الدول العربية قادت مواطنيها إلى الظلام!

حجم الخط
19

تعاني دول المنطقة العربية من أزمات بنيوية سياسية واقتصادية عميقة، وقد وصل الأمر بمواطني بعض هذه الدول أن عليهم أن يواجهوا، بعد عقود طويلة من الاستقلال، حالات مديدة من انقطاع التيار الكهربائي وذلك في ظل ظروف مناخية صعبة، تتمثّل حاليا بارتفاع كبير في درجات الحرارة نتيجة الصيف اللاهب، وإذا كان هذا الارتفاع الأخير في الحرارة قد أودى بحياة المئات في دول ثريّة ومتقدمة ككندا، فلنا أن نتخيّل ما يصنعه انقطاع التيار عن بلدان لا أحد يهتم بحياة أو موت مواطنيها!
وصلت درجة الحرارة في العراق هذا العام إلى 52 درجة مئوية وأدى انقطاع التيار الكهربائي إلى توقف أجهزة التكييف والمراوح وبرادات المياه وغرقت البلاد في الليل في ظلام دامس، وقد التجأ بعض العراقيين إلى بعض الحلول الخطيرة أحيانا لإنقاذ أنفسهم، كما فعل أحد موظفي مدينة الحلة الذي اضطر لوضع ابنه الرضيع في ثلاجة المنزل للحظات لحمايته من حرارة الجو، فيما قام آخر في الديوانية بالبحث عن قطع ثلج لتأمين مياه باردة لأطفاله، ويقوم آخر في البصرة بتنويم أبنائه على الأرض بحثا عن البرودة، ويقوم آخر برش أطفاله من صنبور المياه العام.
يتعلّق الأمر، كما كل شيء آخر في العراق، بفساد النخبة السياسية المنظم الذي أدى لسرقة مئات مليارات الدولارات، وانعكس ذلك على عدم تجديد وزارة الكهرباء لوحداتها ما يعني ضياع 40٪ من الإنتاج، فيما لم تتمكن وزارة النفط من استثمار الغاز المرافق لعمليات الاستخراج لتحويله إلى وقود، وتوقفت إيران عن تصدير الغاز للعراق، ولا يدفع فواتير الكهرباء إلا عدد قليل من العراقيين، ومن التجاوزات، وخصوصا من قبل المسؤولين وعناصر الميليشيات، وإضافة لذلك فإن شبكة نقل الطاقة تعرضت لهجمات متكررة، وفيما توجّه الدعاية الرسمية كالعادة إلى تنظيم «الدولة» فإن عراقيين كثرا يتهمون جهات وأشخاصا يحاولون تحقيق مكاسب مالية، عبر إعادة بناء المواقع المتضررة، وبيع المولدات، وحين قام المواطنون بمظاهرات واحتجاجات واجهتهم السلطات بالقمع، والنتيجة أن العراق يشهد انهيارا كاملا لمنظومة الكهرباء.
تمرّ سوريا أيضا، حسب وزير كهرباء النظام، بمرحلة هي الأسوأ على صعيد توفر المشتقات النفطية ما أدى إلى زيادة في ساعات تقنين الكهرباء، ويعتبر انعدام أو نقص مصادر الطاقة مشكلة كبرى بحد ذاتها، وإضافة إلى إغراقها الناس في ظلام، فإنها تقلص قدرتهم على اللجوء لمصادر بديلة، فالمولدات الكهربائية تحتاج بدورها إلى مواد كالمازوت والبنزين لتشغيلها، ومع تخلّي الدولة عن مسؤولياتها لجأ السكان إلى مولدات ضخمة يديرها مستثمرون، وتدفع بعض العائلات قرابة 70 دولارا شهريا للحصول على أربع ساعات في اليوم، وهو مبلغ يفوق قدرة المواطن السوري.
يشابه هذا ما يحصل في لبنان، حيث وصلت ساعات تقنين الكهرباء في بعض المناطق إلى 20 ساعة، ويخشى كثيرون أن يخيم الظلام الكلّي على مجمل البلاد بسبب عجز الحكومة عن توفير الوقود لتشغيل محطات توليد الكهرباء لعدم توفر نقد أجنبي للاستيراد، وهو ما يعيدنا مجددا إلى حكاية الفساد العامّ والإدارات السياسية البائسة للبلاد التي أوصلت لبنان إلى أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة.
تشهد مدن السودان أيضا أزمة حادة في الإمداد الكهربائي، حيث يستمر الانقطاع في الكثير من الأحيان لأكثر من 12 ساعة في اليوم، ويتعلق ذلك بنقص حاد في التوليد المائي والحراري، مما قلّص إنتاج الكهرباء إلى قرابة نصف ما تحتاجه البلاد فعليا، كما أصبح انقطاع التيار سمة رئيسية في حياة المصريين، وهو ما يعزى إلى تفشي الفساد في أجهزة الدولة، ومنها وزارة الكهرباء مما أدى لتلف وتردي بعض محطات توليد الطاقة وتراجع قدراتها الإنتاجية.
باختصار، لقد أدى الفشل الهائل للدولة العربية الوطنية الحديثة، التي تحدّث سياسيوها عن قيادة بلدانهم إلى التنوير والحداثة والتقدم، إلى ظلام فعليّ شامل لا يمكن إنكاره.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    العراق سوريا لبنان اليمن،برأيي الحفاظ على نظام بشار الأسد سواء بدعم إيران أو بالرغبة الأمريكية والإسرائيلية للحفاظ علية بمرافقة روسيا هي التي تركت المنطقة العربية في هذا الطلام حيث فشل الربيع العربي بفضل الثورة المضادة. الحل هو برحيل هذه الأنظمة والتهلص من التسلط والإحتلال والإستبداد العربي.

  2. يقول محمد حاج:

    ماذا سيكتب التاريخ لأجيالنا القادمة عن مآسي وهوان الأمم العربية ؟.

  3. يقول عبد الوهاب عليوات:

    لان الديمقراطية لا تتحمل فكرة حكم الفرد المطلق ولان تدجين الشعوب هو الطريق الوحيد لبقاء حكم الفرد المطلق.. فلقد كان ضرب الجهورية في الدول العربية من اجل حماية عروش الملكية المنبطحة هو الذي قادها إلى الظلام..
    مع قتاعتي ان كل تلك العروش سيتم تحطيمها بعد القضاء على آخر ما بقي من جمهوريات عربية.. وعدتم كما بدأتم..

  4. يقول العطاري:

    كان لازم عنوان المقال
    ( انظمة القمع العربية)
    او حكام الانظمة العربية
    حكومات الانظمة العرببة
    حسبي الله ونعم الوكيل فيهم

  5. يقول S.S.Abdullah:

    زاوية رؤية عنوان رأي جريدة القدس العربي اليوم (الدول العربية قادت مواطنيها إلى الظلام!) يؤدي إلى شيء مهم، من وجهة نظري على الأقل،

    والأهم هو لماذا، وكيف؟!

    نقد، طريقة إدارة وحوكمة دولنا، هل يكون من خلال التعميم، أم التحديد، أفضل؟!

    لتوضيح مشاكل مسؤولي (توظيف) المرأة بدل الرجل، في دول مجلس التعاون في الخليج،

    ثم مشاكل (ردح) الإعلام، من خلال عقلية الفرعون المصري، الذي ربط فتح قناة لتركيا، مع فتح تفريعة قناة السويس،

    ثم مشاكل الأسرى، في الحرب العراقية الإيرانية، حتى الآن في عام 2021،

    وأخيراً حذاء تركي استخدمه (منتظر الزيدي) في ضرب ممثلي الديمقراطية (نوري المالكي من العراق، وجورج بوش الإبن من أميركا)،

    لقاء ART مع (أمين هويدي)، سفير (جمال عبدالناصر)، في عراق الأخوين (عبدالسلام وعبدالرحمن عارف (العاني)) ثم بعد ذلك وزير الحربية والمخابرات، بعد فضيحة 5/6/1967

    الجزء الأول

    https://youtu.be/pnhVY_DfJOQ

    الجزء الثاني

    https://youtu.be/2DaFSkD9-cQ

    من المصادر المهمة، لمعرفة خلطة طبخة (العسكرة والأمن)، في الفساد/الغش/التقصير، بشكل عام في خدمات، التي يجب أن تقدمها أي دولة، من دولنا على أرض الواقع،

  6. يقول S.S.Abdullah:

    وكذلك الصورة توضح، أن طريقة ترميز/تشفير/تعمية الأصوات، تختلف عن ربط أي حرف بنفس الصوت، عندنا، وبلا حركات وأدوات تنقيط،

    د = هي
    و = نو
    ه = مو

    بالإضافة إلى أن طريقة وأسلوب الكتابة ليس من اليمين إلى اليسار، بل من الأعلى إلى الأسفل، والحروف غير متصلة، أي هناك شكل واحد لكل حرف، وليس كما عندنا، هناك أكثر من شكل للحرف، حسب موقعه في الكلمة، البداية أو الوسط أو النهاية، أو لوحده،

    الصورتان، تعطي أبعاد جديدة، لفن رسم الخطوط، كفن خاص بلغة القرآن، وإسلام الشهادتين، سبحان الله، والحمدلله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    هناك من يقبل بدفع (الضرائب والرسوم والجمارك) بلا شفافية أو آلية لا مركزية، أو حاضنة تطوير تقنية الأتمتة، أو حوكمة رشيدة، أو حق تعليم لغات الأقليات نفس ومساوي لحق تعليم اللغة الأم في (أي دولة)، هو حر،

    ولكن حسب رأي وخبرة صندوق النقد والبنك الدولي وأخيراً معهد الحوكمة الكندي، هذه الدولة، لن تستطيع المنافسة في سوق أجواء العولمة، وبالتالي سيتجه الإقتصاد فيها، نحو الإفلاس، شاء من شاء أو غضب (رجب طيب أردوغان) وأمثاله،

    من أصحاب كرسي السلطة والحكم والعلم في النظام البيروقراطي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.??
    ??????

  7. يقول عصام:

    الاستبداد هو سبب اساسي في تراجع الدول العربية الى ادنى المراتب الدولية في التنمية والحوكمة والحرية والتنافسية والاستقلال وحماية الهوية الوطنية

  8. يقول سعيد الادريسي م هاشم:

    على الشعوب العربية اخذ العبرة مما جرى في الثورات العربية التي فشلت في تطوير دولها….والسعي إلى الاستقرار الى حين اتضاح الرؤى العالمية …وتنمية نخب سياسية كوفءة …والله المستعان

    1. يقول Fadi:

      تقصد في الالفية الخامسة بعد الميلاد؟

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية