الذين جعلوا «رمضان» شهرا للتطبيع

على مدى عقود، كان للشعوب الإسلامية والعربية في شهر رمضان طقسٌ تاريخي، تستحضر فيه انتصاراتها في هذا الشهر الفضيل، كمعارك: بدر، وعين جالوت، وكذلك العاشر من رمضان (6 أكتوبر 1973)، الذي كانت ذكراه تجدد الشعور بالمفاصلة مع مغتصبي الأرض، ذلك اليوم الذي ظل محفورا في ذاكرة الأمة، رغم تبديد قيمته ومكاسبه على طاولة السياسيين.
الزمان يماثل الزمان، لكن المفاهيم تغيرت، وذاكرة الأمة تلوثت بالعفن، الذي يرِد عليها بكرة وعشيا، يريد أن ينسيها الماضي والحاضر معًا، ويأخذ بتلابيبها إلى حيث آفاق التعايش السلمي مع الأعداء، مغتصبي الأرض على مبدأ الأمر الواقع والتعايش الإنساني، وَطَيّ صفحة الصراع مع الصهاينة، فلنبدأ من جديد ويذهب التاريخ بل الجغرافيا إلى الجحيم.
أضحى الشهر الفضيل فرصة سانحة لبث سموم التطبيع، وتمرير مخرجات السياسات العربية الرامية إلى إمضاء صفقة القرن وإنهاء القضية الفلسطينية، والتوطئة لذلك عبر تخدير وتنويم مشاعر الجماهير حيالها، فالصراع العربي الإسرائيلي انتهى، ولا يوجد إلا خيال المتطرفين.
«يا زين حظ الصهاينة بالدراما العربية» هكذا تهكّم البعض على ما تعرضه قناة mbc السعودية، التي تبث من دبي، من مسلسلات في رمضان تروّج للتطبيع مع العدو الصهيوني، ولا تحمل العبارة بالفعل أي نوع من المبالغة، خاصة إذا علمنا أن القناة الـ12 العبرية، احتفت بهذه المسلسلات، حيث ذكرت أن «مسلسل «مخرج 7» الذي يعرض على شاشة «إم بي سي» وهو من بطولة ناصر القصبي، يأتي تشجيعا للتطبيع، وتمهيدًا للعلاقات مع السعودية، ويهدف إلى إظهار جوانب إيجابية لدى إسرائيل»، ويحتوي المسلسل على دعوة واضحة للتطبيع مع الإسرائيليين، وعدم وضعهم في خانة الأعداء، على حساب الأشقاء الفلسطينيين، وفي أحد المشاهد، يظهر الممثل راشد الشمراني، وهو يعرب عن نواياه في التعاون التجاري مع إسرائيليين، فيرد عليه الممثل ناصر القصبي قائلًا: «العدو الحقيقي هو اللي يسبّك وينكر تضحياتك ووقفتك معه، ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين». ويضيف «دخلنا في حروب علشان فلسطين، قطعنا النفط علشان فلسطين، ويوم صارت سلطة ندفع رواتب نحن أحق بها، وهم ما يصدقون فرصة هالكبر يهاجمون السعودية»، وقال صراحة: «ما ضيع العرب إلا القضية الفلسطينية». وكما يلاحظ القارئ، محاولة واضحة لانتزاع القضية الفلسطينية من صدر المشاهد السعودي خاصة، والعربي بصفة عامة.
مسلسل «أم هارون» كذلك تعرضه القناة نفسها، ويدور حول معاناة امرأة يهودية على أرض الكويت والتحديات التي واجهت أسرتها وجاليتها اليهودية، في دول الخليج، وتعرضها للمعاملة العنصرية، بسبب ديانتها اليهودية، الأمر الذي يثير تساؤلات عدة حول دواعي الحديث عن الوجود اليهودي في الخليج، والحديث عن معاناة الأقليات اليهودية في بلادنا، في الوقت الذي لا تتناول الدراما الإسرائيلية شيئا عن معاناة الفلسطينيين الذين احتلت أرضهم. المسلسل من قبل عرضه قُوبل بحفاوة إسرائيلية، حتى أن صفحة إسرائيل بالعربية على تويتر، أرادت أن تقنع المشاهدين باستقبال المسلسل، بدون تشنج، معضدة ذلك بمقال نشرته مدونة مصرية على موقع قناة «الحرة» تلوم فيه من يتهمون المسلسل بالتطبيع. حاولت بطلة المسلسل الفنانة الكويتية حياة الفهد، درء فكرة احتواء المسلسل لدعوات التطبيع، وبدت متسامحة للغاية في الحديث عن تاريخ الأقليات اليهودية، في الوقت الذي طالبت بترحيل الوافدين إلى الكويت، المصابين بفيروس كورونا إلى بلادهم. لقد صار أمر التطبيع ملاحظا بقوة في الدراما العربية بشهر رمضان، حتى أن وسائل الإعلام الغربية تطرقت لذلك، فقد نشرت «الغارديان» البريطانية تقريرا حول الدراما الرمضانية، كمؤشر لتحول في العلاقات العربية الإسرائيلية، واعتبرت أنها تعبر عن التطبيع.

أضحى الشهر الفضيل فرصة سانحة لبث سموم التطبيع، وتمرير مخرجات السياسات العربية الرامية إلى إمضاء صفقة القرن

ومن الدراما إلى عالم الصحافة، ولا تزال الدعوة للتطبيع مستمرة، فقد نشرت صحيفة «الجزيرة» السعودية على موقعها مقالا بعنوان «نساء في ذاكرة التاريخ.. غولدا مائير»، يتناول شخصية غولدا مائير، التي شغلت منصب رئيس الوزراء في الحكومة الإسرائيلية بين عامي 1969- 1974، وصفتها كاتبة المقال بأنها «استثنائية»، رغم وقوعها بين كراهية العرب وتقديس الإسرائيليين، وبدت الكاتبة في البداية تحاول إقناع القارئ بأنها لم تضع في تناولها الخير والشر كمعيار انتقاء، لكنها خلّفت وراءها ولا شك العديد من التساؤلات:
هل عقمت الأمة عن إنجاب نساء حُزن قسطا وافرًا من العظمة في جوانب شخصياتهن جديرات بتناول سيرتهن؟ ولماذا كل هذا القدر من الشحن العاطفي تجاه هذه الشخصية الصهيونية، بالتركيز على معاناتها في أوكرانيا؟ فالملاحظ في المقال أنها جعلت من تلك المعاناة، وفقدان العدالة، وقلة حظها من الجمال، مبررا للانضمام للحركة الصهيونية، بحثا عن القوة، ثم تعقب الكاتبة على ذلك بقولها: «وقد أجادت هذا الاختيار بلا شك، فالصهيونية جعلت منها أشهر امرأة يهودية في تاريخ إسرائيل الحديث». لكن المقال الذي يبرز جوانب القوة والتأثير في غولدا مائير، لم يتطرق لجرائمها ووحشيتها تجاه الفلسطينيين، فهي التي سجل لها التاريخ قولها: «كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلا فلسطينيا واحدا على قيد الحياة»، ووقفت على شاطئ خليج العقبة تعرب عن أطماعها الاستعمارية تجاه المدينة المنورة قائلة: «إني أشم رائحة أجدادي في خيبر». هذه المرأة التي يسميها الغرب «أم إسرائيل الحديثة»، وتعد أخطر رموز الكيان الإسرائيلي، جمعت 500 مليون دولار لتسليح العصابات الصهيونية، التي ارتكبت المذابح البشعة على أرض فلسطين، وكانت نواة الجيش الإسرائيلي في حرب النكبة. وفي حقبة رئاستها للحكومة الصهيونية، ارتُكبت جريمة حريق الأقصى الشهيرة عام 1969، وقالت عن هذه الحادثة: «لم أنم ليلتها، وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجا أفواجا، من كل حدب وصوب، لكنني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة».
هذا الترويج السعودي للتطبيع عن طريق الدراما ووسائل الإعلام، لا يتم بمعزل عن التوجهات الرسمية الحالية، الآخذة في الصعود بمنحنى التطبيع أسوة بالإمارات، وها هو نتنياهو يصرح في غير مناسبة، أن ما يحدث مع الدول العربية اليوم لم يحدث أبدا في تاريخ الإسرائيليين، حتى عند توقيع اتفاقيات السلام، بل صرح بأن التعاون بطرق مختلفة، وعلى مستويات مختلفة أصبح واضحا وطافيا على السطح، وأن ما يجري في السر، هو أكبر مما حدث في أي فترة. ومنذ أربع سنوات، قال غريغوري غوز، الذي يعد أحد أبرز خبراء العالم في الشأن السعودي والخليجي لموقع «تايمز أوف إسرائيل» إن إشادة نتنياهو بهذه العلاقات مع الدول العربية، أصبحت نقطة حديث اعتيادية في خطاباته، وأن العرب يدركون أن إسرائيل لم تعد عدوهم.
لا تحتاج أمارات التطبيع إلى نظرة متفحصة، على الرغم من أن الحكومات لا تضفي عليها الطابع الرسمي، ليس تفاديا للغضب العام، حيث أن الأنظمة المستبدة لا تأبه لسخط الشعوب، لكن ربما يكون تجنبا، لأن تستغل إيران هذه العلنية في تعزيز طرح نفسها كحامي حمى القضية الفلسطينية، وحتى لا تقع هذه الحكومات العربية في مرمى عمليات جماعات العنف المسلح. نعول دائما على موقف الشعوب الرافضة للتطبيع رغم الهوة السحيقة بينها وبين حكامها تجاه القضية الفلسطينية، فهم يريدون أن يأتي ذلك اليوم الذي لا تطالبهم فيه شعوبهم بأي التزامات تجاه فلسطين بالكلية، ولن يكون ذلك إلا إذا تنكرت الشعوب لتلك القضية المركزية، ولن يكون، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Omar:

    جاء في المقال (وقالت عن هذه الحادثة: «لم أنم ليلتها، وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجا أفواجا، من كل حدب وصوب، لكنني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة».).. هذا دليل على ان كثير من روساء الحكومات يكونوا خارج نطاق المعرفه الجاسوسيه والتغطيه الاستخباراتيه .. ففي مسرحية اكتوبر 73 لكيسنجر كان الموساد على علم بتفاصيلها الا انهم تركوا غولدا مائير نائمه لا تعلم عن مسرحيه كيسنجر السادات الاسد شيئا ..

  2. يقول Omar:

    بعيدا عن الاستبداد والاحتلال والسياسه والمخابرات .. بما يتعلق بالمبادئ اقول ان الاسلام يدعوا (للتطبيع) بين الملل السماويه فملة سيدنا محمد تجيز الزواج من ملة سيدنا موسى او ملة سيدنا عيسى .. اما اليهود والنصارى فهم يتلاقوا مثل غيرهم في ملة واحده في التطرف العنصري او المذهبي الذي يرافقه دوما وابدا التحريف والتخريف والتدليس .. والمشكله ان العوام يقعوا دوما اسرى اتيكيتات ولوائح تصنيف غيرهم لهم

    1. يقول د.سامي المصري - المانيا:

      السيد Omar
      اتحفتنا بمعلومات لا علاقة لها بالتاريخ او الدين او المنطق
      لا ادري من اين تاتي بتفسيراتك الفلسفية لكنها كلها غلط
      الاسلام احل الزواج من المسيحيين واليهود لانهم اهل كتاب ونحن نعترف بكل الديانات السماويه كما انهم لم يحرموا الزواج من ملل اخرى والموضوع لاعلاقة له بالتطبيع او العنصرية!!!
      ثم ان الاقصى الشريف اولى القبلتين وثالث الحرمين شاء من شاء وابى من ابى
      ارحمنا وارحم نفسك من التفكير الله يرحم اهلك

  3. يقول على عبدالرحمن الزين الفضل:

    الله عز وجل فى القران الكريم
    اعلمنا بنهايه
    ثم المصطفى صلى الله عليه وسلم
    هذه التمكينه الثانيه لهم فقد خسر من وآلآهم
    مسأله وقت ليس إلا ونسؤ وجوههم

    1. يقول Omar:

      اسرائيل هو احد اجداد ابراهيم عليه السلام وليس كما حرف الاحبار هويته وادعوا بانه يعقوب .. الله عز وجل يقول (ومن ذرية ابراهيم واسرائيل) وليس العكس (ومن ذرية اسرائيل وابراهيم)

  4. يقول على عبدالرحمن الزين الفضل:

    القدس لنا
    فهى اولى القبلتين
    واليهود جمعوا من الشتات واعطتهم بريطانيا ما لا تملك
    والحق عائد لاصحابه وان طال الزمن
    واهل غزه المرابطون فى الارض فى النهايه منتصرين
    ومعهم المؤمنين داخلين الاقصى وفلسطين داخلين وهذا شئ لا جدال فيه

    1. يقول Omar:

      قدسية يبوس خرافة لا اصل لها .. وقبلة سيدنا محمد الاولى كانت نحو السماء لا نحو اي جهة في الارض

  5. يقول سلام عادل(المانيا):

    الاخ Omar
    هو زواج باتجاه واحد فعن اي تطبيع بين الملل تقصد فاذن اين هي العنصرية هل عند الذي يعطي ولا ياخذ ام عند الذي ياخذ ولا يعطي

  6. يقول تيسير خرما:

    حل مسالة يهود سلماً بإتاحة مدن عربية وإسلامية وشرق أوروبية وروسية لملايين يهودها عودة لها من فلسطين وضمان أمنهم وعرضهم ومالهم وإعادة عقاراتهم ووكالاتهم وورشهم من أحفاد متنفذين وأزلام استعمار سلبوها بحينه فبقرآن وحديث وإنجيل وآثار ثابت أصل وعرق اليهود كل مدن الشرق الأوسط ولو عاد نصفهم لمدن أصلية لانتهت الصهيونية ولن يجد الغرب شعب يهود يدعمه بفلسطين بل سندعم طلب يهود تعويض عن اضطهاد أوروبا لهم وقد عاد يهود للمغرب مع عرب من أندلس بلا مشاكل بل استقبلنا بعد مذابح تركيا وروسيا أرمن وأكراد وشركس وشيشان

  7. يقول محمد علي عبد المجيد:

    ‏‎عشان الخلاف السياسي بين فلسطين وقادة السعودية، يريدون تصوير اليهود بصورة صاحب الحق والفلسطيني هو الظالم ، يريدون أن يجتمع العالم العربي كله ضد فلسطين على هذا الأساس
    وصل بهم الحال إلى درجة انهم اصبحوا يتغنون في اسرائيل ويدعون الصهاينة لتدمير الشعب الفلسطيني بالعلن!!!

  8. يقول ويكليكس العرب 0:

    لكي لا يخلط شعبان برمضان اليست اليهودية دين؟ ومتى كان الدين قومية؟الصهاينة انفسهم لا يعترفون بذلك والا ما معنى ان الغربي لا يعيش مع الاثيوبي؟ والروسي مع اليمني؟بنو إسرائيل كانوا قوما مع موسى وسليمان الى سبي بابل شتتهم الى الابد واحياء مدنهم تشهد االى اليوم والسلام على من اتبع الهدى وليس الضلال والعمى

  9. يقول ابن الاردن:

    مؤلم جدا التعميم ومؤلم جدا التراشق بين أفراد الشعوب ، ذلك لا يحل مشكلة وينهي قضية ، المشكلة ان ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة ،،،. واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ،،،،
    المشكلة ان اسرائيل هي تجمع عسكري واقتصادي وسياسي ،، لاوروبا وروسيا وأمريكا ،، هذا الوضع الشائك الذي يتحاشى الكثير من التطرق اليه وإنما يتشبثون بالثانويات ،
    دلونا على اَي بلد عربي من المحيط الى الخليج لديه قدرة عسكرية لحماية حدوده الإقليمية من اَي عدوان اسرائيلي !!!!!! وللأسف الشديد كافة الحدود عسكريًا لا تستطيع صد أي اختراق اسرائيل كما ذكرت هي تجمع عسكري للاتحاد السوفييتي سابقا وحاليا روسيا وكافة الدول الأوروبية وأمريكا ،
    ابن العرب من ذلك. الاتفاقيات والمعاهدات والتطبيع. في ظل تملك قوة عسكرية تصبح من الماضي ،، الذي يكتب التاريخ هي القوة بمفهومها العام وليس غير القوة ،، هنا مربط الفرس

  10. يقول سهيل:

    لن تحل مشكلة فلسطين الّا بعودة الاسلام الي دواليب الحكم وليس أنظمة ليبرالية وعلمانية وملكية وعسكرية ….
    مشكلة فلسطين لا تتعلق بالارض بل عقيدة واليهود في المواجهة ولن يهزم المسلمون اليهود حتي يعود المسلمون الي كتابهم وسنة نبيهم ….

    اما والذين يخرجون مسلسات وأفلام فالذين من قبلهم ” المنافقون” بنوا مسجدا ضرارا وكفرا وإرصادا لليهود …..

    كما ينبغي ان نعلم التطبيع وان مورس من بعض الاعلاميين او السياسيين فلن نعمم ذلك علي شعوب المنطقة

    ستنتهي السنون وستبصر العيون و يمتاز الناس بين فسطاطين حينها يجد الجد و الويل لمن كان مع صهيون …

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية