الرئيس تبون يدشن عهدته الثانية بالدعوة لحوار وطني وترحيب من الموالاة وتجاوب حذر للمعارضة

محمد سيدمو
حجم الخط
0

إذا كان طرح أحزاب الموالاة يتركز أساسا في مواجهة التحديات الوطنية والإقليمية، ترى المعارضة أن الحوار ضروري للإصلاح الداخلي أولا ومعالجة ما تصفها بالأزمات المتراكمة.

الجزائر ـ «القدس العربي»: مباشرة بعد تنصيبه رئيسا للجزائر لعهدة ثانية يوم الثلاثاء الماضي، أطلق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، دعوة لحوار وطني مفتوح، مع بعض الإشارات العامة التي لا تحدد مضمون هذه المبادرة. ولاقت دعوة الرئيس بعد طرحها، تجاوبا متفاوتا بين مرحب بها على الإطلاق، وبين متجاوب بحذر، في وقت اعتبرها البعض مناورة جديدة من السلطة، للقفز على موجة المقاطعة التي شهدتها لانتخابات الرئاسية.

جاءت دعوة تبون عامة، خلال خطاب مرتجل بعد أدائه اليمين الدستوري، حيث قال إنه «سيعمل خلال عهدته الثانية على إطلاق حوار وطني مع كل الطاقات الوطنية الحية» وذلك «تجسيداً للديمقراطية الحقة». وأبرز أنه «سيقوم باتصالات مكثفة واستشارات مع كل الطاقات الحية للوطن، السياسية منها والاقتصادية وكذلك الشبابية» مشيرا إلى أنه «سيتم مباشرة حوار وطني مفتوح لتخطيط المسيرة التي ستنتهجها البلاد في إطار الديمقراطية الحقة».
وخلال عهدته السابقة، تبنى الرئيس الجزائري، عدة أشكال للحوار مع الفاعلين في الساحة، بدون أن يجعل من مخرجات اللقاءات عقدها ملزمة له على صعيد السياسات التي تبناها. وكانت أولى اللقاءات التي عقدها تبون في بداية سنة 2020 حيث استقبل فيها شخصيات وطنية معروفة مثل مولود حمروش وعبد العزيز رحابي وغيرهما، في حين كان النصيب الأكبر من اللقاءات مع رؤساء الأحزاب السياسية من الموالاة والمعارضة، عدا بعض الأسماء التي اتخذت موقفا راديكاليا من الرئيس ولم تتم دعوتها، كونها كانت تشترط قبل اتخاذ إجراءات تهدئة قبل أي حوار مع السلطة.
واستمرت هذه اللقاءات التي تقول الرئاسة إنها تدخل في إطار التشاور، دون هدف معين خلال كامل العهدة السابقة. وفي سنة 2022 تحديدا، ظهرت فكرة مبادرة طُرحت على لسان الرئيس تبون بعنوان «لم الشمل» والتي فهم في البداية أنها تهدف لتصفية ملف سجناء الرأي، لكنها لم تطرح بشكل رسمي واضح المعالم. وتبين في الأخير، أنها شملت بعض معارضي الخارج الذين عادوا إلى البلاد، من دون تعرضهم لمساءلات قضائية، حيث بثّ التلفزيون الجزائري شهادات لعدد منهم اعتبروا فيها أن الطريق الذي كانوا يسيرون فيه خاطئا ومدفوعا من حيث لا يشعرون من جهات أجنبية معادية للبلاد.
وتغير شكل الحوار مرة أخرى، مع نهاية العهدة الماضية، من خلال دعوة الرئيس عبد المجيد تبون لرؤساء الأحزاب الممثلين في المجالس المنتخبة من أجل الاستماع لهم على طاولة مستديرة. واستغل بعض رؤساء الأحزاب الفرصة، ليصارحوا الرئيس بالكثير من الإشكالات التي تعترض العمل السياسي وما وصفوه بمناخ الحريات المتراجع، مطالبين بتحصين الجبهة الداخلية عبر إجراءات تصب في صالح تمكين الجزائريين من التعبير عن رأيهم ومواقفهم بكل حرية.
وتعد الدعوة الأخيرة للحوار في خطاب التنصيب، وفق بعض أحزاب الموالاة استمرارا لهذا المسار الذي كان فيه الرئيس منفتحا حسبهم على الجميع. وقال عبد بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني، في هذا السياق، إن الرئيس تبون تحدث عن حوار وطني غير إقصائي واصفا ذلك بالسنة الحميدة التي بدأها بالطاولة المشتركة مع الأحزاب السياسية قبل عدة أشهر.
ويرى بن قرينة أن الرئيس بناء على ما طرحه في خطابه، سُيعيد هيكلة الحياة السياسية انطلاقًا من القانون العضوي للأحزاب، وإشراك الجميع حتى الذين يختلفون معه. وأضاف أن الرئيس لم يتكلم فقط عن حوار جاف «بل حوار متبوع بتخطيط مشترك وهو الذي يمتلك التفويض الشعبي وهذا لأول مرة». وأشار إلى أن الرئيس قال إنه سيشرك الجميع ويُفهم من ذلك أنه حتى الذين كانوا ضده ويختلفون معه، وحتى الذين لم يدخلوا للانتخابات، على حدّ وصفه.
من جانبه، أكد أكبر أحزاب الموالاة جبهة التحرير الوطني، استعداده التام لدعم مبادرة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، المتعلقة بإطلاق حوار وطني شامل ومفتوح، وإجراء استشارات سياسية مع مختلف القوى والطاقات الحية في البلاد. وذكر أن هذه الخطوة تهدف إلى التخطيط لمسيرة الجزائر نحو تجسيد الديمقراطية الحقيقية، وليس مجرد ديمقراطية شعارات، لافتا إلى أن «المبادرة تعكس التزام رئيس الجمهورية بتكريس مبدأ الحوار والتشاور مع الطبقة السياسية، في إطار الديمقراطية التشاركية». كما أنها «تشكل فرصة سانحة لاستجماع كافة القوى الوطنية في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية، وذلك من أجل تعزيز المكاسب التي حققتها الجزائر، ودعم مكانتها في الساحة الدولية، بما يسهم في مواصلة مسيرة التنمية والتقدم».
وإذا كان طرح أحزاب الموالاة يتركز أساسا في مواجهة التحديات الوطنية والإقليمية التي تعيشها الجزائر مع رفض إطلاق وصف الأزمة على الوضع، تنظر المعارضة بشكل آخر إلى الموضوع، فهي ترى أن الحوار ضروري للإصلاح الداخلي أولا ومعالجة ما تصفها بالأزمات المتراكمة والتي يعسكها، وفق هذا التصور، حجم الامتناع عن التصويت في الرئاسيات الأخيرة. وفي هذا السياق، أبدى عثمان معزوز، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي قاطع الانتخابات، انفتاحه على الحوار، مؤكدا في تصريح له أن حزبه «أخذ علما بدعوة رئيس الدولة لفتح حوار وطني، في انتظار أن تتضح معالم هذه المبادرة».
وأشار معزوز إلى أن «رئيس الدولة دعا إلى فتح حوار وطني، وهو اقتراح لطالما دافع عنه حزب التجمع من خلال دعوتنا إلى حوار وطني شامل بدون إقصاء». لكن وفق رئيس التجمع «سيكون من البديهي أن القرارات العاجلة التي يجب اتخاذها هي إجراءات تهدئة، تشمل فتح المجالين السياسي والإعلامي، وإطلاق سراح معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين». ولفت إلى أن «هذا المطلب ظهر بشكل جلي في الرسالة التي بعث بها الجزائريون في انتخابات 7 سبتمبر».
أما حزب العمال، فتوقف عند مصطلح القوى الحية التي تحدث الرئيس عن التحاور معها، قائلا إن «هذا الحوار يجب أن يشمل كل الشعب الجزائري دون إقصاء أو إبعاد في نقاش وطني حر وديمقراطي، حتى يتمكن في نهاية النقاش من تحديد شكل ومضمون المؤسسات والأدوات التي يحتاج إليها لممارسة سيادته الكاملة». وأكد أن ذلك هو جوهر الديمقراطية الحقيقية. واعتبر الحزب الذي تقوده لويزة حنون إن «نجاح مثل هذا النقاش يتطلب رفع كل القيود على ممارسة حرية التعبير السياسي وحرية الصحافة، وبالتالي الانفتاح السياسي والإعلامي الفعلي وإنهاء كل تجريم لممارسة الحريات الديمقراطية».
ولا تبدو المعارضة جميعها على نفس الدرجة من التجاوب، حيث استبق البعض دعوة الرئيس بالتشكيك في جديتها. وقال فتحي غراس الحركة الديمقراطية الاجتماعية، بعد أن استعرض قرار غرفة الاتهام تثبيت إجراءات الرقابة القضائية ضده، متسائلا «هل هذا يعكس رغبة السلطة في الحوار أم أنه يؤكد استحالة ترسيخ ثقافة الحوار في مناخ سياسي لم نصل فيه إلى الديمقراطية الحقة كما ورد على لسان الرجل الأول في السلطة الحالية؟».
وفي تقدير المحلل السياسي نجيب بلحيمر، فإن الصيغة التي تحدث بها الرئيس تبون «لا توحي بوجود خطة جاهزة لإطلاق حوار وطني ومفتوح، ولا شيء يوحي بأن هذا الحوار سيكون استجابة لتداعيات العملية الانتخابية الأخيرة». ولفت إلى أن «الحديث عن تخطيط للمسيرة التي ستنتهجها البلاد فيما يخص الديمقراطية الحقة ليس له ما يبرره في ظل وجود دستور إلا إذا كان المقصود هو القول بأننا يجب أن نبحث عن طريقة لتطبيق الدستور!». وانتهى بلحيمر إلى أن «الامتحان الحقيقي لنوايا السلطة بخصوص الحوار هو وضع الحريات، فلا يمكن الحديث عن النية في إشراك الجزائريين في التخطيط لمستقبل بلادهم دون احترام الحريات باحترام الدستور كقاعدة أساسية، لكن الإشارة إلى ديمقراطية الشعارات ترغم الجميع على خفض سقف التوقعات، ووضع وعد الحوار ضمن وعود كبيرة أخرى لم يتحقق منها شيء».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية