الخرطوم ـ «القدس العربي»: أحيا عشرات الآلاف من المحتجين في المدن السودانية المختلفة، الإثنين، الذكرى الرابعة لثورة 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، عبر تظاهرات، طالبوا خلالها بإسقاط الحكم العسكري، والسلطة المدنية الكاملة، فيما أطلقت السلطات الرصاص المطاطي وعبوات الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة، كما لاحقت المدرعات العسكرية المحتجيين، مما أسفر عن عدد من حالات الدهس والإصابات.
وفي العاصمة الخرطوم، توجهت التظاهرات نحو الوجهة التي حددتها لجان المقاومة، أي القصر الرئاسي، أو كما يسميه الثوار «قصر الشعب»، بينما تعالت الهتافات الرافضة للشراكة والتفاوض ومنح الشرعية للعسكر، والمطالبة بإسقاط الانقلاب ومحاكمة قادته.
ورفع المحتجون كذلك رايات تحمل صور ضحايا التظاهرات، ولافتات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومحاسبة الضالعين في قمع التظاهرات، وتحقيق العدالة في جميع أنحاء البلاد.
«ستظل مستمرة»
وحسب لجان «مقاومة الخرطوم»، فإن «الثورة السودانية ستظل مستمرة، وأن ساعة النصر آتية لا محالة»، داعية، في بيان إلى «بناء جبهة وطنية عريضة لمقاومة وإسقاط الانقلاب ومحاكمة قادته».
وشددت على «رفضها لأي تسوية مع قادة الانقلاب»، مؤكدة أن «تحقيق أهداف الثورة السودانية لن يكون إلا عبر إسقاط الانقلاب وتحقيق العدالة للضحايا وإبعاد العسكر بشكل نهائي عن السلطة والتأسيس لسلطة الشعب».
ومن محطة شروني، القريبة من مباني القصر الرئاسي وسط الخرطوم، تحدث المتظاهر النور أحمد (22 عاما)، لـ«القدس العربي»، مشيرا إلى التظاهرات الضخمة التي شهدتها العاصمة السودانية الخرطوم ومدن السودان المختلفة، معتبرا ذلك «تمسكا من الشارع بمطالب الحرية والسلام والعدالة وتأسيس الحكم المدني الكامل».
وأضاف: «لن نقبل بالتسوية والثورة ستظل مستمرة»، مشددا على أن «الاتفاق السياسي لن يحقق العدالة لضحايا الانقلاب، وأن الشارع لن يقبل بذلك».
أما علي عبد الله (20 عاما)، فقد ظل ورفاقه في مجموعة «غاضبون بلا حدود» يتقدمون التظاهرات، حاملين دروعا معظمها من الخشب والبلاستيك للتصدي للمقذوفات التي يطلقها العسكر، وفتح الطريق لبقية المحتجين للتقدم للأمام.
وقال لـ« القدس العربي» إن «الثورة السودانية ستظل مستمرة طالما ظل العسكر يتشبثون بالسلطة، وطالما بقي رأس الانقلاب، عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) موجودين» مضيفا: «نحن إما أن ننال السلطة المدنية الكاملة أو أن نلحق برفاقنا الشهداء».
هتفوا ضد التفاوض ومنح الشرعية للعسكر… والأمن استخدم الغاز المسيل للدموع
في الموازاة، شدد المتظاهر أبي أحمد (23 عاما)، على أن «الاتفاق الإطاري الموقع في 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري بين العسكر وعدد من التنظيمات المدنية، أعاد الإسلاميين وحلفاءهم وواجهاتهم السياسية إلى السلطة»، مؤكدا أنهم «لن يقبلوا باتفاق يعيد أحزابا تحالفت وحكمت مع النظام السابق وأنهم سيواصلون التظاهر السلمي والعصيان والإضراب حتى إسقاط الانقلاب».
وعلى الرغم من تمسك المحتجين بمطالبهم، إلا أنهم لا يخفون إحساسهم بالإحباط بعد أربعة أعوام من الحراك الشعبي الذي شهد العديد من لحظات الصعود والهبوط، حيث قالت مريم أبو طالب (26 عاما) إن «الطريق إلى الأمام لا يبدو واضحا، لكن كل ما نعرفه أننا لن نتراجع للخلف، ولن نسمح بأن تضيع تضحيات رفاقنا الشهداء دون جدوى، لا أعرف إلى أين سنصل ولكننا سنواصل المسير، لا يمكننا التوقف ونرفض الشراكة الجديدة مع العسكر وكل ما منحه لهم الاتفاق من صلاحيات».
وحددت مطالبهم بـ «مدنية الدولة والعدالة والقصاص للضحايا منذ انطلاق الثورة السودانية».
أما رفيقتها لمياء عمر (25 عاما) فقالت: «ظللنا كمواطنين سودانيين نخرج إلى الشوارع منذ 4 سنوات، نحن منهكون للغاية لكن لا يمكن أن نستريح، لا حل سوى استمرار المقاومة، لو نوقف الشارع ليوم واحد سنفقد الكثير، الشارع يقف كحائط صد أمام الانقلابيين وسنظل نواصل الصمود»، مضيفة: «الثورة ستستمر للأبد وأجيال ستسلم أجيالا إلى أن نبني السودان الجديد الذي نريده، نريد إبعاد قادة الانقلاب والعسكر كليا عن السلطة، نريد فترة انتقالية مدنية كاملة والعمل على إصلاح الأحزاب، نحن نؤمن بطاقة الشباب داخل الأحزاب وقدرتهم على ضخ روح الثورة في داخلها».
استمرار المقاومة
وفي السياق، أكد المتظاهر عابد أحمد (34 عاما) لـ«القدس العربي» أن خروجهم في تظاهرات الأمس «ليس للاحتفال بذكرى الثورة، وإنما للتأكيد على استمرار المقاومة الشعبية»، مشددا على أن «الاحتفال يأتي بعد النصر وليس قبله، وأن السودانيين لم يحققوا حتى الآن الأهداف التي خرجت من أجلها الثورة».
وشدد على أن «مطالبهم كانت الحرية والسلام والعدالة ولم يتحقق منها شيء»، معتبرا ن الاتفاق الإطاري «اتفاق فاشل من قبل التوقيع عليه».
وأشار إلى أنه «لا يمكن توقيع أي اتفاق دون إجراءات بناء ثقة تشمل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإتاحة الحريات وعدم قمع التظاهرات»، مضيفا أن «من يفاوضون باسم الشارع يجب أن يتشاورا مع الشارع».
ورأى كذلك أن «ما يحدث تفاوض يتم من دون ثقة متبادلة»، مؤكدا أن «مشاركة مكونات الحرية والتغيير في التظاهرات بينما تتفاوض مع العسكر دليل على أنها لا تثق في قادة الانقلاب الذين وضعت يدها في يدهم مرة أخرى».
وفي وقت تواصلت حملات الاعتقال وقمع القوات النظامية للتظاهرات التي وصلت إلى محيط شارع القصر القريب من القصر الرئاسي وسط الخرطوم، نددت لجنة أطباء السودان المركزية باستمرار القمع للاحتجاجات، واستخدام العسكر العنف المفرط في مواجهة المتظاهرين السلميين، معتبرة التظاهرات الحاشدة التي عمت أنحاء البلاد تأكيدا على أن «مصير الانقلاب العسكري الزوال، وأن إرادة الشعب ستنتصر».
وأشارت إلى أن 19 ديسمبر/ كانون الأول، يحمل دلالات عديدة للسودانيين، حيث شهد إعلان استقلال السودان داخل البرلمان قبل سبعة وستين عاماً، كما اندلعت فيه شرارة الثورة السودانية قبل 4 أعوام، بعد إحراق المحتجين في مدينة عطبرة دار حزب المؤتمر الوطني، معلنين نهاية ثلاثة عقود من الحكم الاستبدادي الشمولي.
وقالت في بيان إن «الثورة السودانية أكدت خلال أربعة أعوام على صلابتها وعلى التزام السودانيين وتمسكهم بغاياتها ووفائهم لدماء الضحايا، وأنها قدمت نموذجا اسطوريا من خلال تراكمها وأحداثها اليومية»، مضيفة أن «الحرية والسلام والعدالة ستظل البوصلة الأخلاقية والوطنية التي تدور حولها جميع مواقف ومطالب السودانيين، الذين لن يلين عزمهم حتى النصر على الرغم من فداحة التضحيات».