الدورة الذهبية لمعرض القاهرة للكتاب… غياب الرواد ونمطية الخطاب الثقافي

■ تباينت الآراء إزاء فعاليات الدورة الخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، لأسباب تتعلق بالأساس بعملية نقل المعرض من أرض المعارض في مدينة نصر، إلى أرض المعارض بالتجمع الخامس، وهذه كانت الإشكالية الأولى التي بدأ الحديث عنها منذ عدة أشهر ومازال مستمراً، ذلك أن بُعد المسافة مثّل عائقاً حقيقياً أمام الرواد، فرغم تصريحات هيثم الحاج رئيس الهيئة العامة للكتاب بأن عدد زوار المعرض تجاوز المليون زائر في الأيام الأولى للفعاليات، إلا أن الإحصائيات الواقعية أعطت مؤشرات مغايرة، وأكدت أن العدد لم يزد حتى اليوم الخامس على نحو 180 ألف زائر فقط!
وقد حرصت هيئة الكتاب بوصفها الجهة المنظمة للمعرض على تدشين بعض العناوين الجاذبة، لاستقطاب أكبر عدد من جمهور المثقفين، فخلقت بذلك حالة هلامية لا تمت للواقع الثقافي الحقيقي بصله، حيث أنها خصصت على سبيل المثال محوراً لقضية كبرى تحت عنوان «الصناعات الثقافية» وهو عنوان مطاط يحتمل أن يكون له العديد من القراءات، في ضوء النظر لكل الأبعاد التي تتصل بالثقافة المصرية وصناعتها وصُناعها، والتي تدخل في إطارها بالطبع حركة النشر والترجمة والتوزيع، وتنوع الإصدارات والمصادر، وتأثير الثقافة المكتوبة والمسموعة والمرئية، ومقاييس التجاوب الجماهيري مع المصنف الثقافي التقليدي والجديد وغيرها من عوامل بناء الثقافة وتطويرها، ولكن أمام هذا التعدد من الخطوط والتشعبات الكثيرة التي تستأهل استعداداً مختلفاً عن عملية الإسهاب الإنشائي في الحديث عن أساليب المعالجة، لم نلحظ تغيراً يذكر في تحديث الخطاب البنائي للثقافة المصرية، وفق تسميتهم، ولم نستطع كمتلقين استبيان العوائق والمشكلات الحقيقية التي تحول دون تطوير الصناعة الثقافية بما يتماشى مع مجريات العصر الراهن.

الإحصائيات الواقعية أعطت مؤشرات مغايرة، وأكدت أن العدد لم يزد حتى اليوم الخامس على نحو 180 ألف زائر فقط!

وفي محور آخر ذي صلة وطيدة تمت مناقشة قضية الاستثمار الثقافي باعتبارها نتيجة لعملية التطوير وانعكاساً ملموساً لها، وبالطريقة نفسها انصب النقاش على نقد الحالة الثقافية الصناعية، بوصفها عملية غير مُدرجة في برنامج وزارة الثقافة المصرية التي تعمل على ترويج المنتج الجاهز من الثقافة بالطرق التقليدية، من غير النظر لأساليب التطوير في الاستثمار، كاحتياج ضروري وحتمي لتحقيق المعادلة الصعبة في مسألة التأثير المنشود، وآمال التغيير المجتمعي والفكري المترتبة عليه.
وبالتماس مع المشكلة المطروحة شمل برنامج الندوات في قاعة ثروت عكاشة الرئيسية، الندوة الأهم لمناقشة كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة في مصر» كمرجعية في التأصيل لمنهجية الفكر المعاصر ونظرية التطوير في محاولة للاستفادة من محاور الكتاب وأطروحاته.
وعطفاً على ما سبق جرت مناقشة متغيرات الواقع الثقافي المصري بمضامينه السياسية عبر العناوين الآتية، «شخصيات المعرض والأحداث المئوية ـ ثورة 19 ـ الأدب والصحافة، ومن خلالها تحدث بعض المفكرين والكُتاب، من بينهم عاطف عبيد وزين عبد الهادي وأحمد السعيد عن ثورة 19 كنموذج للثورة الشعبية التي اضطلع الشعب بتشكيل ملامحها الاجتماعية والسياسية والإنسانية وطالب فيها بشكل قاطع برفض الاحتلال والاستقلال التام، وضرب مثالاً يحتذى في توافق فئات الشعب قاطبة ووحدة مطالبهم، وتعد ثورة 19 بظلالها الثقافية وموروثها التنويري، حسب ما اتفق المتحدثون، درساً بليغاً وتجربة فارقة في حياة الشعب المصري وتاريخه الحديث.
وعرج الباحثون المتحدثون أيضاً على البارز من الأحداث التي وقعت في مصر خلال المئة عام الفائتة، وبالقطع كان للثورات والانتفاضات الشعبية والمنجزات العلمية والثقافية محل من الإعراب في كلامهم، فقد تباينت الرؤى حول قراءة ثورة يوليو/تموز وتأثيراتها وتبعاتها، كما تطرق البعض لمفهوم الديمقراطية ودور الثقافة كعلامة دالة على تفعيلها كمكون رئيسي ومهم في عملية النهضة بالدول والمجتمعات النامية. وفي اللقاء الفكري كان ضيف الشرف أحمد نوار، الفنان التشكيلي والرئيس الأسبق للهيئة العامة لقصور الثقافة الذي تحدث عن الدور المعطل للثقافة الجماهيرية والمتأزم بفعل المشكلات الاقتصادية وغياب الخُطة الثقافية الإستراتيجية التي يستوجب وجودها لتحقيق المرجـــــو من العمــــل الثقافي والتـــنويري على المدى البعيد.
وفي جانب من حديثة استدعى نوار من ذاكرته أمجاد البطولة والمقاومة في حرب الاستنزاف التي شارك فيها عام 1967وكان حينئذ عسكري مجند فقد ذكر أنه استهدف بمفرده «15» جندياً إسرائيلياً وأسقطهم صرعى في ميدان المعركة التاريخية الباسلة .
ويعد الأديب الكبير نجيب محفوظ هو نجم معرض القاهرة للكتاب في دورته الذهبية، حيث تُباع مجلداته الثلاثة التي تحوي نحو ألف مقال من مقالاته الصحفية المختارة والمهمة والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، في إشارة ذكية للدور الإبداعي الصحفي لأديب نوبل العالمي وإضافاته النابهة والثرية لأرشيف الصحافة المصرية على مدار نصف قرن أو يزيد.

٭ كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية