‘الربيع’ ومأزق المواطن العربي

حجم الخط
0

يبدو المواطن العربي اليوم في مأزق حضاري كبير وهو يرى ما آلت إليه ثورات ‘الربيع العربي’، وما يمكن أن نقرأ على صفحاتها عن شكل المستقبل القريب والبعيد، إن كان المستقبل يمكن قراءته بقراءة المعطيات الحالية. ويكبر مأزق المواطن العربي حينما يكون عليه أن يأخذ موقفا حاسما حول ما يحصل في سورية اليوم، فهو مطالب أن يخــــتار بين أمرين أحلاهما خراب ودمار ودماء لن تنتهي، عليه أن يختار الوقوف مع نظام الأسد ومعه سورية للأسف، أو الوقوف مع أمريكا. هذه هي المقاربة الحقيقية اليوم، دع عنك الحديث الذي يقول ان المعادلة هي بين النظام والمعارضة، متمثلة في الجيش الحر الذي كان يعني قبل عامين ‘الثوار’.
نحتاج اليوم الى أن نقرأ ما يحدث في سورية بشكل دقيق وغير قابل للعواطف، نعم نظام الأسد نظام ديكتاتوري وقمعي ولا يمكن أن نغير التاريخ لمجرد موقف أو عاطفة، لكن من هو البديل المنتظر لنظام الأسد، ومن هو وراء هذا البديل الذي ما زلنا ننتظره أكثر من عامين.
ما حصل في العراق قبل عشر سنوات يتكرر اليوم في سورية، فالديمقراطية التي دخلت العراق على ظهر الدبابة الأمريكية لم تفرز إلا ملايين القتلى، نتيجة حرب طائفية ومذهبية تدور رحاها منذ عشر سنوات ولا أمل في إخمادها، ولم يعد العراق اليوم يملك من أمر أرضه شيئا، وليس هناك داع لضرب أمثلة وبيت الشعر العربي يقول ‘ارحموا عزيز قوم ذل’.
سورية اليوم في طريقها لأن تغدو عراقا آخر بمباركة بعض الأنظمة العربية للأسف، وبدعم غير مسبوق ممن يسمون أنفسهم علماء الأمة الذين أفتوا بفرضية الجهاد في سورية في ختام مؤتمر ‘موقف علماء الأمة من القضية السورية’، ولم يخل بيانهم من ألفاظ طائفية كان حري بهم أن يترفعوا عنها، وفي هذا التوقيت بالذات، وان يقرؤوا الموقف بعيدا عن المرجعية المذهبية والطائفية، لكنهم كشفوا عن قضية بواجهة سياسية وعمق طائفي.. طائفي ليس لمصلحة الطائفة حتى، بقدر ما هو لمصلحة القوى الإمبريالية التي لن يهنأ لها بال حتى تتفتت هذه الأمة الهشة بالضرورة بحكم مجرى التاريخ ونتائجه. لم أستغرب أن يقول الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي أمس الأول، ان أمر سورية ‘دبر بليل’، وهو رجل سياسة من طراز ثقيل وقارئ للمشهد.
صحيح أن ما يحدث في سورية هو صراع سياسي إمبريالي كبير، أكبر من طاقة بعض الدويلات العربية والأنظمة المستحدثة، ولكنه عربيا فتنة كبرى، ويبدو ألا طاقة لنا في الدخول في صراعات سياسية، ولذلك نحولها طائفية ومذهبية، لأن الأمة العربية خبيرة في ذلك ولها تاريخها التليد، وهي فرصة أيضا لتصفية حسابات طويلة عالقة على مشاجب التاريخ وآن أوانها.
كيف سيكون المشهد في اليوم التالي، التالي لنظام الأسد أو النظام الذي يقاتل بالوكالة عن قوى الاستعمار الجديد؟ كيف يمكن أن يتعايش الملايين الذين مازالوا مع الأسد مع الملايين الذين مع المعارضة وكلاهما سوري. وإذا كان النظام الحالي ملطخ بالدماء عبر التاريخ، فكيف سيكون النظام الجديد إن بقي هناك نظام أصلا؟
وما هو شكل الدولة التي تريدها المعارضة: حزب النصرة، وإخوان سورية، والقاعدة، وفي حالة سقوط النظام، وهو متوقع، ما هو مصير العلويين. أسئلة جوهرية في صلب الصراع الدائر في سورية اليوم، وإن أردنا المجازفة بإجابة واحدة عن كل هذه الأسئلة الملحة، فإن المشهد يقول ان عراقا جديدا أكثر طائفية سيزرع في سورية، سيكون فكره أفغانيا، وأرضه مستباحة لكبريات القواعد الأمريكية، ومنه ستبدأ الحرب الجديدة على الرقم التالي في القائمة. هل ثمة مأزق عربي أكبر من هذا المأزق؟

‘ كاتب وصحفي عُماني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية