كثيرون عرفوا الكاتب عارف حجاوي إعلاميا في هيئة الإذاعة البريطانية، وقناة «الجزيرة» له كذلك عدد ضخم من الحلقات الإذاعية والتلفزيونية التي تهتم بالشعر والأدب، إضافة إلى حلقات تعليمية في مجال الإعلام، لكن قليلين من يعرفون أنه من أبرز دارسي اللغة العربية، له مؤلفات عديدة منها «قواعد اللغة العربية» «زبدة النحو» و»اللغة العالية». لمتابع عارف حجاوي أن يتساءل عن مدى تأثير المعارف التي اكتسبها على طريقته في الكتابة الأدبية؟
بعيدا عن التنظير قريبا من الأدب
من الصعب على القارئ أن يلقي حكما مسبقا على عمل أدبي لعارف حجاوي قبل أن يشرع في قراءته، فالكثير سيتجنبون ذلك خائفين من كاتب يعود بهم إلى دهاليز وقواعد اللغة، والكلمات غير المفهومة، التي تقتضي منهم أن يتجولوا حاملين معجما لغويا لشرح كل لفظ يعترضهم، لكن الأمر مختلف تماما مع مجموعته القصصية «الرخيصة والرخيص» الصادرة عن دار ميريت ـ القاهرة لسنة 2017 التي تتضمن تسعا وعشرين قصة قصيرة جاءت في 177 صفحة.
عرف رولان بارت النص على أنه نسيج لغوي له مظهران دال ومدلول، يتولد في حالة من اللاوعي لدى الكاتب، ويكتب في وعي، مكونا بذلك نصا مغناجا يجذب القارئ إليه، ويخلق لديه نوعا من التفاعل الحر مع عالم متخيل. وعلى عكس ما هو متوقع لم يكن الكاتب نخبويا، ولم يستعرض عضلاته اللغوية في مجموع نصوصه، بل اعتمد على أدوات بسيطة للكتابة، فكانت اللغة «منظومة من العلامات تعبر عن فكرة ما» فلم يبتعد بالمواضيع التي تناولها عن ما يعيشه الإنسان من معاناة يومية مع صعاب الحياة، وما يخالج النفس البشرية من مشاعر متناقضة بين الخير والشر. ففي مقدمة مجموعته أشار معلنا للقارئ أن «كل أبطاليَ أبناء الحياة الواقعية» فكلهم يحملون أسماء حقيقية ويعيشون في مدن وأماكن معلومة، ويكبرون ويشيخون وأحيانا يموتون، فسياق الزمان طويل يمكن أبطاله من العيش حياة بأكملها. فكان منهم المدير الانتهازي المتعجرف الذي يشتري ذمم الموظفين وأعراضهم بالمال مثل، عبد السلام في قصة «عبد السلام يمثل دورا» وكانت سوزي الفتاة المتعالية ذات الأنف الإغريقي الجميل، الباحثة عن شاب أشقر لا لشيء إلا للتباهي به أمام مجتمع ذكوري أسمر، والمومس التي تستغل كل معارفها من أجل قضاء مصالحها الشخصية، «واستكملت مساعيها لتوظيف ابنة اخيها في الوزارة، وصار وجهها أقبح وهي تبتز الوزير ابتزازا ناعما» تنوعت الشخصيات في أقصوصات عارف حجاوي، فغلبت النماذج النسائية الرجالية فاحتلت جزءا مهما من النصوص إن لم نقل أغلبها.
لم يقتصر الكاتب على المواضيع الساخرة فقط، بل ظهر الجانب المرح في استطراداته، عبر قطع سير أحداث القصة للحديث عن أمر شخصي، وإبداء رأيه في طريقة الكتابة الأدبية مثل «أيها القراء لا تضحكوا مني.. غير أنني لا أستطيع أن أكتمكم شيئين.. ربما ثلاثة».
أدب ساخر لكاتب جاد
طغى النفس الكوميدي على أغلب نصوص المجموعة وكان ذلك جليا منذ البداية فقد افتتح عارف حجاوي مجموعته بقصة تحمل عنوان «الثؤلول» حين لعبت سمحة دور الممرضة التي تسعى إلى إغراء الطبيب الشاب، عبر عرض ثؤلول بحجم حبة عنب استوطن بين فخذيها، أصبحت تلك الزائدة الجلدية الذريعة التي تتصيد بها الممرضة أطباءها، إلى أن قضى عليها يوما طبيب مستجد أعمل فيها مشرطه وأراحها نهائيا منه. لن يتمكن القارئ من حبس ابتسامته وهو يتابع مصير البطلة، بعد أن فقدت أداة إغرائها الوحيدة، والبديل الذي اختارته لتعويضه، سخرية من أن يربط الشخص مستقبله بزائدة جلدية.
لم يقتصر الكاتب على المواضيع الساخرة فقط، بل ظهر الجانب المرح في استطراداته، عبر قطع سير أحداث القصة للحديث عن أمر شخصي، وإبداء رأيه في طريقة الكتابة الأدبية مثل «أيها القراء لا تضحكوا مني.. غير أنني لا أستطيع أن أكتمكم شيئين.. ربما ثلاثة». أو أن يخرج عن سياق النص ليؤكد للقارئ أمرا مهما مثالا على ذلك ما جاء في هذا المقطع «بصراحة، أيها القارئ، ليس مهما ماذا قالت له. المهم أنها حركت بنصرها على ظاهر يده حركة خفيفة». لم يكن إدراج هذه المسحة من السخرية عبثيا لدى عارف حجاوي، فعلاوة على أسلوبه الشيق وبلاغته اللغوية ضمّن نصوصه دروسا عن الحياة والتجارب التي عاشها بشكل شخصي، فكان صوته جليا، وهنا لا نقصد فقط الصوت الذي تنطق به الشخصيات على لسانه بل صوته هو كشخص.
اللغة والصوت وجهان لعملة واحدة
«يستخدم المتكلم اللسان بغرض التعبير عن فكره الشخصي، وتكون باختيار ألفاظ ضرورية ومحددة لإنشاء جملة، فاللغة ورقة يكون الفكر وجهها الأول والصوت وجهها الآخر، ولا نستطيع فصل أحد الوجهين من دون الآخر». فمن المستحيل لمتابع عارف حجاوي المذيع والمقدم، من أن يقرأ النص دون أن ترن في رأسه لكنته الجميلة، بشكل لا إرادي، ومنذ أول سطر يُخيل لك أن صوت الكاتب يرافقك في قراءتك. يقول عارف حجاوي في أحد حواراته «كأنني أصبحت أكتب الكلمة السوداء على الورقة البيضاء مثل ما أنطق… أعتقد أن هذا يحقق تواصلا أفضل وقد مكنه عمله في الإذاعة والتلفزيون، من العثور على طريقة لكتابة حميمية تمس القارئ أكثر، وكأنه بصدد القراءة بأذنيه لا بعينيه. فكانت البرامج الإذاعية بمثابة تمارين يومية يقوم فيها حجاوي بإحماءات لغوية قصد جعلها أكثر فهما مرونة للمتلقي.
عبر تجربته أنار حجاوي زوايا معتمة في اللغة العربية فجعلها أجمل، وبسّط من قواعدها، وأزاح عنها غبار الأحكام السابقة، وقد جمع بعضا من تجربته المعرفية في كتاب «اللغة العالية» إضافة إلى مجموعة من البرامج التلفزيونية مثل «سيداتي سادتي» أو برنامج «أول الشعر».
كاتبة تونسية
اتابعه على قناة “العربي” اللندنية برنامج سيداتي سادتي ويتقن الانجليزية كذالك وكأنه انجليزي وجمع الحسنين المزاج الفلسطيني الحر وااتهكم الانجليزي الذكي الهادف.