتفال بالعام الجديد.
أمنية السعادة المصاحبة للبدايات، التي غابت وسط حديث ارتفاع الأسعار والقروض ومطالبة الشعب بالدفع، من أجل تقليل كثافة الفصول الدراسية وغيرها من البنود، سبقها استحضار الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك للمشهد، عبر شهادة في مواجهة الرئيس الأسبق محمد مرسي، في قضية اقتحام الحدود الشرقية تعرضت بدورها للكثير من الجدل، وأثير حولها العديد من التساؤلات الموضوعية بدون الحصول على إجابات كافية.
أثار حضور مبارك المادي حالة من السخرية، حيث يحضر الرئيس المخلوع الذي أخرجته الثورة بصوره ما، وحكمت عليه على الأقل في قضية مخلة بالشرف، في حالة صحية أفضل من فترة محاكمته، في مقارنة لا تخلو من رمزية، المفارقة بين حاله وحال مصر، من أجل محاكمة الثورة نظريا ومحاكمة نظام حكمه فعليا. يعترف مبارك بأن سقوط النظام، وعلى الأقل جزء أساسي من بند غياب الأمن وفتح السجون، نتاج اختراق 800 فرد من عناصر حركة حماس للحدود الشرقية، ورغم هذا التأكيد تغيب تفاصيل وتساؤلات أخرى مهمة، عن السياق الذي تم فيه هذا الاختراق، والأدلة التي تؤكده، كما يتجاوز مبارك حقيقة أن نظامه الأمني فشل في التصدي لتلك العناصر، التي استطاعت وفقا له أن تصل للسجون وتعود، بدون محاسبة، رغم عقود الأمن أولا والتضحية بالديمقراطية، في رسالة سلبية عن اللحظة التي تتعاظم فيها التضحيات وتغيب الإنجازات.
قدّم مبارك تفسيرات مختلفة عن وقائع قريبة نشرت بالصوت والصورة من السجون وعنها خلال ثورة يناير وبعدها، كان الجيش طرفا فيها، وكذلك شخصيات أخرى حاولت خلع رداء تأييد مبارك وإعلان ولاء غير حقيقي للثورة، تحول مع الوقت للوقوف ضدها، أو للوقوف مع المنتصر. وقبل أن يغيب مبارك عن ساحة الجدل، والمرجح أن يستمر، خاصة مع اقتراب ذكرى يناير، عاد أسلوب حكمه للواجهة، من خلال مقال نشر من قبل شخصية مقربة من النظام الحاكم عن مجلس حماية الدولة، والتعديلات الدستورية المطلوبة في العام الجديد، الذي وصف، وللمفارقة، بأنه عام الإصلاح السياسي المتأخر والضروري، من أجل استمرار رئيس الضرورة، بدون أن يحدد الكاتب ما هو تعريف الإصلاح السياسي عندما يكون هدفه ترسيخ حكم الفرد، ليس في سنوات محددة وفقا للدستور فقط، ولكن في سنوات ممتدة بدون حساب عبر تعديل الدستور وتغيير الواقع. تساؤل يجد إجابته في الهدف الذي أشار اليه الكاتب، بطريقة ربما لم يقصدها عندما أكد أن مقترحاته تهدف لحماية “مستقبل الحكم” وهو يقصد الحاكم ومن حوله.

تعديل الدستور يتحول إلى الوصفة الوحيدة المقدمة بشكل شبه رسمي للإصلاح السياسي

يأتي المقال المشار إليه، الذي نشر في 29 ديسمبر 2018، بوصفه خطوة مهمة في الآليات المتصور اتباعها للوصول للهدف النهائي، المتمثل في تعديل الدستور، أو إصدار الإعلان المكمل باسم التفويض والمطالب الشعبية بعد تهيئة البيئة اللازمة من خلال مقالات وحوارات وساعات بث ممتد مع مسار قضائي ودعم برلماني وتجمعات معلبة للجماهير المؤيدة، خاصة أن المقال لا يتصور أن يتم ترويجه كما هو، ولكن عبر التفاعل معه وتحويله إلى خطاب يسهل تسويقه، قائم على ضرورة بقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي من أجل الإنجازات التي تتجاوز السنوات، التي لم يتصور أحد إمكانية تحققها، كما قال الكاتب، ويقول غيره في حملة التعديل الدائرة، مع الاحتفاظ بتلك الوضعية، للسيسي منفردا، بما يبرر أن يترأس مجلس حماية الدولة المقترح. على الأقل في اللحظة، ما لم تتغير الأوضاع ويتغير الولاء، كما حدث لدى الأسماء نفسها من مبارك الابن للسيسي.
يستحضر الحدث أسلوب مبارك في الحكم، حيث يتم الاعتماد على التسريبات والإشاعات والكتابات المنفردة، من أجل جس النبض وإعداد الشارع للخطوة المراد الوصول إليها. طريقة ارتبطت عادة، بفترة الإجازات التي تسمح بصدور ردود فعل غاضبة قبل مواجهة الواقع الجديد. بدوره استمر النظام الحالي في استخدام الآلية نفسها، كما يحدث في الإعلان عن تخفيض الدعم، وزياده الأسعار بطرق متشابهة تبدأ من التسريبات والإشاعات ونفيها، قبل أن تصل إلى المسؤول الذي يقوم بنفي جزئي أو كلي، قبل أن يتم إصدار القرار والعمل به فعليا.
أضيف للمرحلة وضع تكتيك الإعلان التدريجي، في سياق استراتيجية أكبر تقوم على تعميق خطاب الإنجاز، عبر تسريبات أضخم من المتوقع، كما في أسعار تذاكر المترو، أو نسبة الخفض في دعم بعض السلع، ثم رفع الأسعار أو خفض الدعم بدرجة أكبر من اللحظة، وأقل مما تم تسريبه، ويبدو الناتج النهائي وكأنه إنجاز الغياب، كما عرفناه من قبل حين يكون غاية الإنجاز هو تقليل درجة المعاناة الحقيقية عن المعاناة المتصورة في خطاب التسريبات السابقة. والمحصلة زيادة المعاناة الحقيقية والأثمان المدفوعة على حساب الوطن والشعب.
يتحول حديث تعديل الدستور، إلى الوصفة الوحيدة المقدمة بشكل شبه رسمي للتعامل مع الواقع السياسي باسم دخيل عليه هو الإصلاح في حين أنه يهدف إلى ترسيخ السلطة القائمة، يتم تحريك الجدل في اتجاه الاشتباك مع المقال وما حمله من أفكار. ووسط خطاب الرفض والتأييد، تبرز محاولات التعاطي مع الطرح المقدم باعتباره واقعا لابد من ترشيده، وهو ما يصب في الهدف النهائي وهو الوصول إلى طريق ثالث يضمن بقاء السيسي، بوصفه الشخص المسيطر على الحياة السياسية في اللحظة والمستقبل، سواء عن طريق تعديل مباشر في فترة ومدد الحكم الحالية، أو عن طريق مد مؤقت ومجلس الحماية، الذي يفترض أن يتشكل ومعه حصانة تصب في فكرة حصانة منصب وزير الدفاع ما بعد مرسي، وتؤكد على رغبة الجميع في تغييب الإصلاحات الحقيقية، التي تقوم على المكاشفة والمحاسبة لعقود أخرى مقبلة، لأن مصر، كما يقال، في مرحلة انتقالية أبدية الطابع كما يبدو.
وسط الهدف النهائي المتمثل في إعداد الساحة دستوريا من أجل بقاء واستمرار السيسي، ظهر التناقض واضحا في التعامل مع عملية المريوطية الإرهابية التي حدثت في 28 ديسمبر، من ناحية يمثل الإرهاب والحرب المفتوحة ضده، أحد الأسس التي يدافع بها النظام عن تغييب الحريات والحقوق، ولكن تركيز الاهتمام على العملية بكل ما صاحبها من ملابسات غير واضحة، مثل حديث وجود العبوة الناسفة في شارع خارج مسار الأتوبيس السياحي، وموقع الحدث القريب من العاصمة والأهرامات، يمثل تحديا لخطاب إنجاز حماية الأمن والأمان وضرورة بقاء النظام. تناقض ظهر واضحا في الحديث عن الإرهاب بوصفه مبررا لتعديل الدستور، ووسيلة إغلاق الفرص أمام عودة الإخوان أو قوي يناير للسلطة، كما يتردد، فكرة دعمتها محاولات الربط بين المرشد السياحي، أحد الضحايا، والعملية عبر استحضار الإخوان للواجهة من أجل تبرير المطالبة بالغاء المادة الخاصة بالعدالة الانتقالية من الدستور وتكثيف خطاب الكراهية الذي يغيب. وخطاب إنجاز النظام في محاربة الإرهاب، معبرا عنه بعدد وجنسية من مات، كما جاء في تعليق يعتبر عنصريا في التعامل مع الموت ومهمشا لقيمة المواطن الضحية.
وللخروج من هذا المأزق أكد خطاب آخر بشكل رسمي الطابع على المساحة الوسط التي تؤسس فكرة استمرار خطر الإرهاب، مع التأكيد على تراجع آثارها السلبية. ورغم أن هذا الطرح يصب في خطاب ضرورة بقاء النظام، إلا أن تهافت فكرة المباراة الصفرية، التي تحتم الاختيار بين الإرهاب أو الحرية ظهرت على هامش تصريحات رئيس الوزراء، الذي أكد حدوث الإرهاب في كل مكان في العالم، والتغطيات التي أكدت أن كل الدول، بما فيها الديمقراطية، تواجه الإرهاب، ورغم أن تلك حقيقة، يظل التساؤل مطروحا عن آليات التعامل مع تلك العمليات، والقيم الكبرى التي تتم التضحية بها في مصر بسبب الإرهاب بشكل لا يحدث بالضرورة وبالنسب نفسها في الدول الأخرى التي تحترم الدساتير، ولا ترى في تلك العمليات مبررا لتعديلات دستورية أو ضرورة لبقاء بعض الاسماء كما يحدث في عالمنا، ولا يتم فيها تصفية عشرات بعد تلك العمليات بدون تحقيق أو فترة زمنية كافية للكشف عن تلك العناصر.
يقدم مقال التعديل الطرح الأعلى في مزاد الإصلاح المفترض، أما كل ما يحيط به من جدل متوقع فهو جزء من سياق إنجاز الغياب، حين يتم الوصول إلى المستهدف الذي يقدم بوصفه مرحلة ما قبل القاع، ونقطه التقاء الاقتراحات وتخفيض فكرة مجلس حماية الدولة، بكل ما أثاره من انتقادات نابعة من تشابه مع سياق سياسي آخر، إلى إنجاز غياب مجلس حماية الدولة، مقابل حضور تمديد الحكم، أو ما بينهما بفرق الاسماء دون الجوهر. يتشابك حضور مبارك المادي والرمزي مع العمليات الإرهابية، وأهمية إدانة ثورة يناير بوصفها مجرد مؤامرة عابرة للحدود، من أجل تأكيد أهمية وضرورة تعديل الدستور، يتم نفي التاريخ القريب وإعادة كتابه الوقائع، كما تريد سلطة اللحظة، ولسان الحال أن الدستور الذي كتب بحسن نية وضع قيودا من شأنها أن تحفظ ديمقراطية نسبية على الأقل في تداول السلطة، ولهذا لابد من تعديله وفقا لسوء الواقع وعالم أهل الشر حتى تتناغم وتكتمل الصورة، بدون أن تكون أفضل بالضرورة.
كاتبة مصرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الصعيدي المصري:

    بالاساس السيسي لم ينتخب انتخابا نزيها لا في فترته الاولى ولا الثانية وكل العالم شهد تنكيله بمن فكر ان يخوض ضده انتخابات الرئاسة الثانية حتى من رموز عسكرية ومن نفس فئته فضلا عن عمليات التزوير الفجة في لجان الاقتراع
    هو حاكم غير شرعي جاء بانقلاب دموي وسوف يظل غير شرعبا مهما حاول من تجميل صورته او غسل يديه من الدماء التي سفكها للوصول الى كرسي الحكم
    لا نتوقع نحن المصريين ان يكتفي السيسي بفترتين رئاسيتين ويترك الحكم اختيارا لاخر يليه ببساطة لانه يعلم انه قد يتعرض لمحاكمات اقلها الاعدام بعد ان وثقت الصورة والصوت والفيديو المجازر الجماعية ضد الانسانية في رابعة والنهضة وغيرها فضلا عن القتل خارج نظاق القانون لكل من يتجرأ وينطق بصوت معارض
    ثورة شعبية جديدة هي الطريق الوحيد للخلاص من اجرام وتنكيل الحاكم العسكري غي مصر وانتزاع حرية مصر من جديد

إشترك في قائمتنا البريدية