الديمقراطية العراقية: انتخب من سيسرقك!

حجم الخط
9

بعد موقف رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الأول الذي امتشق سيف السلطة مهددا به المحتجين، والذي يمكن اعتباره مسؤولا عن حمام الدم الوحشي الذي أغرق العراق خلال الأيام القليلة الماضية، أظهرت الحكومة فجأة تراجعاً في طريقة التعاطي مع الاحتجاجات مصدرة عددا من القرارات لامتصاص الغضب الشعبي العارم.
تضمنت القرارات المعلنة توزيع أراض سكنية على ذوي الدخل المحدود، وخصوصا في محافظة البصرة التي كانت، العام الماضي، المبادرة إلى إشعال الاحتجاجات، وزيادة عدد القروض لبناء وحدات سكنية، ودعم الرعاية الاجتماعية لتشمل 600 ألف عائلة، وفتح باب التطوع للشباب في الجيش والشرطة، وهي قرارات «بعيدة المدى»، يمكن لو تم تطبيقها فعلا، أن تخفف بعض آثار الأزمة على الفئات الشعبية الأكثر تضررا.
اتخذت الحكومة أيضا بعض القرارات ذات الطابع المؤقت الأشبه بالمسكّنات، مثل منح 150 ألفا من العاطلين عن العمل أو لا يستطيعون العمل منحة قدرها 147 دولارا لمدة ثلاثة أشهر، وكذلك إنشاء أكشاك بيع في مناطق تجارية في بغداد والمحافظات للتوزيع على أولئك العاطلين عن العمل، إضافة إلى اعتبار الضحايا من المتظاهرين والأجهزة الأمنية «شهداء» ومنح عوائلهم الحقوق والامتيازات المترتبة، وتولي وزارة الصحة تقديم الخدمات العلاجية للجرحى على نفقة الحكومة.
بسبب الطبيعة الفاسدة للنظام العراقي فمن شبه المؤكد أن أغلب هذه القرارات سيتم التلاعب بها، وربما ستفتح أيضا مجالات التلاعب والاختلاس والابتزاز للمتنفذين والممسكين بقرارات الحياة والموت في العراق، من أجهزة أمنية وميليشيات مسلحة، تعتبر القرارات، على أي حال تعتبر شكلاً من الإقرار بالمسؤولية وتقبلا لضرورة العمل على حلّ الأزمات المستعصية التي تتناهب العراق، وهو أمر يفترض الترحيب به خصوصا حين يقارن بمواقف أنظمة عربية أخرى تتمسّك بالحلول الأمنية الوحشيّة حتى النهاية، كما ترفع الحجج البائسة حول «المؤامرات الخارجية» التي ترسمها أمريكا وإسرائيل (إذا كان النظام مصنّفا على المحور الإيراني كما هو حال النظام السوري)، أو «تخططها جماعة الإخوان»، إذا كان النظام منتظما في محور الإمارات والسعودية، كما هو حال نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر.
ينبع موقف المنظومة العراقية من كونها، على مستوى الدستور، مؤلفة من قوى سياسية يفترض أن تعبّر عن مصالح متعارضة للفئات التي تمثلها، على عكس منظومات عربية أخرى تكون فيها الحكومات والبرلمان والقضاء والإعلام كتلة صلدة متماسكة تحكمها الأجهزة الأمنية مباشرة، كما هو الحال في السعودية ومصر وسوريا.
هذه الطبيعة المختلفة للمنظومة العراقية يجعلها، خلال حصول أحداث خطيرة، كما هي الانتفاضة العراقية الراهنة، محكومة بالاختلافات بين القوى المشكلة لها، وهو ما أدى، على سبيل المثال، إلى فشل البرلمان العراقي في عقد جلسة لمناقشة الاحتجاجات بفعل مقاطعة كتل برلمانية، منها «سائرون»، التي تمثل اتجاه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، و«التحالف الوطني»، التي هي كتلة تعبّر عن بعض الطيف السنّي في البلاد.
وإذا كان هذا الهامش «الديمقراطي» يسمح للضغط الشعبيّ الكبير بالتأثير على بعض القوى ويزحزح مواقعها في نظام «المحاصصة»، بحيث نسمع تصريحا من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي يطالب بإعلان أسماء «حيتان الفساد»، فإنه، من جهة أخرى، لا يستطيع أن يزحزح الوقائع الراسخة التي تسيّر هذه المنظومة، ومنها واقعة الوجود الإيراني المقرّر في السياسة العراقية، وهو وجود يعطّل إرادة سياسية حقيقية لإخراج البلاد من أزماتها، ويستفيد من واقعة النهب والفساد المنظّم لموارد الدولة العراقية، والذي يقدّر بـ450 مليار دولار منذ 2003، والذي جعل العراق الذي يملك احتياطيات من النفط تقدر بـ112 مليار برميل، بلدا فقيرا، بموازنة عجز تزيد عن 30 مليار دولار، فيما يعاني الاقتصاد من أزمات بنيوية منها انهيار البنية التحتية وانعدام الصناعة وضعف قطاعات الزراعة والتجارة، مما جعل العراق في المرتبة 169 من أصل 180 دولة في ميزان الفساد العالمي.
بهذا المعنى، فإن الديمقراطية العراقية، هي حرية الفرد العراقي في انتخاب من سيسرقونه… وكذلك من سيقتلونه في حال ثار عليهم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول .Dinars.:

    العراق أفرز فسادا استشرى في شتى مناحي حياة الشعب إن صحت التسمية في هذا الأخير لما غلب على العراق من طائفية تتطابق وعقيدة المحتل الإيراني ما يجعل التخلص من الأمر الواقع أمر صعب يتطلب انتظارا لعقود حتى يتداعى نظام الملالي.
    هذا المشهد السياسي العراقي لا يتطلب انتخابات.

  2. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم. رأي القدس اليوم عنوانه(الديمقراطية العراقية: انتخب من سيسرقك!)
    الروح الطائفية السائدة في العراق تمنع الشعب من اختيار الأصلح، لأنه يختار ابن الطائفة ولو كان متأكدا انه لص وحرامي؛ وهذا الجو البائس يرعاه الوجود الايراني الذي (يعطّل إرادة سياسية حقيقية لإخراج البلاد من أزماتها، ويستفيد من واقعة النهب والفساد المنظّم لموارد الدولة العراقية)
    هذا الفساد (المنتخب!!!) أنتج اقتصادا يعاني من (انهيار البنية التحتية وانعدام الصناعة وضعف قطاعات الزراعة والتجارة، مما جعل العراق في المرتبة 169 من أصل 180 دولة في ميزان الفساد العالمي.)
    الفساد المستشري في العراق عهدت بن امريكا واسرائيل للرعاية الإيرانية واتفق ثلاثتهم (امريكا واسرائيل وإيران) على ان
    يرجعوا العراق الى العصر الحجري بعصابات طائفية منفلتة وقمة في الجشع والنهب والفساد يصاحبهاالفوضى والفلتان بعكس (منظومات عربية أخرى تكون فيها الحكومات والبرلمان والقضاء والإعلام كتلة صلدة متماسكة تحكمها الأجهزة الأمنية مباشرة، كما هو الحال في السعودية ومصر وسوريا.)
    ونموذج الديموقراطية العراقية فريد من نوعه ولا تجد له مثيلا عبر الكرة الارضية وهو( حرية الفرد العراقي في انتخاب من سيسرقونه… وكذلك من سيقتلونه في حال ثار عليهم.)

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    توقعت أن تخمد هذه المظاهرات في سبيل الحفاظ على المذهب! بالرغم من خيانة من يمثل هذا المذهب!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول سوري عتيق:

    انها مدرسة ولاية الفقيه الطائفية المجرمة يحل الخراب أني حلت في ايران وسورية والعراق ولبنان واليمن. هذه هي استراتيجية عمل عليها اصحاب العمائم منذ البداية وهي تصدير ثورة الإجرام الى البلاد العربية مع حركة تشييع ورغم أن زعماء العرب الأشاوس كانوا قد تنبهوا لهذه الاستراتيجية لكنهم لم يفعلوا شيئا واستفاقوا عندما وصلت النار الى بيتهم

  5. يقول S.S.Abdullah:

    من وجهة نظري جمال عنوان رأي القدس وما ورد تحته من تفاصيل عقلية العالة/الآلة الحداثية، في أنّه يلخص إشكالية الإدارة كواقع حال على الأرض (الديمقراطية العراقية: انتخب من سيسرقك!) ولكن إشكالية المثقف/السياسي في دولة الحداثة، رفضه إصلاح مفهوم الإدارة الديمقراطية/الديكتاتورية في عام 2019، لماذا؟!

    هي لا تعترف بوجود شيء اسمه الضمير الإنساني يتجاوز التطبيق الحرفي للتعليمات الناقصة عند الحاجة الإنسانية، على أرض الواقع، هذا من جهة،

    ومن جهة أخرى القوانين في تحصيل الضرائب والرسوم والجمارك بالنسبة لها، ليس التنظيم بل الاستعباد، فهي غير ملزمة بتوفير خدمات، لا،

    والإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمُنتجات الإنسانية هم عبيد/مجبرون على دفع خُمس آل البيت (كواسطة أو محسوبية أو رشوة)،

    أي الموضوع ليس سرقة بالنسبة لهم، وليس في العراق كمهد للحضارة، بل في كل مكان (أمريكا أو أوربا أو آسيا وأفريقيا وأستراليا (القارات السبع).??
    ??????

  6. يقول سامح//الاردن:

    *كان الله في عون الشعب العراقي
    المنكوب والمغلوب على أمره.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل حاكم فاسد مستبد.

  7. يقول Zaid:

    جاوز الظالمون المدى
    دعك عن الفساد الاسطوري. شهريا يتم اعتقال 1200 أو أكثر حسب الأرقام الرسميه
    (لا يدخل ضمن الرقم ما تقوم به المليشيات من قتل واعتقال) هؤلاء المعتقلين من أهل السنه تجري إبادتهم تقربا للأولياء.

  8. يقول محمد السوري:

    للأسف الشديد علينا ان نعترف ان احرار العراق اللذين خرجوا ضد اذناب نظام ملالي المجوس المدعوم من الحلف الصهيوصليبي يحتاجون الى دعم وقوة جبارة لكي ينتصروا على حثالة عملاء طهران وقم وحتى المعممين اللذين ناصروا المتظاهرين ليس لهم مصداقية فهم كالحرباء اللتي تغير جلدها بعد كل انتخاب وعلى ألوان ورنين الدولار رغم ذالك ندعوا الله ان ينصر الشرفاء غير ( الطائفيين) منهم

  9. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    رؤوس السلطة العفنة في العراق الذين يتصدرون المشهد السياسي الحاكم منذ 2003 ، لم يكن افضلهم ليحلم بمنصب مدير ناحية لولا العم سام و الخال فارس

    اليوم يتهمون المتظاهرين و المنتفضين الشباب الذين كانوا اطفالاً صغاراً يوم وقعت الواقعة ، انهم اصحاب اجندات خارجية امريكية و غيرها !

    هذا على اعتبار انهم جاؤوا الى السلطة في العراق وفق اجندات حمورابي و نبوخذ نصر و سرجون الاكدي ؟!!

    الا تعساً لهذه الرؤوس التي ايعنت وحان قطافها !

إشترك في قائمتنا البريدية