روسيا ستنهار، المسؤولون الروسيون سيثورون ضد الرئيس فلاديمير بوتين، حزب الله سينهار، إسرائيل ستعيد تشكيل الشرق الأوسط، من أبرز عناوين الإعلام الغربي في تناول حربي أوكرانيا وطوفان الأقصى، وهذه مجرد حرب نفسية رافقتهما للتأثير. وما لبث الأحدث أن كشفت واقعا آخر، وهو الوضع الحرج لأصحاب هذه البروباغندا، الغرب وإسرائيل اللذين أصبحا يشتكيان من التغليط.
في أعقاب الحرب الروسية ضد أوكرانيا في فبراير 2022، نشطت البروباغندا الغربية بشكل مكثف في تأويل للحرب لتحقيق هدفين، الأول وهو تقديم رواية مغايرة لما تصرح به روسيا، إذ إن هذه الأخيرة تبرز أن الحرب تسعى إلى منع وجود منظمة شمال الحلف الأطلسي على حدودها، ذلك أن روسيا رهينة فوبيا أمنية من حدودها الغربية، فمن هناك جاء نابليون للسيطرة على روسيا، ومن الغرب انطلق هتلر لتدمير الاتحاد السوفييتي، والآن الحلف الأطلسي.
إلا أن الغرب روج لرواية سياسة الهروب إلى الأمام للرئيس الروسي من المشاكل الداخلية التي يواجهها، ثم الرغبة في استعادة حدود الاتحاد السوفييتي. وكان الهدف الثاني وهو مرتبط بتأويل الأول هو ضرب أي تعاطف من طرف دول العالم، ولاسيما دول الجنوب مع روسيا. وتوالت الأخبار للتغليط مثل ضعف السلاح الروسي في مواجهة الغربي، وفجأة بدأ العالم يعتقد في الدور السحري لمقاتلات مثل إف 16 وصواريخ ودبابات ليوبارد في قهر الروس. وانتقل الأمر الى إصابة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسرطان والخرف وأمراض أخرى.
لم تعد الرواية الغربية حول الحروب القائمة على البروباغندا فعّالة أمام ناشطي شبكات التواصل الاجتماعي والدور الفعال لبعض وسائل الإعلام التي تفضح هذه البروباغندا
وفي الحرب الثانية التي تتعلق بالتي تشنها إسرائيل ضد كل من فلسطين ولبنان، تتبلور الشعارات الرئيسية حول ما يعتبره الغرب «المهمة المقدسة» في محاربة ما يعتبرونه «إرهاب» حزب الله وحركة حماس، ثم رسم شرق أوسط جديد كتكملة لمسار التطبيع بين الكيان والدول المطّبعة، والتنصيص على دور إسرائيل كقلعة للديمقراطية، وحصن متقدم للدفاع عن الغرب و»قيمه الإنسانية النبيلة»، ويمكن العودة إلى كتب جديدة صادرة مؤخرا منها كتاب «عزلة إسرائيل» للفرنسي برنارد هنري ليفي. وهكذا، وفي عالم لم يعد للغرب فيه السيطرة المطلقة في إنتاج الخبر وترويجه، ولكن هذا لا يمنع من استمرار قوته الكبيرة في هذا المجال، لم تصمد البروباغندا الغربية والإسرائيلية كثيرا أو بالأحرى لم تعد المسيطرة.
عسكريا في حالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تبين كيف لم يلعب السلاح الغربي دورا كبيرا في مواجهة روسيا، إذ لم تنجح كييف في استعادة ولو متر من أراضي الشرق الغنية «إقليم دونباس»، وبدأ الغرب يضغط على أوكرانيا لكي تقبل بالأمر الواقع، وهو واقع مرّ، وهو التخلي عن شرق أوكرانيا لموسكو كحل للحرب. وفي حالة الحرب الثانية، تبين كيف أن إسرائيل لا يمكنها خوض حرب لوحدها، سواء ضد المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية. وكيف انخرط الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة في تزويد الكيان الصهيوني بكل ما يحتاجه من أسلحة نوعية، خاصة القنابل شديدة الانفجار والتدمير، التي يبلغ وزنها قرابة الطن الواحد. ويلاحظ العالم كيف تهرع الأساطيل الغربية إلى الشرق الأوسط لتوفير الحماية لإسرائيل من هجمات المقاومة اللبنانية والحوثيين وصواريخ إيران. وكيف لم يتمكن الجيش الإسرائيلي بوحداته التي نسجت حولها أساطير مثل غولاني، التقدم ولو مترا في الجنوب اللبناني أمام التنسيق الحربي الفريد من نوعه للمقاومة اللبنانية. لولا الدعم العسكري الغربي لكانت إسرائيل قد انهارت عسكريا، أو على الأقل لكانت قد أوقفت الحرب منذ ستة أشهر، لأنها في العمق من دون هذا الدعم «أهون من بيت العنكبوت». سياسيا، تهاوت رواية الغرب حول روسيا، ولم تتعاطف غالبية دول الجنوب مع أوكرانيا، ولم يصطف هذا الجنوب إلى جانب واشنطن في الأمم المتحدة، لأنه اعتبر الحرب لا تعنيه، وهو الذي عانى من الحروب التي وقف وما زال يقف وراءها الغرب. وارتباطا بهذا، يشهد العالم أحد أهم حلقات الصراع الجيوسياسي، حيث بدأ الثنائي الصين – روسيا في التبلور ندا للغرب، انطلاقا من هذه الحرب التي سعت إلى عزل موسكو دوليا. وفي الملف الثاني، لم يعد الغرب يتحدث عن شرق أوسط جديد، بل ضمان حماية إسرائيل.
وأخلاقيا، تعج وسائل الإعلام العالمية وشبكات التواصل الاجتماعي بانتقادات قوية للغرب، بسبب موقفه الانحيازي وغير الأخلاقي في حرب أوكرانيا وفلسطين. لقد تباكى الغرب على ضحايا مدنيين في أوكرانيا، ويصمت على حرب الإبادة ضد المدنيين في قطاع غزة ونسبيا في لبنان. إن ما يلخص بشكل كبير هذا التناقض الأخلاقي، هو أن الغرب اتهم روسيا بضرب مستشفى في ماريبول، في مارس 2022، أسابيع قليلة بعد اندلاع الحرب، وتحدث عن جرائم ضد الإنسانية، رغم أن نسبة الوفيات كانت محدودة جدا، ولكن يبقون ضحايا ووفيات، كما أن الجهة المسؤولة غير معروفة، هل هي روسيا أم صاروخ اعتراضي أوكراني. وفي المقابل، وخلال نوفمبر الماضي ضرب الجيش الإسرائيلي وعن قصد وعلى مسمع العالم مستشفى الشفاء الفلسطيني، وتسبب في مقتل المئات ومنهم أطفال واستمر قصف باقي المستشفيات، التزمت القوى الكبرى في الغرب مثل فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا الصمت، ولم يعتبر غالبية الغرب ذلك جرائم ضد الإنسانية بل لم يشجب ويدن هذا الإرهاب. ونستثني دولا من هذا الانحياز غير الأخلاقي مثل إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا. كشفت الحرب الأوكرانية – الروسية ثم طوفان الأقصى الدور الذي أصبح يلعبه السلاح المصنوع في دول الجنوب مثل إيران وتركيا، وعلى شاكلة ما يحدث في السلاح، يحدث في الإعلام إذ لم تعد الرواية الغربية حول الحروب القائمة على البروباغندا فعّالة أمام ناشطي شبكات التواصل الاجتماعي والدور الفعال لبعض وسائل الإعلام التي تفضح هذه البروباغندا، ويكفي كيف تفرض إدارة فيسبوك وتويتر مثلا الحظر على غالبية التدوينات والتغريدات المخالفة لرؤية الغرب خاصة في طوفان الأقصى.
وأمام هذا الوضع الذي يخسر فيه الغرب المعركة الإعلامية، يشتكي مما يعتبره سياسة إعلام التغليط من روسيا والصين ودول الجنوب. والواقع أن الأمر لا يتعلق بسياسة التغليط، بل بفضح البروباغندا التي مارسها الغرب لعقود طويلة وربما لأكثر من قرنين منذ بدء عملية الاستعمار.
كاتب مغربي