لندن ـ «القدس العربي»: نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريرا أعده ألكسندر وورد قال فيه إن كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي والمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة تواجه معضلة الموقف من إسرائيل وما هو المدى الذي يجب أن تبتعد فيه عن سياسة بايدن من غزة.
وقال إن هاريس خرجت الشهر الماضي من اجتماع متوتر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطالبة بوقف الحرب في غزة قائلة «لن أصمت» حيال الظروف الإنسانية المتدهورة للفلسطينيين.
وكشف الموقف القوي لـ«هاريس» تجاه إسرائيل عن فجوات دقيقة بينها وبين الرئيس بايدن في سياسة الشرق الأوسط، حيث باتت تتسع تلك الفجوات مع تكثف حملتها الانتخابية. ورغم اتفاق كل من بايدن وهاريس على الدفاع عن إسرائيل، إلا أن نائبة الرئيس أبدت موقفا أكثر وضوحا وصراحة وأكدت على الحاجة لسماح حكومة نتنياهو بتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة والتوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار هناك.
بين دعم إسرائيل ووقف نارها
وكان الموقف الواضح والمختلف من حرب غزة مساعدا لـ«هاريس» كي تنال دعم المعسكر التقدمي في الحزب الديمقراطي وبقية الناخبين الغاضبين من دعم البيت الأبيض لإسرائيل، مع أن هذا الموقف يحمل الكثير من المخاطر لها، حسب الصحيفة.
فلو اصطفت بشكل واضح مع نقاد إسرائيل فإنها قد تُبعد عنها بقية الناخبين وتمنح حملة دونالد ترامب منفذا للهجوم عليها. ونقلت الصحيفة عن المفاوض الأمريكي السابق والزميل في معهد كارنيغي للسلام العالمي آرون ديفيد ميلر: « هناك كامالا في الداخل، وهي من جيل مختلف عن بايدن، حيث أن تعاطفها وحساسيتها أعمق من تعاطف الرئيس عندما يتعلق الأمر بالمعاناة الفلسطينية». مضيفا «ثم هناك كامالا الخارج، المعتدلة والمؤيدة الديمقراطية لإسرائيل والتي تحتاج عندما يتعلق الأمر بإسرائيل لأن تتبع القواعد».
وتشير الصحيفة إلى أن هاريس كانت أقل تأثيرا على سياسة الإدارة تجاه غزة، مع أنها انضمت إلى أكثر من 20 مكالمة بين بايدن ونتنياهو، وحضرت لقاءات في «سيتويشين روم» بالبيت الأبيض لمناقشة الحرب، لكن الرئيس ووزير خارجيته أنتوني بلينكن ومدير المخابرات ويليام بيرنز هم من كانوا يديرون المفاوضات اليومية بشأن وقف إطلاق النار. إلا أن فشل الإدارة بالتوصل إلى صفقة وتوسع الحرب في معظم الشرق الأوسط، يعني أن هاريس ستتحمل مسؤولية الفشل، مما يُعقّد محاولتها للوصول إلى البيت الأبيض.
وكان التحدي هذا واضحا أثناء تجمع انتخابي في ديترويت بولاية ميتشغان. وقال الناشطون المؤيدون لفلسطين ومن حركة «غير ملتزم» الذين لا يشجعون التصويت للديمقراطيين إلا في حالة غيرت الإدارة سياستها من الحرب في غزة، إنهم واجهوا هاريس وتيم والتز، المرشح على بطاقة نائب الرئيس وإن بشكل قصير.
وقال عباس علوي، أحد مؤسسي الحركة إنه سألها إن كانت ستوافق على لقاء قادة الحركة والتباحث في موضوع حظر السلاح لإسرائيل. وقال علوي إن هاريس عبّرت «عن انفتاح» لحصول اللقاء لكنها لم تعط التزاما. وقال «أحسست بمستوى من الإنفتاح والتعاطف في تفاعلي معها» لكن متحدثا باسم حملتها أكد أنها لم تقدم أي التزام للتباحث بموضوع حظر السلاح لإسرائيل.
وقالت المتحدثة باسمها: «في هذه المواجهة القصيرة، أكدت أن حملتها ستواصل التواصل مع العرب والمسلمين والفلسطينيين بشأن الحرب في غزة. لقد كانت نائبة الرئيس واضحة بأنها ستعمل دائما على ضمان قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها ضد إيران والجماعات المدعومة من إيران».
وأضاف فيل غوردون، مستشار الأمن القومي لـ«هاريس» يوم الخميس بأنها «لا تدعم حظر السلاح لإسرائيل وستواصل العمل على حماية المدنيين في غزة والإلتزام بالقانون الدولي الإنساني».
بعد اجتماع متوتر مع نتنياهو
وأثناء خطابها في ديترويت، قاطع المتظاهرون الذين كانوا يهتفون حول «الإبادة الجماعية» خطابها، فانتقدتهم نائبة الرئيس وقالت وسط هتافات من الحشد: «إذا كنتم تريدون فوز دونالد ترامب، فقولوا ذلك. وإلا، فأنا أتحدث».
ويقول مسؤولون في الإدارة إن بايدن وهاريس يُنسقان بشكل وثيق بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل. وأضافوا أنها تفضل التحدث بصراحة مع الرئيس خلف الأبواب المغلقة. كما كلّف بايدن هاريس بوضع خطط «اليوم التالي» لقطاع غزة، ما دفعها إلى السفر إلى دبي في كانون الأول/ديسمبر الماضي للقاء مسؤولين عرب بشأن المضي قدما.
ورغم تجنب هاريس مناقضة مواقف الرئيس إلا أنها دفعت الموقف الأمريكي أبعد من الموقف العام وطالبت بالحد من الضحايا المدنيين ومعالجة الأزمة الإنسانية. وكنائبة للرئيس لم تتح لها الفرصة كي تحدد سياستها الخارجية.
ويقول بعض المراقبين إنها قد تتحالف في نهاية المطاف بشكل أوثق مع العناصر التقدمية في الحزب الديمقراطي، وقد تكون أكثر ميلا إلى جعل الدعم الأمريكي لإسرائيل مشروطا بشكل أكبر بسلوكها في غزة والضفة الغربية. وعلق دان ليبرمان نائب مستشار الأمن القومي لـ«هاريس» بأن هذه التأكيدات هي مجرد «تكهنات» مؤكدا أن هاريس «ملتزمة بشكل لا شك فيه ومنذ وقت طويل بأمن إسرائيل ولن تتركها أبدا وحيدة» لكنه استدرك أن هاريس تعتقد بضرورة عمل المزيد لحماية المدنيين الفلسطينيين وتوفير المساعدات الإنسانية لهم.
وفي كلمة ألقتها في مدينة سيلما بولاية ألاباما في آذار/مارس الماضي، انتقدت هاريس الظروف غير الإنسانية في القطاع، وحثت إسرائيل على بذل المزيد من الجهود لتسريع تقديم المساعدات إلى غزة، قائلة إن الفلسطينيين يأكلون الأعلاف وأوراق الأشجار من أجل البقاء على قيد الحياة. ويقول مسؤولون في الإدارة إن استمرار الحرب في غزة والإضطرابات في الشرق الأوسط قد لا تترك لـ«هاريس» أي خيار بل ستدفعها إلى الخوض في حقل الألغام السياسي قبل موعد الإنتخابات الرئاسية.
وأشارت مجلة «بوليتيكو» إلى أن هاريس لن تستطيع الهروب من المتظاهرين المطالبين بوقف إطلاق النار في غزة، وهي التي لاحقتها وبايدن لشهور. ورأت أن التظاهرة الصغيرة التي واجهت هاريس في ديربورن في ميتشغان يوم الخميس تكشف أن نقاد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لم يقتنعوا إلا جزئيا بتغير البطاقة الديمقراطية للرئاسة.
ونقلت المجلة عن وائل الزيات مدير منظمة المناصرة الإسلامية «إيمغيج» «من الواضح لنا، ومن خلال تصريحاتها وما تسرب من حوارات مع الناس خلف الأضواء بأنها تشعر بطريقة مختلفة» و «لكن هذه مشاعر، وما يحتاج إليه هو توضيح رؤية للسياسة التي تختلف عن تلك التي رأيناها حتى الآن».
ورأت المجلة أن استمرار الحركة المؤيدة لفلسطين تعني أن لديها القدرة على إحداث ضرر وبخاصة في الولايات المتأرجحة مثل ميتشغان حيث تعيش أقلية عربية ومسلمة قوية في مدن مثل ديربورن.
بايدن وشحنات الأسلحة لإسرائيل
ولم تقتنع الحركة المؤيدة لفلسطين بخطوات بايدن الذي عبّر عن دعم قوي لإسرائيل بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولكنه عمل على وقف إطلاق النار، فالمؤيدون لفلسطين يطلبون منه على الأقل الحد من شحنات الأسلحة إلى إسرائيل. وكشفت هاريس عن موقف منفتح تجاه مظاهر قلق المجتمعات، لكنها رفضت حتى الآن الإستجابة لمطالبها.
وعندما جاء دور المؤسسة المشاركة لحركة «غير ملتزم» ليلى العابد والتقاط صورة مع هاريس والمرشح لمنصب نائبها تيم والتز، أخبرت العابد أن جماعتها تريد حظر السلاح لإسرائيل. ولكن العابد، التي دعتها حملة هاريس للمشاركة في مناسبة التصوير، قالت إنها فلسطينية أثناء مصافحتها المرشحين الجدد وانفجرت بالبكاء ووصفت مدى الدمار الذي يسببه الصراع بالنسبة لها شخصيا.
ووصفت العابد هاريس بأنها «متعاطفة» وغادرت المناسبة بانطباع أن نائبة الرئيس وافقت على الجلوس مع مجموعتها لمناقشة حظر الأسلحة. وقالت العابد: «كنت أفكر بالناس في مجتمعي والذين تحدثت إليهم في اليوم السابق. وقد خسر اثنان من أبناء مجتمعي 100 فرد من عائلتيهما ولهذا أخبرت نائبة الرئيس هاريس عنهما».
وأضافت العابد وهي شقيقة نائبة ميتشغان رشيدة طليب «قلت (لهاريس) إن ناخبي ميتشغان يريدون دعمك، ولكنهم يريدون تغيرا في السياسة التي تنقذ أرواحا».
وتكشف الحادثة عن موقف هاريس وكيفية التعامل مع موضوع حساس أحدث انقساما داخل الحزب الديمقراطي وخاصة في صفوف الشبان والتقدميين وفي الولايات المتأرجحة تحديدا.
ولم يتصل أحد بالجماعة من حملة هاريس لعقد اجتماع بشأن حظر الأسلحة، وسارع البيت الأبيض للتأكيد أن هاريس تدعم إسرائيل والأسلحة لها لكي تدافع عن نفسها وهي في نفس الوقت تدعم وقف إطلاق النار.
وترى المجلة أن موقفها ترك الحركة التي ظهرت كرد فعل على الحرب الإسرائيلية في غزة على مفترق طرق. وعلى أفرادها التفكير إما بمواصلة الموقف المتحدي الذي مارسوه مع بايدن أو العمل من خلف الإضواء لإقناع نائبته. وقال الديمقراطي وليد شهيد «نحن ندرك أنها في موقف صعب كنائبة للرئيس الذي يتحكم في السياسة الخارجية.
لكن ما هي خطتها في عدد من المجالات، من السياسة الخارجية إلى الهجرة إلى السياسة الاقتصادية؟ وكيف تختلف هذه الخطة عن خطة الرئيس بايدن؟».
وقال متحدث باسم حملتها إن نائبة الرئيس منحت أولوية للتواصل مع المجتمعات العربية والفلسطينية وأكدت في تفاعلها القصير يوم الأربعاء مع مجموعة «غير ملتزم «أنها ستحاول التواصل معهم دائما. وفي الوقت الذي لا يعرف ما إذا كانت الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ستتواصل حتى تشرين الثاني/نوفمبر إلا أن عشرات الألاف منهم يخططون للتظاهر خارج مؤتمر الديمقراطيين الذي سيعقد في شيكاغو نهاية الشهر الحالي، وفيه ستلقي هاريس خطاب قبولها ترشيح الحزب. وفي تلك الفترة سيعود طلاب الجامعات إلى الحرم الجامعي ويحملون معهم التظاهرات التي انتشرت طوال الربيع في معظم الولايات المتحدة.