دون انحيازات مسبقة، هل ثمة وزن حقيقي في المنظومة المعاصرة للعلاقات الدولية لالتزام الأمم والشعوب في إدارة شؤونها الداخلية بالقيم الديمقراطية؟ هل ثمة وزن حقيقي في المنظومة المعاصرة للعلاقات الدولية لالتزام الأمم والشعوب فيما بينها بالقيم الديمقراطية العالمية المتمثلة في تجنب الحروب والصراعات المسلحة والمواجهات العسكرية؟ هل تتوافق الأمم والشعوب على رفض تجدد معاناة البشرية المعاصرة من جراء المذابح وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وسقوط الأبرياء ضحايا للحروب الأهلية (المدفوعة بصراعات الموارد كما بصراعات العرق والدين والمذهب) أو ضحايا لجنون الإرهاب؟ هل هناك توافق عالمي باتجاه تخليص البشرية المعاصرة من أزمات الفقر والمجاعات والأوبئة العابرة لحدود المجتمعات والدول وباتجاه حمايتها من الأخطار البيئية والأخطار الناجمة عن توظيف التقدم العلمي والتكنولوجي في مجالات سلمية كالطاقة النووية وأخرى غير سلمية كتطوير الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل؟ بعبارة بديلة، هل هناك وزن حقيقي في المنظومة المعاصرة للعلاقات الدولية لالتزام الأمم والشعوب بالقيم الديمقراطية بعيدا عن احتفاليات توقيع المواثيق والعهود العالمية لحقوق الإنسان وللحريات وجلسات التصديق عليها في البرلمانات؟
تمر الفكرة الديمقراطية بأزمة عاصفة تتمثل في عودة أفكار كبرى أخرى لمنازعتها المصداقية في أطر إقليمية ودولية متنوعة، وكذلك في حتمية الاعتراف بأن خطاب الانتصار النهائي للديمقراطية لم يعد له ذات التوهج المعرفي والمجتمعي والسياسي الذي كان له في خواتيم القرن العشرين بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق وانهيار الكتلة الشيوعية. ولمقاربة الأزمة العاصفة التي تواجهها الفكرة الديمقراطية وقيمها يتعين التمييز بين: 1) عناصر الأزمة ذات الصلة بالغرب الأمريكي والأوروبي الذي ما لبثت حكوماته تدعي الالتزام بالقيم الديمقراطية وتنكر النواقص التي ترد عليها، 2) والعناصر غير الغربية التي تتعلق إما بانصراف بعض الأمم والشعوب عن طلب الديمقراطية وصياغتها لأفكار كبرى بديلة تناوئ الفكرة الديمقراطية ولها جاذبيتها أو باستحالة تحقق الديمقراطية في واقع أخلاقي وإنساني ومجتمعي وسياسي يعاني من انهيار الدول الوطنية وتعمل أزمات الفقر والتطرف والإرهاب معاول الهدم في سلمه الأهلي.
في الغرب، في تسعينيات القرن العشرين بدت الديمقراطية كالنموذج الإنساني الأفضل لإدارة علاقة الدولة بالمجتمع والمواطنين. والآن، وفي خواتيم العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تستعر حملة عاتية مضادة للديمقراطية. فإذا كانت دعائم الديمقراطيات الغربية هي حكم القانون والرقابة العامة على أصحاب السلطة والنفوذ بجانب تداول الحكم وحماية الحريات وحقوق الإنسان كضمانات تحقق الصالح العام، فإن فضائح الفساد التي تعصف بالعديد من المجتمعات الغربية تظهر مدى ضعف آليات الديمقراطيات القانونية وأدواتها الرقابية لجهة ضبط حركة اقتصاد السوق والمتعاملين به.
جل ما يراه ناخبو اليمين المتطرف في السياسة في الغرب هو صراع ثقافي بين دعاة فتح الأبواب للأجانب وبين المطالبين بإغلاق الأبواب، بين دعاة تبني قيم عصرية تحض على الحرية والمساواة وقبول الآخر وبين الباحثين عن إنقاذ ما يرونه الهوية الأصلية
وبالمثل، يدلل الصعود غير المسبوق للحركات الشعبوية والعنصرية واليمينية المتطرفة التي باتت إما تشارك في الائتلافات الحاكمة في بعض العواصم الأوروبية أو تشغل مقاعد المعارضة ذات التأييد الشعبي المتميز أو تؤثر بوضوح في السياسات العامة التي تطبقها حكومات اليمين واليسار على امتداد أزمة الديمقراطية الغربية إلى قلب الفضاء السياسي. لا يلتفت لا الائتلاف الحاكم في النمسا (شراكة الحزب المسيحي الديمقراطي واليمين العنصري) ولا الحكومة اليمينية في الجمهورية التشيكية إلى القيم الإنسانية للديمقراطية حين يصيغون سياساتهم بشأن قضايا الهجرة واللجوء. ولا يبتغي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من سياساته الاقتصادية والتجارية الحمائية سوى الحصول على رضاء المجموعات السكانية المنجذبة إلى الأفكار الشعبوية والعنصرية والرافعة لشعار أمريكا أولا.
مثل تلك التحولات في الغرب تدخل الديمقراطية في أزمات متتالية، وصولا إلى حكم نهائي مفاده إخفاقها كنموذج في ضمان الصالح العام وعجزها عن التعامل مع مخاوف الناس من موجات الهجرة واللجوء ومطالبهم باتجاه سياسات حمائية تضمن لهم أماكن العمل بعيدا عن تقلبات الأسواق وحركة رؤوس الأموال.
يقود اليمين المتطرف الحملة على الديمقراطية وعلى الأحزاب التقليدية في الغرب. تشترك أحزاب اليمين المتطرف في إطلاقها للاتهامات بالجمود والفساد والابتعاد عن الناخبين باتجاه أحزاب اليمين واليسار التقليدية، ويعبر اليمينيون المتطرفون هنا وكما تدلل استطلاعات الرأي العام في المجتمعات الغربية عن انطباعات سائدة بين قطاعات شعبية واسعة.
تتشابه أحزاب اليمين المتطرف في تبنيها لخطاب سياسي يوظف المقولات القومية لصياغة رفض صريح لوجود الأجانب واللاجئين من غير البيض، وتظهر استطلاعات الرأي العام أن القواعد الناخبة لليمين المتطرف لم تعد ترى لا السياسة ولا المؤسسات الديمقراطية كمجال للصراع السلمي بين اليمين واليسار حول قضايا مثل النظم الضريبية وسياسات العمل والأجور وإعانات البطالة والعجز والرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية. جل ما يراه ناخبو اليمين المتطرف في السياسة في الغرب هو صراع ثقافي بين دعاة فتح الأبواب للأجانب واللاجئين وبين المطالبين بإغلاق الأبواب، بين دعاة تبني قيم عصرية تحض على الحرية والمساواة وقبول الآخر وبين الباحثين عن إنقاذ ما يرونه الهوية الأصلية والمتمسكين بفهم محافظ للقيم الدينية المسيحية. وتفسر حقيقة أن ناخبي اليمين المتطرف يرون السياسة كمجال لصراع ثقافي يؤيدون به من يرفع لافتات إغلاق الأبواب والدفاع عن الهوية الأصلية والحفاظ على القوميات داخل الغرب، تفسر هذه الحقيقة محدودية اهتمام ناخبي اليمين المتطرف ببرامج الأحزاب التي تمثلهم. فالتورط في الصراع الثقافي لا يستدعي صياغة برامج سياسات محددة بشأن الضرائب وسوق العمل والرعاية الاجتماعية، بل يتطلب فقط الاقتراب من المقولات العنصرية التي تتداولها بعض القطاعات السكانية حول وجود الأجانب واللاجئين وحتمية إغلاق الأبواب.
في مقابل أزمة الديمقراطية في الغرب، تكتسب نماذج للحكم غير الديمقراطي خارج الغرب جاذبية عالمية. فالنموذج الذي يعبر عنه العملاق الصيني بتطبيقه لاقتصاد السوق الرأسمالي بنجاح دون انفتاح سياسي، وكذلك الحالة التي أحدثها فلاديمير بوتين في روسيا الاتحادية حيث أعاد بخليط من الحكم السلطوي والسيطرة الأمنية بناء مؤسسات الدولة ومقومات النظام العام مضحيا بالحريات المدنية والسياسية للمواطنين وضامنا استمرارية اقتصاد السوق ومصالح المسيطرين عليه من كبار رجال الأعمال؛ كلاهما صار يتمتع بمصداقية عالمية متصاعدة كبديل للديمقراطية. اليوم، تنظر نخب حكم غير غربية عديدة بانبهار صريح إلى النموذج الصيني بمعدلات نموه الاقتصادية العالية وإلى النموذج البوتيني ومعه استرجعت روسيا عافيتها الداخلية ودورها العالمي، وتعمد إلى الإشادة بالنموذجين للتدليل على أن تطبيق مبادئ الديمقراطية ليس بضروري لإنجاز الأهداف التنموية للمجتمعات ومعالجة أزماتها الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة خاصة حين تستحكم أخطار انهيار الدول الوطنية وتتعاقب أزمات الفقر والتطرف والإرهاب.
كاتب من مصر
والله لولاكم أيها العلمانيون لما تمكن العسكر من الإنقلاب على الشرعية! لماذا لم تنتظروا 4 سنوات لتغيروا الرئيس المنتخب ديموقراطياً وليس إنقلابياً على الجميع؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
السؤال الأهم هو: هل ثمة وزن حقيقي للريشة؟ بعبارة أخرى، هل المنظومة المنتظمة للتوهج المعرفي والمجتمعي والسياسي المنبثقة من اصطفافات مكحولة تقود في النهاية إلى غايات نخبوية تدرأ بنفسها عن “النموذج” الصيني، والنمط المتحمزن في أدلجة الفكر اليوتيني، ولا أقول الشي جين بينغي (نسبة إلى الرئيس الصيني). المعلوم سلفا، وهنا لا ألمح ولا أسقط على السلفية الليبرالية المتكلسة ، وإنما هي محاولة استنباط للباطن المبطون في قاع النهر، وقد قيل قديما إن المرء لا ينزل النهر مرتين. ورمضان كريم على الجميع
pla pla pla >>>>> pla
جميلة هي التعبيرات المنمقة .. المفخمة .. لاشك انها تنبيء عن تنوخب عال وتثوقف اعلى
للاسف .. فرق شاسع بين الاقوال والافعال .. وبينهما نكوص ودماء وحرق