عندما قام الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول بزيارة للشرق الأوسط قال: «إني أتوجه إلى الشرق المعقد بأفكار ساذجة» فالشرق المعقد ازداد تعقيدا منذ تلك الزيارة. وخاصة بعد انطلاقة الربيع العربي. فماذا يمكن للمرء أن يستنتج من فترة السنوات العشر الماضية التاريخية المريرة التي مر، ولايزال، بها العالم العربي بشكل عام، ودول «الربيع العربي بشكل خاص». فهذه فترة إستثنائية بكل المقاييس، لا بد وأن ننظر إليها مليا ونستخلص كل العناصر التي ساهمت في مجرياتها، وتحولاتها، وأسباب الانكفاء في بعض جوانبها، وماذا يمكن أن تتمخض عنه في المستوى المنظور والبعيد.
إنتفاضات شعوب… أم عمليات إرهابية؟
وصمت الأنظمة التي ثارت شعوبها ضدها أنها حركات إرهابية، وغالى البعض بإضافة أنها أذرع لمؤامرات دولية استغلت هذه المجموعات بتنفيذ مخططاتها.
في واقع الأمر أن الثورات اندلعت بفعل هذه الأنظمة ذاتها، وهي التي حرضت عليها دون توقع منها. فكيف لبائع خضار على عربة متنقلة أن يكون أداة لإشعال ثورة في بلد خضع لحكم حزب واحد لأكثر من نصف قرن (الحزب الدستوري، الذي سمي بحزب التجمع في عهد بن علي). بعد أن انتحر حرقا من حرقة في كبده بسبب استهانة موظفة أمن منعته من بيع بضاعة له.
هذا الأمر ينسحب على كل الأنظمة التي سرعان ما وصلت شرارة بائع الخضار المقهور محمد البوعزيزي إليها، لأن كل المقهورين الذين عانوا من الحرمان، والتعسف، والتهميش، والقمع، والتفقير، خلال عقود طويلة وجدوا أنفسهم وحالهم في حالة البوعزيزي نفسها فانتصروا له ولأنفسهم.
إذن فالثورات العربية بريئة من تهمة الإرهاب، لأنها كانت ولا تزال ثورات شعوب ضد أنظمتها، والإرهاب جاء أيضا بفعل هذه الأنظمة بشكل مباشر أو غير مباشر.
أسلمة الثورات
الثورات العربية التي انطلقت في البدء كانت ثورات عفوية غير منظمة: شباب غاضب يبحث عن تغيير، وعن حرية، وعن عيش كريم.
لم يكن لهذا الحراك الثوري الشعبي قيادة من حزب، أو جماعة، أو مجموعة كانت تنظم وتنظر لها بأيديولوجيه معينة، ولأنها افتقرت لقيادة منظمة لها أصاب الساحة فراغ، سرعان ما حاولت قوى منظمة ملأه. والحركات أو الأحزاب الإسلامية التي هي أكثر تنظيما (سريا أو علانية) والتي تعرضت للحظر من قبل الأنظمة ( في سوريا ومصر وتونس وليبيا بشكل خاص) احتلت الساحة سريعا، ونجحت في الوصول إلى السلطة ديمقراطيا في مصر، وتونس دون الدخول في صراع مسلح. بينما أخذت في سوريا، وليبيا، واليمن منحى الوصول إلى السلطة عبر العمل المسلح. فأخذت أشكالا مختلفة وتسميات عديدة مستمدة من التاريخ الإسلامي، أو من الشريعة، فقامت بمواجهة النظام من جهة، ودخلت في مواجهات فيما بينها لأسباب عقائدية، أو بسبب انتماءاتها لقوى خارجية وأنظمة متصارعة فيما بينها، من جهة أخرى، وباتت ساحات سوريا، وليبيا، واليمن ساحات تصفية حسابات وحروبا بالوكالة.
وبرزت حركات إرهابية انبثقت من رحم القاعدة كانت مجهولة الهوية استقطبت عناصر محلية وخارجية لا تهدف إلى إسقاط أنظمة بقدر ما كانت تهدف إلى احتلال مساحات جغرافية تقيم عليها أمارات إسلامية. وهذا ما وجه ضربة نجلاء لمفهوم الثورات، ومطالب الشعوب التي قامت بها، فأضرت بالثورات وبالشعوب. وجعلت الدول الغربية أن تحول نظرها عنها، خشية من انشاء إمارات إسلامية أو أنظمة إسلامية متطرفة تضيف تعقيدا آخر إلى تعقيدات الشرق الأوسط.
التدخل الخارجي
مما لا شك فيه أن القوى الدولية والإقليمية كان لها عين تراقب عن كثب مسارات الثورات العربية المختلفة وتبحث عن موطئ قدم فيها، منها أنظمة خشيت من امتدادها، أو من تهديد لأمنها فرأت ضرورة تدخلها عسكريا وخاصة في اليمن، أو في ليبيا، وسوريا. أو في المساعدات المالية، ودفع قيادات في الجيش لاستلام السطلة كما حصل في مصر لإسقاط حكم الإخوان المسلمين، وكذلك في السودان، والمحاولة الفاشلة في ليبيا.
أما القوى الدولية فكان تدخلها لمصالح استراتيجية كروسيا، وأمريكا، وإيران، وتركيا في سوريا، وكذلك الأمر في ليبيا. والقوى الدولية بحكم مصالحها التي لا تلتقي بالضرورة مع مصالح الشعوب الثائرة آثرت الزج بنفسها في أتون الحرب كروسيا في سوريا، وليبيا فارتكبت جرائم حرب، أو بالتواطؤ في هذه الجرائم عبر الصمت الرهيب إزاءها. كما حصل في استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري ضد المدنيين وصمت أدارة أوباما عنه، رغم وضعها خطوطا حمراء سرعان ما تخلت عنها.
إن ما نستخلصه من عشر سنوات خلت هو أن الأنظمة العربية هي منظومة متشابهة في سياساتها الداخلية إزاء شعوبها، وهي مستعدة لأن تعيد السيناريو السوري إذا شعرت بخطر السقوط، ولا تتواني عن التدخل في شؤون شعب آخر لحفظ مصالح لها أو درء خطر عنها، وغير مسموح لهذه الشعوب المقموعة أن ترفع رأسها، وأن هذه الأنظمة وإن ادعت السيادة فلا سيادة لها طالما أنها ومنذ الاستقلال لم تفلح في بناء نظام سياسي واقتصادي ودفاعي لترسيخ سيادة الدولة، فما هي سيادة الدولة في سوريا مثلا عندما تنتهك أجواؤها بشكل مستمر من قبل إسرائيل بقصف يطال منشآت لها ولإيران التي جاءت لتحمي النظام السوري من شعبه.
سياسة الثورات المضادة
واحتلال دول أجنبية مساحات واسعة من أراضيها..وإن حاولت بعض الدول أن تنتهج سياسة الثورات المضادة لوأد الربيع العربي، فهذا الربيع لم ينته فصولا بعد، فانتفاضة العراق ولبنان، والجزائر خير دليل على ذلك، وهذا يعني أن هناك إصرارا من الشعوب العربية في إرادتها للتغيير، فالوضع الراهن لايمكن أن يستمر، في ظل تدهور وضع أكثر من دولة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، كما يحصل في لبنان وسوريا مع انخفاض جنوني لعملاتهما، أو بدرجة أقل كما في العراق والجزائر.
والدول الغنية ليست بمعزل عن العدوى لأسباب تتعلق بقمع الحريات، وانتهاج سياسات لا تتوافق ورغبات شعوبها، فالمستقبل القريب ربما لا يظهر النتائج المباشرة للثورات العربية، لكن المستقبل المتوسط والبعيد سوف تتبلور رؤى سياسة جديدة، وحراك اجتماعي أكثر تنظيما بحيث يصعب على نظام ما الوقوف في وجهه.
كاتب سوري
شكرًا أخي رياض معسعس. أتفق معك تمامًا في هذا الطرح المبسط وكما يقال خير الملام ماقل ودل. لكن أختلف معك في المقدمة فكلام ديغول سلذج فالغرب كان أكثر تعقيدًا من السرق وحربان عالميتان ومئات الملاييين من الضحايا والجرائم التي يصب على الإنسان أن يتصورها سراء بالحروب أو بالإستعمار ضد الشعوب الأخرى وحتى أمريكا لها تاريخ دموي! ومانت السعوب الغربية تدفع القمن وكانت مع ذلك هي التي تدفع نحو التحرر وبناء مجتمع إنساني أفضل بينما السلطة تقف على النقيض لكن في النهاية السعوب هي التي تنتصر. ونتمنى ذلك لشعوبنا العربية. لكن الغرب لايستطيع فهم الشرق لسبب بسيط لأن تاربخ الشرق يمتد إلى عشرة ألاف سنة ومان خلالها الغرب دائما ينظر إلى الشرق كمناره للحضارة. بينما تاريخ الغرب حديث وهو في بعض الأحيان انتقامي من الشرق كما قال الجنرال الفرنسي المحتل عندما دخل دمشق ووقف أمام ضريح صلاح الدين هاقد عدنا غياصلاح الدين فأين أنت. كلمة أخيرة كنت ومنذ أن بدأت ثورات الربيع العربي أن نتجاوز أخطاء الغرب لكن للأسف لم يحدث!
… أتمنى أن نتجاوز أخطاء الغرب ….
وعذرًا للأخطاء الكتابية!