في كانون الثاني 1904 قبل موت بنيامين زئيف هرتسل ببضعة اشهر، وكان قد أصبح واهنا مريضا، سافر الى ايطاليا لاقناع الملك الايطالي والبابا باظهار الارادة الخيرة نحو الفكرة الصهيونية وللتعبير عن موقف يرفض معاداة السامية التي أخذت تقوى في اوروبا. وتوقع البابا أن يركع هرتسل ويقبل يده الممدودة، لكن هرتسل باعتباره يهوديا فخورا رفض ذلك. بيّن البابا أن الكنيسة المسيحية لن توافق أبدا على أن يكون اليهود أسياد الارض المقدسة وأن القدس لن تعود الى شعب اسرائيل. فالدولة اليهودية المستقلة التي عاصمتها القدس تناقض مناقضة سافرة العقيدة المسيحية، وهذا نوع من الدحض المبرهن عليه لكون المسيحية وارثة لليهودية. رفض رؤساء الكنيسة التنديد بمعاداة السامية، وفي خلال القرن العشرين قاموا بمعركة دائمة على الصهيونية. إن الدول الاوروبية غير مستعدة اليوم ايضا للتسليم بدولة اسرائيل المستقلة القوية المتمسكة بالقدس. استدعت بريطانيا وفرنسا وايطاليا في الاسبوع الماضي سفراء اسرائيل احتجاجا على قرار البناء في القدس وفي يهودا والسامرة. ومن المنطق أن نفرض أن الانجليز لن يغفروا لنا أبدا أن مجموعة صغيرة من مقاتلي جبهة سرية جريئين هزمت الامبراطورية البريطانية، ولن يغفر لنا الفرنسيون الكاثوليكيون النصر الرائع في حرب الايام الستة الذي حطم الاعتقاد الديني لشارك ديغول، ويبذل الايطاليون كل جهد لمحو تراث رئيس حكومتهم برلسكوني الذي أيد اسرائيل. إن الاحتجاج على البناء وراء الخط الاخضر نوع من النفاق. لأن بيوتا معدودة في بيت ايل أو في يتسهار لا تعني الاوروبيين. ومشكلتهم الرئيسة هي البناء في القدس. فيجب على الاوروبيين أن يستدخلوا في نفوسهم أن الكثرة الغالبة من الاسرائيليين لن يتخلوا عن قطعة ارض صغيرة في القدس كما لم يتخل الفرنسيون والانجليز والايطاليون عن زقاق في لندن وباريس وروما وإن كان يسكنها مهاجرون مسلمون. تستطيع تلك الدول الاوروبية أن تفوز بسهولة بجائزة نوبل للنفاق باسم مكيافيلي: فهي ترفع رسالة السلام عالية وهي تضر في واقع الامر بكل احتمال ممكن لدفع التفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين قدما. فالاتحاد الاوروبي بسلوكه يدخل العصي في عجلات مركب السلام الامريكي لأن دول الاتحاد الاوروبي تتعاون مع حماس ومع المنظمات الاسلامية المتطرفة في محاولتها لافساد المسيرة السياسية. وحتى لو كان أبو مازن عنده نية ما لدفع التسوية قدما، وهذا أمر مشكوك فيه، فان مواقف الاوروبيين الأحادية تجعله يتشدد في مواقفه. لأنه لا يوجد من وجهة نظره أي سبب يدعو الى التنازلات لأنه اذا لم يتم التفاوض فسيحصل على دعم اوروبي لمضايقة اسرائيل في المؤسسات الدولية وللمس باقتصادها باعمال المقاطعة. حينما أعلن بن غوريون في 1948 أنه قام في ارض اسرائيل الشعب اليهودي… التي عاش فيها حياة بعثة رسمية أوضح أننا لن نرقص أبدا على أنغام نايات منافقة مزيفة.