وقف اللاعبون جنباً الى جنب يملأهم التوتر وتشدهم الاثارة لمعرفة آخر التعليمات، وهم ينظرون الى صندوق طويل سيصدر منه كل ما يتعلق بمباراتهم المقبلة وعليهم تطبيق كل كلمة بحذافيرها.
هكذا خضع لاعبو فريق الهواة في انكلترا “وينغيت وفينشلي” الذي ينشط في الدرجة السابعة بتسلسل الهرمي للدوريات في انكلترا، أو بما يعرف بدرجة “ايسثميان”، لتجربة الاستماع واطاعة هذا الصندوق الذي يعرف باسم “إي آي كوتش” أو المدرب ذو الذكاء الصناعي، وهو عبارة عن صندوق معلومات خزن فيه كل البيانات الممكنة عن الفريق والفرق المنافسة، لذا فانه سيصدر قراره بمن ستكون التشكيلة الاساسية من بين مجموعة اللاعبين الهواة، بناء على قدراتهم وعطائهم في التدريبات، مثلما سيصدر تعليمات بالخطة الأمثل في مواجهة الفريق المنافس والتكتيك الذي سيلعب به اللاعبون في مباراة ضد وايتهوك يوم 9 فبراير/شباط المقبل.
هذا الصندوق “الذكي” كان لبنة أفكار فريق من مجموعة من الخبراء في عالم كرة القدم، وشتى مجالاتها، ووفروا ما يعتقدون أنه يكفي من المعلومات لهذا الكومبيوتر الذكي، عن لاعبي الفريق وعن المنافس، لاصدار قراراته المهمة عن أفضل وسيلة لمواجهة الخصم وتحقيق الفوز والنقاط الثلاث، وطبعاً على غرار المدرب البشري، فان “إي آي كوتش” سيكتسب الخبرة بعد كل تجربة.
ورغم ان هذه الفكرة ولدت لاثارة حماس اليافعين وصغار السن بكل ما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة وعلوم الرياضيات، فانها قد تجد مكاناً لها في العالم الاحترافي للعبة، حتى لو كانت تحت اشراف بشري، فحتى مدرب فريق وينغيت وفينشلي ديف نورمان كان متشجعا لهذه التجربة ومتفائلاً بان “إي آي كوتش” سيوصل الى اللاعبين فكرة أساسيات كرة القدم والمبادئ الرئيسية، وهي قد تختلف عند المدربين البشر لكنها لن تختلف عند المدرب الصناعي صاحب العقلية الالكترونية.
طبعاً هناك العشرات من المختصين والباحثين يتطلعون لرؤية نتيجة هذه التجربة، وكيفية تطويرها وجعلها خيارا في المستقبل في عالم كرة القدم الاحترافية، وهو مربط الفرس وهو أيضاً ما سيقود اللعبة الى عالم مختلف تماماً عما نعرفه اليوم.
فلن يعود هناك جوزيه مورينيو بعنجهياته ولا يورغن كلوب بحماسه ولا زين الدين زيدان بهدوئه، بل سيكون هناك فريق من أمهر التقنيين يزودون الاجهزة بكل المعلومات الممكنة، ويحددون “الحالة” المطلوبة من اللاعبين، وحينها سيصدر “إي آي كوتش” كل التعليمات الفردية والجماعية بكيفية التعاطي مع الخصم وأسلوب اللعب وحتى الحالة النفسية للفريق، بان يكون هادئاً في أجواء مشحونة، او متحمساً في مباراة حاسمة.
قبل نحو عامين من تقاعده عن عالم التدريب في 2013، تحدث المدرب الاسطوري السير أليكس فيرغسون عن الاختلافات التي عاشها طيلة نحو 27 عاما في تدريب مانشستر يونايتد، فقال: “في بداياتي كنت أنا المدرب… أنا كل شيء… الآمر والناهي، أما اليوم فهناك مختص لنظام التغذية عند اللاعبين يجبرهم ما يأكلون وماذا لا يأكلون، وهناك محلل فني يقوم بدراسة كل صغيرة وكبيرة عن أداء اللاعبين في التمرينات وفي المباريات وبالارقام، وهناك مدير تقني يقوم بالتفاوض على ضم اللاعبين وبيعهم وهو الذي يحدد رواتبهم وقيمة بدل انتقالاتهم… حتى أن هناك طبيبا نفسيا بامكان كل لاعب رؤيته في حال لم يشعر على ما يرام… هذا كله كنت أفعله أنا… ربما ليس بهذه الاحترافية لكنه ليس عالمي”.
كل هذه التغييرات حدثت في غضون أقل من عشرين عاماً على رياضة أصبحت عالماً اقتصادياً بحد ذاته، فتصبح كل صغيرة وكل كبيرة وكل شاردة وواردة أمرا مهماً في كل ناد، ورويدا رويدا ستدخل الاندية ما يسهل عمل موظفيها حتى لو كان على حساب وظائفهم… “الذكاء الصناعي”، وتدريجيا لو نجحت تجربة “إي آي كوتش” في الدرجات الدنيا، ستشق طريقها نحو أندية الدرجات العليا، وسيدرك رؤساء هذه الاندية أنه اذا كان الهدف الرئيسي هو تحقيق الانتصارات فلن يكون مهما كيف ستتحقق، ولن يهم ان كان العقل خلف هذه الانتصارات “بشرياً” أو “صناعياً”.