الدولة تكرس وسائل إعلامها للترويج لوجهة نظرها… والتطبيق الانتقائي للقانون سمح بإهانة الآخرين

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: ما زال الفيروس القاتل ملاذ الكثير من الكتاب في زمن الكساد المهني والخطوط الحمر، التي لا تنتهي، وعلى مدار يومي السبت والأحد 18 و19 إبريل/نيسان، وجد كثير من الكتاب ضالتهم في الهجوم على رجال الأعمال واتهامهم بطرد العمال من وظائفهم، وطالت الحرب في المقام الأول رجل الأعمال الذي يوقع باسم «نيوتن» في «المصري اليوم»، ووجدت الحكومة من يهتف باسمها ويثني عليها.

وزارة الأوقاف تنفي رفع الحظر عن بيوت الله… وتجار في المناطق الشعبية يستغلون «الناس الغلابة»

الكاتب والخبير الاقتصادي البارز محمد الهواري منح جرعة أمل للاقتصاد المصري في ظل لحظة لا رواج فيها سوي لعملة اليأس، قال في «الشروق»: «تدور المعركة في الغرب حول حجم الدعم الحكومي والمركزي وطريقة تناوله، أما في الدول النامية فليست لدينا هذه الرفاهية.
بينما أعلن صندوق النقد والبنك الدولي عن بعض المبادرات لدعم اقتصادات الدول النامية، فإن الفيروس يعطينا فرصة لإيجاد حل مصري خالص، قد يجعل لنا الأفضلية النسبية في اقتصادات ما بعد كورونا. مصر تبدأ المحنة من وضع مالي واقتصادي أفضل بكثير من مثيلاتها، ولدينا إمكانية السبق، الشرط هو في اللجوء للمتخصصين، خاصة الاقتصاديين القادرين على رسم طريق للخروج من الأزمة يجعلنا في المقدمة، بل قد نخرج منها أقوى مما دخلناها، نسبة لمنافسينا من الدول النامية المثيلة».
ويرى الدكتور أنور نصير أن فيروس كورونا ولد مسيسا، ولأن السياسة وجدت لتبقى، فإن كورونا سيبقى ويظل يفتك بالبشر، إن لم يعزل عن السياسة، فسحقا للنظام الدولي المجرم.
فيما نفت وزارة الأوقاف ما تردد بشأن قرب رفع الحظر عن بيوت الله وتابعت، «لا صحة لفتح المساجد في رمضان طالما لم تذهب العلة، وتعليق الصلاة في المساجد قائم حتى يأذن الله برفع الكرب عن البلاد، وهذا القرار نهائي، ونؤكد أن سبل الخير واسعة وعلينا أن نعمر بيوتنا بالإيمان».
بينما تقدم سمير صبري، المحامي، ببلاغ للنائب العام ضد الفنانة داليا البحيري، لتطاولها على عمال اليومية والفقراء. وقال في بلاغه، أنه على سند من القول من أن: المبلغ ضدها نشرت عبر صفحتها الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، منشورا هاجمت فيه العمالة اليومية والفقراء، بل تطاولت عليهم وأهانتهم.
وحرص محمود خليل في «الوطن» على أن يحذر الناس من عيد الربيع: «يهل علينا «شم النسيم» هذا العام في ظل جائحة كورونا التي ضربت دول العالم كافة. ومن الواجب على كل من يعيش فوق تراب هذا البلد أن يلتزم بكل الإجراءات التي تحميه وتحمي غيره من هذا الشر قدر ما يستطيع، وإلا سيكون قد ورث عن فرعون «زناخة العقل»، حين قرر أمام الجميع أن موسى «ساحر عليم» ثم هرول وراءه عندما شق الأخير بعصاه البحر، بدون أن يأتي على باله أن من شق البحر بعصاه قادر على أن يرده إلى سيرته الأولي بعصاه أيضا.

نيوتن مرة أخرى

يأبى خالد ميري في «الأخبار» إلا أن يلاحق «نيوتن» الكاتب في «المصري اليوم» قائلا: «للقضاء المصري أحكام ساطعة، وللدستور والقوانين مبادئ راسخة.. حرية الصحافة والإعلام تقف عند حدود ما يمس الأمن القومي، وأعراض وحرية المواطنين. هي مبادئ يلتزم بها العالم من غربه لشرقه، لذلك كانت السطور المشبوهة للمدعو «نيوتن» مجهول الاسم والهوية والانتماء عدوانا على الحرية، كما هي عدوان على الوطنية ودماء الشهداء. في مقاله الأخير في الزميلة «المصري اليوم» واصل الكاتب المجهول تراجعه واعتذاره، لكن مع التزامه بمبادئ المكابرة والمراوغة.. فهو يتراجع عن كلمات مسمومة كحاكم سيناء، وإقليم سيناء، لكنه يقول إنه اكتشف أن التعبيرين اللذين روجهما غير مناسبين، بينما يظل متمسكا بجوهر مقاله الذي فضحناه.. فهو لم يعتذر عن العبارات السوداء التي سطرها، وادعى فيها كذبا أن أرض سيناء الطاهرة تشهد صفقات مشبوهة وأنها ملعب مفتوح للإرهاب، وصحراء جرداء بلا تنمية. «نيوتن» الذي ادعى أنه خبير اقتصادي، أراد تحويل سيناء لإقليم مستقل له حاكم مستقل وقوانين غير مصرية.. على غرار نماذج صنعها الاستعمار القديم بقوة السيف والدم من هونغ كونغ إلى سنغافورة.. ولا أدري هل هو مريض بعشق الاستعمار؟ أم أن ثرواته مصدرها قوي الاستعمار من لندن إلى تل أبيب؟ بعد مقال «صفقات مشبوهة» تصدت مجموعة من كبار الصحافيين والإعلاميين لفضح جريمة «نيوتن».. كما اهتمت وسائل الإعلام العالمية بما كتبناه، خاصة أن القضية تحولت إلى قضية رأي عام، فأرض سيناء الطاهرة.. أرض الأنبياء.. التي ارتوت بدماء الشهداء في كل العصور لم ولن تكون عنوانا لسطور مشبوهة».

خوفهم طبيعي

لم يكن الرعب الذي أصـاب المصريين، والفزع الذي شل حركة الاقتصاد في البلاد من كورونـا وحدهــا، بل كان الفزع الأكبر كما يشير بهاء الدين حسين في «البوابة نيوز» من رجــال الأعمال وأصحاب الفنادق، الذين وجدوا في كورونا الذريعة التي جعلتهم يقومون بتسريح العمالة، على الرغم من تأكيد الحكومة بعدم المساس بالعمال. ففيروس كورونـا يعيش منذ زمن بعيد، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2002 تم تسجيل أول حالة في غرب الصين لمصاب بكورونـا، وفي 2012 أصيب أحد مزارعي السعودية بالتهاب رئوي، تبين على يـد الطبيب المصري علي أحمد زكي، أستاذ علم الفيروسات في جامعة عين شمس، والذي كان يعمل وقتها في السعودية، أنـه نوع جديد من عائلة كورونا، كما أوضحت الدكتورة إيمان الإمام على موقعها. أمـا فيروس الجـور والسطـو على حقـوق العمال، فيعيش منذ استفحال الرأسمالية التي توحشت، وصارت تهـدد حيـاة العمــال بالطـرد والتشريـد. فمسألة توقف السياحـة بتوقف الطيـران، وإخــلاء الفنادق من السياح كإجراء وقائي حتى تمر الأزمة، لا يشكل خسائر على الفنادق بالقدر الذي جعل أصحاب الفنادق يتوقفـون عن صرف المرتبات، فالفنـادق التي لا تعطي الحقـوق كاملـة، لا يضيرها إن تحملت العمال فترة إصابة السياحة بالشلل والركود، فإذا تحملت العمال شهـرا أو أكثر، فهي لا تمن عليهم، في الوقت الذي تمتص فيه حقوقهم منذ سنوات. إن كورونا جاء ليثبت أنه لا أمان لكثير من رجال الأعمال، وأن مصلحتهم فوق مصلحة العامل، وعلى رأي المثـل العصري، الذي فرضته تداعيات كورونا « يامأمنة لرجال الأعمال يامأمنة للمية في الغربال». إن الدولة التي لم تترك رجـال الأعمـال في الأزمات، وتقف بجـوارهم وتدعمهم بكافــة السبل، لا أعتقد أن ما يحدث للعمال بخاف عن الحكومـة ولا أجهزتها، وعلي الحكومة أن تضرب بيد من حديد.

ورطة للجميع

يرى عماد الدين حسين في «الشروق»: «أن العالم يعيش ورطة جماعية، كان الله في عون الأطباء الذين يحاولون إنقاذ المرضى، لكن أيضا كان الله في عون رؤساء الدول والحكومات، وهم يحاولون إنقاذ البلدان والشعوب والاقتصاد. الموضوع دقيق وينبغي لمن يتصدى له أن يرى الصورة الكاملة، ويضع نفسه في موقع المسؤولية. طبعا هناك دول لم تضطر للدخول في هذه المعضلة المعقدة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وألمانيا والصين، وبعض الدول الاسكندنافية، لأن لديها مستوى متقدما من الرعاية الصحية الأولية، وتنفق بسخاء على قطاع الصحة، خلافا لدول كبرى أخرى يعاني قطاعها الصحي من أوضاع صعبة، رغم الاعتقاد الواسع بأنها كانت تملك كل شيء. غالبية بلدان العالم خصوصا في الغرب، وكذلك في البلدان التي تعرضت لموجات واسعة من تفشي الوباء، كانت هناك آراء متباينة بين القطاع الصحي، والقطاع السياسي، بل كانت هناك انقسامات داخل بعض الحكومات الغربية بشأن الطرق المثلى لمواجهة كورونا، لكن من الواضح أن المستوي السياسي هو الذي انتصر إلى حد كبير، ليس فقط لأنه يملك السلطة لفرض رأيه، لكن السبب الجوهري أنه لا توجد دولة حتى لو كانت كبرى وعظمى، تتحمل عملية الإغلاق الكامل ولمدد غير معلومة. علينا أن نتخيل محادثة بين طبيب وسياسي، الأول يقول للثاني، «لابد من فرض الإغلاق الكامل والشامل حتى ينتهي الفيروس». ويرد الثاني بكل هدوء ويقول له: حسنا أوافقك الرأي تماما، ولكن من الذي سيقوم بالإنتاج، ومن الذي سيدفع الرواتب لجميع الناس، حينما يجلسون في بيوتهم؟. يرد الأول ويقول: «الحكومة ورجال الأعمال». فيرد السياسي، ولكن حتى إذا كانت هناك فوائض مالية وحزم تمويلية، فإن ذلك سينتهي في فترة تمتد من شهر إلى ستة أشهر، حسب ظروف كل دولة. فماذا سنفعل إذا جلس الناس جميعهم في البيوت وأفلست الحكومات والقطاع الخاص؟»

مؤامرة أم فيروس؟

سعى عماد الدين أديب في «الوطن» للإجابة على سؤال ما زال يفرض نفسه هل كورونا مؤامرة أم فيروس؟: «انقسم التحليل السياسي لمسألة وباء كورونا بين مدرستين، الأولى تتحدث عن كونه تفشٍّ لفيروس من فعل الطبيعة نشره إهمال بشري، والثانية تقوم على نظرية المؤامرة الكونية المدبَّرة بهدف شرير ومدمر. في الحالتين، سواء كان كورونا خطأ وإهمالا أو مؤامرة وشرورا، ففي الحالتين فإن الأمر المؤكد أنه سيكون، بالنتائج النهائية والأرقام والإحصاءات، أكبر فاتورة خسائر مالية للبشرية في المئة عام الأخيرة. إنسان ما بعد كورونا سيجد سلامته في الانعزال، والحكومات ستجد وسيلة بقائها في زيادة السيطرة وتحجيم الحريات العامة والشخصية، ورؤوس الأموال ستكون أكثر حرصا، وأقل مخاطرة وشديدة المحلية. وسط ذلك يصاب الرأي العام العالمي بحالة من التمزق والتشتت بين صراع الأفكار حول أسباب ودوافع وحقائق ميلاد وانتشار هذا الفيروس الوبائي. نظرية أولى ترى أن الوباء الذي كان يتم تخليقه في معمل «ووهان» في الصين حدث فيه تسرب وإصابات أدت إلى انتقال الفيروس إلى سكان المنطقة هناك، وأن الخطأ الصيني الأعظم هو عدم شفافية السلطات في الإعلان عن الحادثة. المدرسة الثانية من التفكير تقول إن الفيروس عمل شرير مدبَّر من جهة أمنية في الصين، بهدف التأثير على أسعار الشركات الدولية المساهمة في الصين وبورصات العالم، ما يعطي صندوق الاستثمار الصيني الذي تملكه الدولة فرصة الاستحواذ. المدرسة الثالثة من التفكير أن الإصابة كانت بسبب قيام مواطنين صينيين في «ووهان» بتناول حساء ولحم الخفافيش الحاملة للفيروس، وساعد على ذلك الصمت المتعمد من السلطات الصينية، لإخفاء الوقائع. المدرسة الرابعة أن هناك تجمعا عالميا دوليا من شركات الأدوية التي زرعت الفيروس في الصين وتعاونت مع قوى لانتشار الفيروس الوبائي عالميا، بحيث يصبح اللقاح شرطا أساسيا مسبقا لأي اندماج بشري في أي تجمع وضرورة لا بديل عنها للتنقل».

حذارِ من هذا

أعرب محمد صلاح العزب في «اليوم السابع عن حزنه بسبب عدم تقدير البعض لجهود الأطباء حاليا: «أدرك الجميع أن الأطباء والقطاع الصحي هم الصف الأول في كثير من المعارك التي نخوضها يوميا على أرض الواقع، وأنهم يستحقون التعامل معهم بهذه الصفة، وأن تتم مراجعة دخولهم المتدنية وظروف عملهم غير الآدمية، وخيرا فعلت الدولة حين تمكنت من إزالة الغشاوة الأبدية من على عينها، ورب كورونا نافعة، لكن على الجانب الآخر هناك مهزلة عجيبة، الناس على السوشيال ميديا وعلي أرض الواقع لا يدركون حجم الكارثة، وهناك فئات واسعة تواصل التنمر والتعدي على الأطباء والممرضين والعاملين في مجال الصحة، رغم أنهم يعرضون حياتهم وحياة أطفالهم وذويهم للخطر الأول. التهكم على المرضى من الأطباء، والتنمر على الممرضات لدرجة خروجهم في فيديوهات باكية لإيقاف حملات التنمر ضدهم، ثم خروج قرية جاهلة وظالمة لمنع دفن جثمان طبيبة، ما دفع أحد الأطباء على جروب مغلق للأطباء لتوجيه سؤال إلى زملائه فكتب كالتالي: تفتكروا يا دكاترة أن في ناس تستاهل أن إحنا نتصاب أو نموت علشانهم؟ سؤال بسيط وقصير في وقت يعتبر للأسف بداية الأزمة، المرعب هي كمية الردود الكثيرة من الأطباء، تضج بما يعانونه من كل قلة تقدير وسوء معاملة، رغم أن الأطباء يحتاجون من الجميع كل تقدير واحترام لدورهم المهني والبطولي والإنساني.. أمام جحافل الجهل والظلم والغباء. إجابات الأطباء تراوحت بين أن «الناس متستهلش»، وأن «ده شغلك ورسالتك وحسابك قدام ربنا». رفقا بالأطباء.. واحذروا غضبهم.. ومتخرجوهمش من هدومهم.. فربما يكون المقبل أسوأ.. وربنا يستر».

المطففون

وعن جشع بعض التجار الذين يأكلون من لحم الفقراء ويستغلون الأزمات يكتب مصطفى فرغلي في «اليوم السابع» قائلا: «خلق الله الملكين «رقيب وعتيد» ليسجلا أعمالنا، ومن رحمته سبحانه وتعالى أن جعل لرقيب «مدوّن الحسنات» سلطانا على عتيد «مدوّن السيئات»، فعندما يقترف أحدُنا ذنبا يريد عتيد أن يسجله، فيأمره رقيب بأن يتمهل علّه يستغفر.. علّه يتوب، فإن استغفر كتبها رقيب استغفارا وتوبة، وإن لم يفعل سجلها عتيد سيئة أعتقد أن عتيد دوَّن الكثير من السيئات جراء أفعال تجار الجشع والاحتكار، فبعضهم يأكل لحم بعضنا حيا، ولا أقصد هنا «النمام» الذي يذكر أحدهم بالغيب فيما يكره أن يسمع، كما قالت الآية الكريمة «وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتا فَكَرِهْتُمُوهُ»، بل أقصد من يأكل لحمنا فعلا برفع الأسعار، فهذا يرفع سعر الكحول، وذلك يرفع سعر الخضار، وذاك ضاعف سعر الفول «طعام الفقير»، في ظل ظرف تفشي وباء كورونا، الذي لا أحد يعلم متى سينتهي، وكم روحا سيحصد في طريقه عندما ينتهي. ألا يخشى هؤلاء المطففون أن يصيبهم الوباء اللعين، جزاء ما سرقوا، وهل سينفع ما جمع آكلو لحوم البشر في مقاومة الفيروس والشفاء منه. منذ أيام قلائل أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارا بمعاقبة من لم يعلن الأسعار في مكان بارز أمام المشترين، محددا العقوبة بغرامة تبدأ بـ100 ألف جنيه وتصل لـ5 ملايين جنيه، كما حددت الحكومة أسعار بعض السلع «اللي عليها الطلب اليومين دول»، وللأسف لن يجدي كلام ولن ينفع تهديد، فمازال التجار والبائعون في المناطق الشعبية يستغلون الناس الغلابة، برفع أسعار المنتجات. ما أريده وأطالب به هو تفعيل المراقبة العملية، ومنح موظف الرقابة «اللي هينزل يمر على المحلات»، حق الضبطية القضائية وتحصيل الغرامة الوقتية وتشميع المحل إن لزم الأمر، كما أطالب موظف الرقابة هذا أن يتقي الله ولا يستحل رشوة التاجر الجشع في ظل أزمة لن تبقي ولن تذر، أن لم نتكاتف جميعا حكومة وشعبا، وعلى رأي اللي قال: «الأيام فضاحة هتوريك من الرَدِي ومين الزيــن»، يارب كل واحد فينا يطلع «زين».

بين كورونا وفوكوياما

جائحة فيروس كورونا المستجد دفعت رضا محمد طه في «الشبكة العربية» للبحث عن إجابة لأسئلة ملحة: «هل هي الحل للإشكالية التي طرحها العديد من المشتغلين في التاريخ وعلوم السياسة والمفكرين الفلاسفة وعلماء الاقتصاد، ومنهم فرانسيس فوكوياما، في كتابه «نهاية الإنسان… عواقب الثورة البيوتكنولوجية»، ليطرح تساؤلات عديدة حول ثورة البيوتكنولوجيا ودور الهندسة الوراثية، وكذلك العلاجات الحديثة في تأخير سن الشيخوخة والتقليل من معدل الوفيات، وبالنظر للإنجازات الطبية في الولايات المتحدة في القرن العشرين، ما ترتب عليها رفع الأجل المتوقع عند الولادة من 48.3 سنة للرجال و46.3 للنساء عام 1900 إلى 74.3 سنة للرجال
و 79.9 سنة للنساء عام 2000. وكان القلق أو الهاجس لدى فوكوياما هو أن التحول الملحوظ والكبير هذا في معدلات الأعمار، اقترن بانخفاض حاد في معدلات المواليد في معظم دول العالم الأول، ما كان له تأثير ديموغرافي وسياسي عالمي، فضلا عن حدوث اختلاف جوهري في العالم في عام 2050، عما هو في بداية الألفية الثالثة وقت تأليف فوكوياما الكتاب. جائحة كورونا هل يمكن أن تعجل في ظهور نظام دولي جديد؟ وتغير من ثم النهج الرأسمالي والنيوليبرالي الذي كانت له تداعيات «فرمت وسحقت» الفقراء لحساب الأغنياء، وأصحاب الأعمال، وجنحت كذلك نحو الإعلاء من الفردانية المتطرفة على حساب المجتمع، خاصة في دول العالم الأول مثل أمريكا وأوروبا، وتضررت منها شعوب العالم الثالث. ولأن التغيير السياسي والاجتماعي والفكري كما يخبرنا فوكوياما يحدث، بصورة أبطأ كثيرا في المجتمعات التي يتميز أفرادها بحياة أطول كثيرا، بالأخص في وجود ثلاثة أجيال- يقصد الجد والابن والحفيد – أو أكثر والتي تعمل جميعها في الوقت نفسه فسوف يترتب عليه صراع بين الأجيال».

خداع الضحايا

يتوالى اكتشاف الثغرات التي تُعرقِل الجهود الرامية لمحاربة جائحة كورونا، وكان آخرها كما يشير أحمد عبد التواب في «الأهرام»: «إدراك الأثر السلبي للتهاون مع السماح بترويج الأخطاء الخطيرة في المعلومات الخاصة بطبيعة المرض والعدوى به، وانتقالها وسبل الوقاية، إلخ، ليس فقط هذه المعلومات التي تستخف بالمرض، أو تشكك في طرق الوقاية، أو تطعن في كفاءة المسؤولين، ولكن، وعلى الأخص، هذه المعلومات التي تزعم أن المرض وهمي، وأن كل حديث عنه هو فبركة بقصد الإلهاء عن قضايا أخرى. ولا يمكن إنكار أن بعض البسطاء قد يتأثرون بهذا التضليل، وربما يجدون مبررات لعدم الالتزام بالاحتياطات الاحترازية، وتصبح هذه هي الثغرة الأساسية التي قد يصابون منها بالمرض، ومنهم تدور آلية العدوي الجهنمية. وقد انتبهت روسيا قبل أيام إلى هذا الخطر، حيث طالبت النيابة العامة الروسية الأربعاء الماضي، موقع (يوتيوب) وعددا من مواقع التواصل الاجتماعي، وفقا لموقع «روسيا اليوم»، بحجب المعلومات الكاذبة التي تزعم أن المرض وهمي، وأنه لم يكن موجودا قط، وأنها كذبة أطلقتها أمريكا لزعزعة استقرار الاقتصاد العالمي، ووصل التخريب إلى حد تحريض المواطنين الروس على التمرد ضد سلطات البلاد لإنقاذها من الكابوس، الذي يقولون إنه مفبرك، كما اتهمت النيابة الروسية مواقع أخرى، بنشر معلومات تخريبية أخرى، على النقيض مما سبق، حيث تدّعي أن هناك تقصيرا من الدولة في التعامل مع الجائحة، إلى حد أن المستشفيات تنقصها أكياس حفظ جثامين الضحايا، الذين صار يصعب حصرهم. كما يدعي هذا الموقع، في أمريكا أيضا، وفي الوقت الذي صارت فيه أسوأ دولة في العالم من حيث أعداد الوفيات والإصابات، إذا بروجر ستون، سبق إدانته بالكذب، تهم بيل غيتس بأنه ربما يكون وراء إنشاء الفيروس ونشره في جميع أنحاء العالم، لترويع الناس».

مخبرون بالقطعة

ذكّرنا محمد سعد عبد الحفيظ في «الشروق» بزمن المخبرين الذين خلّدهم التاريخ: «خلال الأزمة المتصاعدة بين نظام السادات وعدد من الصحافيين الذي رفضوا الدخول في حظيرة السلطة الجديدة، سواء بالإغواء أو التهديد، ونتيجة لاستخدام عدد من أصحاب الرأي حقهم الدستوري في نقد توجهات تلك السلطة، ضاق صدر الرئيس السادات وأصدر قراره بإسقاط عضوية عدد كبير من الصحافيين من الاتحاد الاشتراكي، وهو ما تبعه فصلهم من عملهم في المؤسسات الصحافية، فقانون نقابة الصحافيين وقتها كان يشترط أن يكون الصحافي عضوا في الاتحاد الاشتراكي، وعلى خلفية قرار الفصل التقى أحمد بهاء الدين بنائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية ممدوح سالم حينها، ليقنعه بأن التقارير التي تتلقاها أجهزة الأمن ليست دقيقة، وتتضمن مبالغات وبعضها مبني على ضغائن شخصية، فاعترف سالم لبهاء: «إن كل التقارير التي تتلقاها الأجهزة ضد صحافيين إنما يكتبها صحافيون منكم». فرد بهاء قائلا: «هذا طبيعي، فأدق التقارير عن الطلبة لا بد أن يكتبها طلبة، وهكذا في كل مجال، ونحن نعرف الصحافيين الذين يحترفون كتابة التقارير السرية لأجهزة الأمن ضد زملائهم، ولكنكم لو تحريتم عنهم قبل أن تأخذوا بكلامهم لعرفتم أنهم من أردأ نوعيات الصحافيين الفاشلين المملوءة قلوبهم بالضغينة ضد كل صحافي ناجح». فعقّب الوزير قائلا: «نحن نعرف ذلك، ولكن هل تتوقع من صحافي مستقيم حسن الخلق ابن ناس وناجح في عمله أن يكتب تقارير للمباحث نظير أجر؟»، وأردف: «هات لي عشرة من هؤلاء، ولو كانوا خريجي أوكسفورد يرضون أن يكتبوا تقارير للمباحث، وسوف تستغني المباحث فورا عن النوعية التي تكتب التقارير الآن»، وضحك الاثنان. الشاهد، أن في كل عصر يوجد في أهل المهنة من لا يعرف للصحافة أخلاقا أو قواعد، ولا إلى الضمير المهني طريقا، اختلفت مسمياتهم لكن مهمتهم ظلت واحدة «الطعن والتحريض والتشهير بكل صاحب رأي أو موقف مخالف»، وكما سيسجل التاريخ لأصحاب الرأي مواقفهم، سيسجل لهؤلاء العسس والمخبرين خِسَّتهم».

رحم الله فناني زمان

تكرر استهداف جزء من الشعب، جزءا آخر بالسب والإهانة والتحريض، بدون محاسبة حتى أصبحت جرائم مكتملة الأركان. كما يرى ذلك عمرو الشوبكي في «المصري اليوم» ويواصل كلامه قائلا: «المؤكد أن أسباب ذلك كثيرة أبرزها يرجع لتراجع دولة القانون أو التطبيق الانتقائي للقانون، ما أعطى انطباعا لدى البعض بأنهم يمكنهم أن يستبيحوا الآخرين ويهينوهم بدون حساب. ولعل انتشار الجملة التي رددتها إحد مدعيات الفن الأسبوع الماضي حين قالت: «من يكلمني على عمالة يومية حديله بالشبشب على بقه» يدل على أن هناك من محدثي النعم والثروة من يحمل جرعة من البؤس واحتقار الناس، لا يمكن أن تصدر من فنان حقيقي (رحم الله فاتن حمامة ونادية لطفي ونور الشريف وحفظ الله عادل إمام)، خاصة أن العمالة اليومية تضررت من أزمة كورونا بصورة فادحة، لأن الأمر يتعلق بقدرتها على العيش والحياة، لا ترف شراء الكماليات أو الذهاب للشواطئ. فالفن ليس فقط مهنة إبداع وموهبة وحس مرهف، ولكنها مهنة يصنعها الناس، بل إن أحد الانتقادات التي كانت توجه لبعض الفنانين هو أنهم كانوا يقدمون أعمالا لإرضاء ذوق الناس وفق نظرية «الجمهور عايز كده»، ولو على حساب المعايير الفنية. وربما هي المرة الأولى في تاريخ الفن السابع أن يظهر مدعو فن يسبون الناس أو يهينونهم، وكأن معيار وجودهم الفني لم يعد مستمدا من الناس، وهم هنا وعلى غير العادة تقاطعوا مع بعض الإعلاميين، الذين اعتادوا مؤخرا أن يهينوا الناس، لأنهم يعرفون أن استمرارهم غير مرتبط برضاهم. والحقيقة أن مدرسة «احتقار الناس» وإهانتهم لا النقد المشروع لجانب من سلوكياتهم، زادت مؤخرا ورددها بعض المسؤولين وكثير من الإعلاميين، ولكن لأول مرة نراها ممن يقولون عن أنفسهم فنانين، وهو أمر يحتاج لتأمل ومحاسبة مجتمعية حقيقية. إن تاريخ الفن والفنانين في مصر كان دائما قائما على إرضاء الناس، أو كسب ودهم وفي أحيان كثيرة «بزيادة»، (جانب منهم عمالة يومية)، ففريد شوقي «ملك الترسو» والزعيم عادل إمام، وحتى نادية الجندي وغيرهم عرفوا أن نجوميتهم بفضل الناس، وأن حسبتهم الأساسية ظلت الحفاظ على الشعبية الكبيرة العابرة للعصور، وبمراعاة النظم المختلفة. لا يمكن، مثلا، اتهام الفنانين الكبار في تاريخ مصر بأنهم فنانو سلطة، إنما قاموا بمواءمات معها، لأنهم امتلكوا مواهب حقيقية، وظلت عيونهم على الجمهور الواسع، وحين انتقدوا بعضا أو كثيرا من تصرفاته لم يهينوه أو يرددوا كلاما جارحا من أي نوع. هوجة هذا الكلام المسيء تحتاج إلى وقفة، ليس فقط لأنه غير معتاد خروجها من فنان، إنما لكونها عكس السائد في تاريخ الفن، الذي حتى حين كان يصف البعض جانبا منه بأنه فن سلطة، اعتبر في صالح الجماهير، أما إهانة الناس فهي أمر غير مسبوق في تاريخ أي فن».

رجال الأعمال

أما الدكتور ياسر عبد العزيز في العدد نفسه من «المصري اليوم» فيقول في مقاله: «لا نحتاج إلى كثير من الصدامات التي تقع بين رجال أعمال من مالكي وسائل الإعلام الخاصة في مصر، وصحافيين يعملون فيها، لنعرف أن لدينا مشكلة في تنظيم العلاقة بين الطرفين، وأن نمط الملكية الخاص يمثل غالبا ضغطا وقيدا على الاستقلالية التحريرية والمبادئ المهنية، لا يقل خطورة عن ذلك الذي يمثله تداعي الالتزام المهني لدى بعض نجومنا وزملائنا في الصحافة والإعلام. في الفترة الماضية وقعت صدامات جديدة، وهي صدامات أكدت خللين كبيرين في منظومتنا الإعلامية؛ أولهما أن قطاعا من ممولي وسائل الإعلام الخاصة، لا يكتفون بالحفاظ على خط تحريري معلن معين لوسائلهم، وإنما يتدخلون في كل كلمة تقال أو تنشر عبرها، وثانيهما أن غياب القواعد المهنية عن معظم ممارساتنا المهنية يفقد الصحافيين والإعلاميين القدرة على تبني أنماط أداء مسؤولة أو الدفاع عنها، وفاء لاعتبارات المهنة، وحرصا على استقلاليتها المرجوة. يبقى نمط الملكية التعاوني الواسع، الذي يجمع أعدادا كبيرة من الملاك بحصص محدودة، هو الأمثل لمجتمعنا للحفاظ على درجة مناسبة من فصل الملكية عن التحرير، وسيبقى لدينا أن نجاهد لتفعيل هذا النمط، وأن نحاول تقليل سيطرة الحكومة على الخط التحريري للوسائل التي تملكها الدولة، بما يحولها إلى نمط الخدمة العامة بشكل حقيقي. وسيبقي لدينا أيضا أن نحذر من بعض أنماط الملكية والتمويل المشبوهة وغير معلومة المصدر على وجه اليقين، بل علينا أيضا أن نسعى إلى محاربة التركز الضار للملكية؛ أي تمكن رجل أعمال واحد، أو عائلة واحدة، من السيطرة على وسيلة إعلامية سيطرة تامة، فضلا عن السعي الضروري إلى محاربة الاحتكار في تلك الصناعة بما يمنع تملك فرد أو مؤسسة واحدة أكثر من وسيلة إعلام، تنشر أو تبث في تخصص إعلامي واحد. وفي غضون ذلك، سنكون ملزمين بالتعاطي مع تداعيات تملك رجال الأعمال لوسائل الإعلام، بل الحض على إتاحة الظروف المناسبة لهم للاستثمار في هذا المجال، بما يساعد على ازدهار الصناعة، وتعدد المنابر، وتنوع الرؤى، وإتاحة المزيد من فرص العمل لأبناء المهن الإعلامية، وزيادة قدرة المنظومة الإعلامية الوطنية على تحقيق درجة مناسبة من الاعتماد لجمهورها، بما يبقيه بعيدا عن الاستلاب لوسائل إعلام وافدة، قد تكون لديها أجندات مغرضة. يحتاج المشروع الإعلامي إلى فكرة مميزة للوسيلة ونوعها ومهمتها التحريرية، كما يحتاج إلى استيفاء لإجراءات قانونية، ومقر، وأجهزة، وكوادر بشرية، ودائرة صناعة تتضمن تقنيات ووسائل توزيع، وتنظيما إداريا، ودعما فنيا وقانونيا لمواجهة الضغوط والتعامل معها، وقدرة على تقبل الخسارة. وللأسف الشديد، فإن من يمتلك القدرة على توفير تلك الموارد في اللحظة الراهنة ليس سوى الدولة، التي لا تزال تكرس وسائل إعلامها للترويج فقط لوجهة نظر الحكومة، ورجال الأعمال الذين كوّن بعضهم ثرواته من أعمال مشروعة وأدى ضرائبه، فيما أقام بعضهم الآخر إمبراطوريات مالية عبر نهب الأراضي والبنوك والاستفادة من رخاوة الدولة وتفشي الفساد.
يبقى الإعلام في حد ذاته مصلحة عامة، ويبقى وجوده ضرورة حيوية والتزاما أخلاقيا. ولذلك يجب أن نشجع على الاستثمار في مجال الإعلام، بالشكل الذي يضمن اتساع المنظومة الإعلامية الوطنية، ووفاءها بمتطلبات الجمهور. وعلينا في غضون ذلك أن نضع القواعد ونرسي الآليات التي يمكن من خلالها محاربة الاحتكار والتركز الضار للملكية، وإقامة نظام شفاف للتثبت من مصادر التمويل، وتطوير إطار للتنظيم الذاتي، يمكنه رصد انحيازات وسائل الإعلام وتجاوزاتها، جراء التحكم الضار للمالكين في خطها التحريري. يجب أن نحد من تغول ممولي وسائل الإعلام الخاصة على المعايير ومبادئ الاستقلالية المهنية في وسائلهم، من دون أن نغل أيديهم عن التحكم في خطها التحريري بشكل مهني ومعلن، وبموازاة ذلك يجب أن نحد من تحويل بعض الصحافيين والإعلاميين حصصهم الإعلامية إلى ممارسات شاذة وحادة ومأفونة، بحيث تضعف في وجودها ذرائع الحفاظ على استقلالية الصحافة والدفاع عن حريتها».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية