الرعب والردع.. معادلة غيّرت مسار المقاومة من لبنان إلى فلسطين

حجم الخط
2

بيروت: يرى خبراء لبنانيون أن نجاح المقاومة الفلسطينية مؤخرا بفرض معادلة جديدة مع إسرائيل، أعاد إلى الذاكرة معادلة “الردع” التي فرضتها المقاومة اللبنانية وأفضت إلى تحرير أجزاء من جنوب لبنان قبل 21 عاما.

ويحتفل اللبنانيون في 25 مايو/أيار من كل عام بانسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000 بعد أكثر من عقدين على احتلاله، لكنها لا تزال تحتل مساحة صغيرة من الأراضي اللبنانية، هي مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وجزء من قرية الغجر.

ويقول الخبراء إن تزامن ذكرى تحرير الجنوب هذا العام مع انتصار غزة وصمود القدس يزيد من فرحة اللبنانيين بعيد “المقاومة والتحرير”، ويحثهم على التمسك بخيار المقاومة للدفاع عن أرضهم وتحرير ما بقي منها محتلا.

وكان لافتاً خلال الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الفلسطينيين، التفاعل والغضب في أوساط اللبنانيين، الذي تمثل بالتظاهرات اليومية عند الحدود مع إسرائيل، ومحاولات اجتياز الحدود من قبل متظاهرين أكثر من مرة.
وفجر الجمعة الماضي، بدأ سريان وقف إطلاق نار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، بعد 11 يوما من غارات إسرائيلية على قطاع غزة، وإطلاق الفصائل آلاف الصواريخ على مناطق ومدن إسرائيلية.

احتلال بيروت عام 1982

وتفاعل اللبنانيون مع انتصار غزة وصمود القدس، ورأى فيه الخبراء أنه انعكاس طبيعي من شعب عانى لنحو 3 عقود من الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي وصلت حد اجتياح العاصمة بيروت.
ونشأت الفصائل المقاوِمة اللبنانية المناهضة لإسرائيل منذ أوائل سبعينات القرن الماضي كرد فعل على الاعتداءات المتكررة على البلدات الحدودية (جنوبي لبنان) التي كانت تستضيف أيضا المقاومة الفلسطينية.

ومنذ أواخر الستينات كانت الفصائل التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية تنفذ عمليات ضد إسرائيل انطلاقا من الجنوب اللبناني.
إلا أنه في عام 1978 اجتاح جيش إسرائيل جنوب لبنان وتمكن من إبعاد المقاتلين الفلسطينيين نحو شمال نهر الليطاني والعاصمة بيروت، ثم أكمل عام 1982 اجتياحه نحو العاصمة بيروت واحتل قسما منها، ليبدأ بعد ذلك مسار طويل من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان.

وظلت المقاومة الفلسطينية متمركزة شمال نهر الليطاني والعاصمة بيروت وتنفذ عمليات ضد الجيش الإسرائيلي إلى جانب المقاومة اللبنانية حتى اجتياح بيروت، وبعدها غادرت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى تونس.

وعلى وقع ضربات تنظيمات المقاومة اللبنانية المسلحة (الوطنية واليسارية والإسلامية) تراجعت القوات الإسرائيلية إلى الجنوب اللبناني الذي بقي تحت احتلالها لسنوات، ثم انسحبت منه عام 2000 دون قيد أو شرط.

وكان مجلس الأمن الدولي أصدر في 19 مارس/آذار 1978 القرار 425 القاضي بالانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، واحترام سيادة لبنان وسلامة أراضيه، لكن إسرائيل لم تنفذ القرار.

توازن الردع والرعب

النائب في البرلمان اللبناني قاسم هاشم، ابن بلدة “شبعا” التي كانت محتلة، قال إن “ذكرى التحرير هذا العام تطل بحلة جديدة، كونها تتزامن مع انتفاضة الشعب الفلسطيني وانتصار مقاومته”.
وأضاف هاشم أن “انتصار لبنان على إسرائيل عام 2000 وانسحاب جيشها من الجنوب، غيّر مسار تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، وأرسى قواعد ومعادلات جديدة تقوم على توازن الردع والرعب مع العدو”.
ومع أن الفلسطينيين سلكوا طريق المقاومة منذ زمن بعيد، “لكن نجاح التجربة اللبنانية شكل لهم دافعاً أكبر ونموذجاً يحتذى به، أوصلهم فيما بعد إلى الانتصار والصمود الذي تحقق قبل أيام في كل فلسطين”، حسب هاشم.

ولفت إلى أن “إسرائيل مارست في جنوب لبنان وسائل عديدة بحق أبناء المنطقة لإجبارهم على التعاون مع قواتها وعملائها، لكن معظمهم لم يرضخوا واضطروا للابتعاد عن أرضهم نحو ربع قرن، وأنا واحد منهم”.
وأضاف: “وها نحن عدنا بعد تحرير الجنوب عام 2000 إلى أرضنا وبيوتنا”.

تحرير.. ولكن؟

اليوم وبعد 21 عاماً على تحرير جنوب لبنان، يجلس “رجائي أبو همين” في حديقة منزله في بلدة الهبارية الجنوبية (كانت محتلة)، ويقول إن الفضل بوجوده هنا، واستمتاعه بخيرات الأرض “يعود إلى المقاومين”.

وخلال حديثه استذكر رجائي (مواليد 1970) معاناته خلال فترة اعتقاله التي امتدت 8 سنوات (1990- 1998) على يد القوات الإسرائيلية، حيث تعرض خلالها لجميع أنواع التعذيب.
وأُسر رجائي المنتمي إلى “الحزب الشيوعي اللبناني”، بعد إصابته أثناء مشاركته بهجوم مسلح لتنظيم “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” ضد أحد المواقع العسكرية التابعة للاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.

وقال رجائي إن انتهاكات إسرائيل وعملائها بحق أبناء بلدته خلال فترة الاحتلال، دفعته لمغادرة المنطقة المحتلة والالتحاق بالمقاومة، والمشاركة بعمليات ضد قواتها، في الجنوب، قبل أن يقع في الأسر.

المقاتل السابق، حيّا تضحيات المقاومين سواء في لبنان أو في غزة، وقال إنه “بفضل هؤلاء أصبحنا متقدمين جداً في معادلة الردع ضد إسرائيل”، لكنه استدرك أن تلك “الإنجازات العسكرية في لبنان يجب أن تُستكمل اقتصادياً واجتماعياً”.

وأضاف رجائي أنه إلى جانب المقاومة، “نحن بحاجة إلى نهوض واستقرار اقتصادي كي يتوقف النزوح من قرانا الحدودية نحو المدينة، ولذلك لا بد من خلق استثمارات وفرص العمل وإنشاء مستشفيات وجامعات ومدارس”.

وقال: “المناطق المحررة تعاني إهمالاً مزمناً بسبب تقاعس الدولة، ونشعر أحياناً بأننا في عزلة عن باقي المناطق”.

مقاومة تتكامل

من جهته رأى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني فيصل عبد الساتر، أن “الانتفاضة في كل فلسطين (بدأت عام 1987 حتى عام 1993 إثر اتفاق أوسلو للسلام المرحلي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية) حاكت انتصار المقاومة في لبنان عام 2000”.

وقال إن “ما حصل في فلسطين مؤخراً، يشكل تكاملاً مع حركات المقاومة الأخرى بالمنطقة”، مضيفاً أنه “ليس هناك فرق بين مقاومة فلسطينية أو مقاومة لبنانية، ما دامت القضية والأهداف واحدة”.
ولفت إلى أن “ما حدث في فلسطين لا سيما غزة هو انتصار كبير، حيث تحطمت كل المعادلات التي أرستها قوى الاستعمار والعدو الإسرائيلي الذي حاول تمزيق فلسطين”.
وحول الانقسامات السياسية اللبنانية وتأثيرها أشار عبد الساتر المقرب من “حزب الله”، إلى أن الانقسامات السياسية، هي خطر على كل لبنان وليس فقط على المقاومة التي هي جزء من هذا النسيج”.

ويُعد “حزب الله” (حليف إيران) أبرز تنظيم مسلح واجه الاحتلال منذ عام 1982 حتى التحرير عام 2000، إلا أنه بخلاف معظم فصائل المقاومة الأخرى، ما زال يحتفظ بترسانة كبيرة من الأسلحة والصواريخ.
وبين الحين والآخر، تطالب بعض الأحزاب اللبنانية المعارضة لسياسة طهران والمقربة من الغرب، بحصر السلاح بيد الدولة.
كما أعلن البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في أبريل/نيسان الماضي أنه لا يجوز وجود أي سلاح غير شرعي إلى جانب سلاح الجيش اللبناني.

وعن مثل تلك المطالبات أشار عبد الساتر إلى أن “الجغرافيا هي التي تتحكم بمسار السياسة والأحداث في المنطقة، ولا يمكن لأحد أن يفصل لبنان عما يجري في محيطه لا سيما عند الحدود الجنوبية وما بعدها (إسرائيل)”.

ولفت إلى أن شرعية سلاح “المقاومة” اليوم (حزب الله) مستمدة من وجود الاحتلال، كما أن “كل الحكومات المتعاقبة في لبنان أيّدت المقاومة ضمن برنامجها، منذ حكومة الرئيس رفيق الحريري (1992) وصولاً إلى الحكومة الحالية”.
(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عادل عبدالحق:

    أرجو أن أوضح الفرق بين المقاومة الفلسطينية وما يسمى بالمقاومة اللبنانية:

    من أهم العقبات التي واجهها وما ذال يواجهها المشروع الصهيوني هو كيف يتخلص من أصحاب الأرض. نعم فلسطين هي قضية عربية وإسلامية ولكن قليل من يكرث حياته لإرجاعها أكثر من الفلسطيني التي قُتل أو شُرد وخسر بيته وأملاكه. هناك مثل شعبي عندنا يقول:”ما حك جلدي إلا ظفري”.

    1. يقول سالم:

      كلام سليم….اعذرني لحرصي على اللغة العربية واسمح لي بتصحيح بسيط
      ما ذال..خطأ(الصح….ما زال)
      يكرث….خطأ (الصح…يكرس)
      مع التحية

إشترك في قائمتنا البريدية