التطور المُذهل للذكاء الاصطناعي في مجال صناعة السينما، بات من القضايا الأساسية التي تشغل السينمائيين في مُختلف دول العالم، خاصة في ظل المخاوف التي تساور المُبدعين المُتخصصين في التصوير والمونتاج والموسيقى، وبقية التقنيات وثيقة الصلة بالتطور الفني الزاحف والمُخيف والآخذ في التنامي بلا مقدرة حقيقية على مواجهته وإيقاف تياره السريع.
ورغم ظهور بوادر للذكاء الاصطناعي قبل عشرات السنين في مصر وبعض الدول العربية في المجالات الإبداعية المُختلفة، إلا أن سطوته المُرعبة لم تكن في الحُسبان بالشكل الموجود الآن، ربما لأن التدخل التقني في حينه كان محدوداً ومُقتصراً على مجالات بعينها، لم تُشكل خطورة قوية على العنصر البشري، ولم تكن تُنذر بإزاحته عن مجالات التخصص الإبداعي في السينما والمسرح والفن التشكيلي وغيرها. أما الآن وقد تغيرت مفاهيم وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، فقد أصبح تجاهل خطورته يشكل في حد ذاته خطورة أكبر، حيث يُمكن من خلال تعدد وسائل ووسائط الذكاء الاصطناعي الإلكتروني تقليص دور العناصر البشرية قاطبة في شتى التنويعات الإبداعية، بدءاً من كتابة النص السينمائي أو المسرحي كمرحلة أولى للعمل الفني ونهاية بآخر مراحله، مروراً بالخطوات المؤدية لاكتمال الفيلم السينمائي أو العمل المسرحي أو اللوحة التشكيلية.
وتأتي الخطورة التي تُهدد وجود المُبدع كعنصر بشري من القُدرة التكنولوجية على تطويع وتسخير الأدوات الصناعية كافة، اللازمة لإنجاز أي عمل إبداعي فني من خلال برامج التطبيق المُتخصصة، دون الحاجة القوية لتدخل الإنسان كعامل أساسي في اكتمال المشروع الفني في كل تفاصيله، ففي إمكان الآلة التكنولوجية الحديثة المُتمثلة في جهاز الكومبيوتر ابتكار وتصميم جميع الأشكال الفنية والإبداعية المطلوبة والمرغوب فيها، بمجرد إدخال البيانات الدالة على طبيعة الشيء وسماته والصورة التشكيلية المراد الوصول إليها، سواء كانت تتصل بفيلم أو مسرحية أو مسلسل أو غير ذلك، فجميع المكونات متوافرة وكل القُدرات مُتاحة لدى جهاز الكومبيوتر. لقد أظهرت بعض التجارب السينمائية القُدرات الفائقة للأجهزة الإلكترونية في مجال التصوير والخدع والحيل اللازمة لصناعة بعض الأفلام، كما في فيلم «طاقية الإخفاء» للمخرج نيازي مصطفى وفيلم «الفانوس السحري» لإسماعيل ياسين و«عفريتة هانم» لسامية جمال و«الإنس والجن» لعادل إمام و«التعويذة» لمحمود ياسين و«جلا جلا» للفنانة الراحلة جالا فهمي، إذ تم الاعتماد بشكل أساسي على براعة التصوير في تنفيذ مشاهد ظهور واختفاء الأبطال بطريقة مفاجئة ومُثيرة، وفق المنصوص عليه في السيناريو، بالإضافة إلى خلق أجواء من الرعب لزوم الحبكة الدرامية، لكن ذلك كله لم يكن كافياً للإحاطة والاستعداد للجديد والمُتقدم في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
لقد بدأ صُناع السينما مؤخراً يفطنون لخطورة ما يُحيط بهم من أخطار تُهدد بسحب البساط من تحت أقدامهم لصالح المارد الذي يفرض سطوته وهيمنته على جميع أوجه الصناعة السينمائية، من ديكور وإكسسوار وملابس ومؤثرات صوتية وموسيقى، ومُمثلين وأبطال أيضاً يقومون بأدوار معينة تُكتب لهم خصيصاً وتُنفذ بواسطة روبوتات صناعية تحل محل المُمثلين الحقيقيين. وهذه التجارب تمت بالفعل في السينما العالمية وحققت نجاحاً كبيراً في إطار وجودها كمُبتكر صناعي وتكنولوجي مُكتشف حديثاً وفي طريقة للتعميم كبديل مُحتمل للإنسان!
الغريب أن هذه التقنيات الحديثة تم استخدامها في مصر بصورة كاريكاتيرية جديدة، تمثلت في فيلم أحمد حلمي «صُنع في مصر» الذي حاز إعجاب قطاع كبير من الجمهور قبل بضع سنوات، فضلاً عن نقل التقنية ذاتها للدراما التلفزيونية كنوع كوميدي يستشرف المُستقبل الفني والإبداعي، في ضوء التقدم المتلاحق لصناعة السينما والدراما التلفزيونية بما يحاكي الواقع المُنتظر الآتي على وجه السرعة والظاهرة دلالاته بأمارات كثيرة ومُتعددة.
وقد سبق لأفلام الكارتون التي أنتجتها شركة ووالت ديزني الأمريكية، الإشارة إلى هذه الأنماط الحديثة المستوحاة من الخيال، لكن أحداً لم ينتبه إلى اعتبار أفلام الكارتون مُقدمة لهيمنة العقل الإلكتروني، أو الذكاء الاصطناعي على عالم صناعة السينما باتساعه وتفاصيله وجميع مُفرداته، فلم يكن يخطر على بال السينمائيين أو المُشاهدين أو النقاد، أن عوالم الفانتازيا التي يرونها على الشاشة ستتحول في غضون سنوات قليلة إلى واقع ملموس يغترب فيه الكائن البشري أمام الكائنات الصناعية الهلامية التي لم يصادفها المُتلقي إلا في صور وشخصيات وحكايات ألف ليلة وليلة باعتبارها من وحي الخيال وقصص التراث الفني القديم.
كاتب مصري