اشترط الكاظمي على القوى السياسية، ان لا تقف في طريق خطته للانفتاح لإنقاذ اقتصاد البلد وحل أزماته، إلا أن الدولة العميقة المتحالفة مع إيران تذكره بقدرتها على تحريك الأحداث.
بغداد-“القدس العربي”:مع استعدادات حكومة مصطفى الكاظمي للبدء بالحوار مع الولايات المتحدة حول اطر العلاقة الاستراتيجية بين البلدين في العاشر من حزيران/يونيو الحالي، وبعد أيام من إرسال وفد عراقي إلى السعودية والكويت لتشجيعهما على الاستثمار في العراق، وانقاذ اقتصاده المتهالك، بدأت أذرع “الدولة العميقة” بالتحرك لعرقلة هذا المسعى، وللمحافظة على ما حققته حكومات ما بعد 2003 من فتح كل أبواب العراق وحصرها بإيران وعدم السماح بدخول منافسين آخرين معها.
ويبدو واضحا أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الذي أقر باستلامه خزينة فارغة، مصر على الانفتاح على كل الدول المؤثرة في المنطقة والعالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة والسعودية وغيرهما، لتشجيعها على ضخ الأموال في شريان الاقتصاد العراقي لانقاذه من ضائقته المالية الخانقة الحالية جراء انهيار أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا وتزايد التحديات الأمنية من “داعش” والميليشيات، مع حرصه على عدم التفريط بالعلاقة مع طهران، لادراكه عمق نفوذها وقدرتها على التأثير في العراق.
والكاظمي في تحركه نحو تنظيم العلاقة مع الولايات المتحدة، يحرص على المحافظة على العلاقة المميزة بين البلدين بما يضمن استمرار دعم واشنطن للاقتصاد العراقي والمساهمة الفعالة في ملف محاربة تنظيم “داعش” إضافة إلى الاستفادة من التأثير الأمريكي في تشجيع الدعم الدولي للعراق في العديد من المجالات، وهو يفهم أيضا القلق الأمريكي من حجم نفوذ الميليشيات المسلحة الموالية لإيران وقدرتها على تهديد المصالح والقوات الأمريكية في العراق، ولذا فقد سعى إلى تطمينها من خلال إدراج فقرة ضبط سلاح الميليشيات خارج الدولة، في برنامجه الحكومي، مع تكرار تصريحاته بفرض سلطة القانون، بغض النظر عن قدرته في تحقيق هذا الهدف، مستغلا دعوات تغليب المصلحة العراقية في المفاوضات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
أما عن التوجه نحو دول الخليج العربي، فإن الكاظمي يسعى لاستغلال العروض المغرية التي قدمتها السعودية ودول أخرى إلى حكومتي حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، والتي عرقلت تنفيذها ضغوط إيران والدولة العميقة. فقد عرضت السعودية تزويد العراق بالطاقة الكهربائية والمشتقات البترولية، مع إقامة مشاريع زراعية مشتركة واستثمارات، وتنسيق في إطار منظمة أوبك. وإذا كانت الحكومات السابقة مترددة في الاستجابة للعروض السعودية، فإن الضائقة الاقتصادية الخانقة لم تترك لحكومة الكاظمي خيارا آخر سوى القبول بها وتشجيعها، خاصة وأن إيران بوضعها الاقتصادي لا قدرة لها لمد يد العون للعراق. وقد أقر وزير المالية العراقي علي علاوي، أن “لدى العراق خطة للتوجه نحو تحقيق التوازن الاقتصادي والمالي مع دول الجوار وأن تكون السوق العراقية مفتوحة للجميع بعيدا عن الإضرار بطرف معين”.
ورغم أن الكاظمي اشترط على القوى السياسية، ان لا تقف في طريق خطته للانفتاح على الدول العربية ودول العالم لانقاذ اقتصاد البلد وحل أزماته، إلا أن الدولة العميقة المتحالفة مع إيران تأبى إلا أن تكبل الكاظمي بقيود تحدد مدى تحركاته وتذكره بقدرتها على تحريك الأحداث.
وفي هذا السياق طالب نائب رئيس مجلس النواب العراقي، حسن الكعبي (من التيار الصدري) السعودية بإعادة بناء قبور أئمة البقيع (من آل بيت الرسول) ومعالجة هدم أضرحتهم هناك، داعيا “المجتمع الدولي للضغط على المملكة العربية السعودية” في هذا الأمر، فيما أعلن رئيس “كتلة صادقون” النيابية حسن سالم (التابعة لميليشيا العصائب) أنه “في الوقت الذي قامت سلطات آل سعود بقتل أبناء الشعب العراقي منذ عام 2004 وإلى هذه اللحظة بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة ودعم وتمويل التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش نذهب بموقف مذل ومخزي والذريعة الربط الكهربائي. وهل الربط الكهربائي أفضل من دماء العراقيين؟” حسب تعبيره. ودعا الحكومة “أن تقدم شكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية وتحاسب السعودية عن جرائمها الإرهابية وتغرمها 1000 مليار تعويضات للعراق”.
أما كتائب حزب الله العراق، فهددت بنقل ما وصفتها بـ”العمليات الجهادية” إلى الداخل السعودي، وذكر المتحدث العسكري باسم الكتائب أبو علي العسكري في تدوينة، أن “ما قام به المجاهدون في الخليج بضرب أرامكو عدة مرات دليل اقتدارهم على نقل المعركة إلى الداخل”.
وفي الأثناء، لم يمر بهدوء، قيام زعيم حزب الدعوة نوري المالكي بعقد اجتماع مع المحافظين، وتوجيهه لهم بتحسين علاقتهم بالشعب، رغم أن المالكي لا يتمتع بأي صفة رسمية تخوله توجيه المحافظين، إلا أن المراقبين يعدون هذا النشاط من مؤسس وقائد الدولة العميقة في العراق، بمثابة رسالة إلى رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، بأن الدولة العميقة ما زالت مؤثرة في الدولة العراقية.
واستباقا للحوار العراقي الأمريكي وعقب زيارة وزير المالية العراقي إلى السعودية، وصل إلى بغداد وفد إيراني ضم وزير الكهرباء رضا اردكانيان وزعيم “فيلق القدس” إسماعيل قاآني، وأجرى لقاءات مع مسؤولين حكوميين وقادة أحزاب شيعية، بهدف إبرام المزيد من الاتفاقيات واستحصال ديون الطاقة الكهربائية المصدرة للعراق، إضافة إلى تنظيم مواقف القوى الشيعية ازاء الحوار العراقي الأمريكي. وقد أعلن وزير الطاقة الإيراني “التوقيع على اتفاق لتصدير الكهرباء الإيراني إلى العراق لفترة عامين قادمين، إضافة إلى استيفاء نصف المستحقات الإيرانية لتصدير الكهرباء إلى العراق” وذلك رغم أن الولايات المتحدة أبلغت حكومة بغداد، بضرورة إيجاد بدائل عن الكهرباء الإيرانية لدى دول المنطقة، أو مواجهة عقوبات أمريكية.
ولا شك أن انهيار الاقتصاد العراقي جاء نتيجة طبيعية لفشل السياسة الاقتصادية وتفشي الفساد، وأن اللجوء إلى الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج للحصول على دعمها، يتطلب مواقف جدية من حكومة بغداد لمحاربة الفساد ولجم الميليشيات التي تهدد أمن ومصالح تلك البلدان، فهل ستنجح حكومة الكاظمي في ذلك؟