عمرو العادلي كاتب وقاص وروائي مصري ولد عام 1970، له العديد من الإصدارات في فنون القصة والرواية والكتابة للطفل. حصل على العديد من الجوائز الأدبية الرفيعة، منها جائزة الدولة التشجيعية عن روايته «الزيارة» عام 2015، وجائزة ساويرس الثقافية عن مجموعته القصصية «حكاية يوسف إدريس» عام 2015 أيضا. من رواياته: «رحلة العائلة غير المقدسة» «اسمي فاطمة» «قبل المساء» و»السيدة الزجاجية».
هو واحد من المبدعين الذين يحبون التجريب، ويُخلصون لفن الكتابة، محاولين الوصول بأعمالهم إلى أفضل درجة يمكن أن يصل إليها عمل أدبي، وواحد ممن يكتبون ما يحبون أن يقرأوه.
في حوارنا هذا معه دخلنا عالمه الخاص وورشة كتابته لنعرف رأيه في الكتابة ورؤيته لها، وماذا ينتظر منها، وكيف يرى المشهد الإبداعي.
□ كثيرا ما تعطي ما يشبه النصائح للكتاب والقراء.. فماذا تنتظر من وراء ذلك، أو ما هو المردود الذي تتوقعه؟
■ ليست نصائح بقدر ما هي فيض عن أفكار معينة، سرَحان في عالم القراءة والكتابة يشبه ما يحدث في الأحلام، وقد وجدت أنه لا يصلح له إلا أن يوضع في بوست للمناقشة مع الأصدقاء، والكاتب الحقيقي لا يمكن أن يعطي نصائح لأحد، لأنه هو نفسه يحتاج إلى النصح طوال الوقت.
□ حدثني عن علاقتك بكلٍّ من القصة القصيرة والرواية، وهل تميل إلى إحداهما أكثر من الأخرى؟
■ لا أحسب الأمور بهذا الشكل، فلا أفضلية في التفكير بين نوعين أدبيين، في كل مرة أكتب فيها القصة أشعر وكأنني أكتب القصة وحدها دون سائر الأجناس الأدبية الأخرى، ويحدث الشيء نفسه عند كتابة الرواية، لا أميل لنوع مقابل الآخر، لكن لكل جنس أدبي روحه ومذاقه، فالقصة مثلا تعطي كاتبها نفحة معينة عن فكرة تستمر معه لوقت قصير، ليوم أو أسبوع أو شهر على أقصى تقدير، يشم شذاها ثم يغيب مثل العطر الطيار، أما الرواية فمختلفة، هي حياة كاملة على الورق، تقودها أنت، تقسم تصاريفها كما ترى، تتصرف في مواقف، وتمهد طرقا، وتعالج نفسيات مختلفة، بل ومتباينة أحيانا، كلما كتبتُ الرواية ازددتُ صبْرا على الحياة نفسها، وكلما كتبتُ القصة ازددتُ عشقا لهذا النوع الرقيق من تدوين الأفكار والمشاعر.
□ ألمس في كتاباتك حبّا لنجيب محفوظ.. ما مصدر هذا الحب؟
■ أنا من جيل يُكنُّ كل تقدير للأجيال التي سبقته، ليس نجيب محفوظ فقط الذي ينطبق عليه هذا الحب، لكن يوسف إدريس كذلك، ويحيى حقي وطه حسين والعقاد، وحتى الأجيال التي جاءت بعد ذلك، سعيد الكفراوي والمنسي قنديل ومحمد المخزنجي، هناك مقولة انتشرت بين أبناء جيلي، وهي أنهم جيل بلا آباء، أنا ضد هذه المقولة، فلا يمكن أن ننبع من الفراغ، والمؤكد أننا لسنا نبتا شيطانيّا، لكن هناك من يكابر ويستحي من أن يقول إنه تأثر بفلان أو فلان، وهذا خطأ كبير، لأنه في وقت ما بعد عدة سنوات سنكون جميعا في ذمة التاريخ.
□ أنت تمارس النقد وكتابة الرواية، إلى جانب اهتماماتك الأخرى، فهل يجور النقد على الرواية؟ أم تعمل على حفظ التوازن بينهما حتى لا يدور شجار متواصل بينهما لديك؟
■ أنا لا أمارس النقد، أمارس الكتابة الإبداعية فقط.
أؤمن بالتخصص
□ ربما يبدو سؤالي هذا ساذجا، لكن هل فكرت في أن تمارس دورك كناقد على أعمالك الروائية والقصصية؟ أم تركت هذه المهمة لآخرين؟
■ أنا أؤمن بالتخصص، لكن ذلك لا يمنع أن يقول الروائي رأيه في أعمال الغير، لكنه يجب أن يعرف أنه غير متخصص في هذا الشأن.
□ بعد أن تصدرت الرواية المشهد الإبداعي ووجدتْ كل عون من الجميع، ناشرين وموزعين وإعلاميين ونقاد نافذين، هل ترى أن القصة القصيرة قادرة على العودة إلى المشهد السردي وبقوة؟ أم أن الرواية لن تمنحها هذه الفرصة مرة أخرى؟
■ نعم القصة القصيرة لن تموت، كما أن الشعر الأقدم منها بعشرات القرون لم يمت، القصة القصيرة لها روح وبهجة مختلفة، لكنها تتعرض لمشكلة من قِبل كُتّابها أكثر مما تتعرض له من القراء والناشرين، فهناك بعض الكتاب ـ لا أقول كلهم أو معظمهم ـ يكتبون القصة من منطق فيض الخاطر، أو الفضفضة، أو اليوميات الساذجة التي تليق بخواطر المراهقين، ثم يلعنون الزمن الذي لا يحتفي بالقصة القصيرة، هنا توجد قضيتان، الأولى أن هذا النوع من الكُتاب ظن أنه يحمل لواء القصة القصيرة، ويمكنه التحدث باسمها، والثانية أن من يقرأ كلامهم يصدق ما يقولون بالفعل، ولا يعرف أن أصل القضية في استسهال الكتابة، وليس في استقبالها، وهناك نماذج مشرفة صنعت مجدها من القصة القصيرة وحدها، سعيد الكفراوي، محمد المخزنجي، محمد حافظ رجب، إبراهيم صمويل، زكريا تامر، وحديثا نموذج الكاتب الفلسطيني الشاب مازن معروف.
□ تشارك كثيرا في وِرش للكتابة.. حدثنا عن فائدة هذه الورش.
■ الورش تقدم لمحبي الكتابة خطوة واحدة من 10 خطوات، ولا تزيد عن ذلك، أما الكلام عن أن الورش الأدبية لا تصنع مبدعا فهو مردود عليه ببساطة شديدة، لأنه غير صحيح، ذلك لأن أحدا لم يقل ذلك، الورشة تقدم معنى الكتابة الأدبية للشخص الموهوب فقط، ستقول لي وإن لم يكن موهوبا فماذا ستقدم له الورشة الأدبية، أقول لك، ستقدم له نصيحة ذهبية أخرى، ستقول له يا سيدي أنت غير موهوب، ويفضل أن تذهب لتبحث لك عن موهبة أخرى.
أفعل ما أريد
□ قلت ذات بوست فيسبوكي: «المراجعات هي الرواية نفسها، أما المسودة الأولى ففاتح شهية واشتباك مع الكتابة، فهل أنت ممن يعيدون كثيرا كتابة نصوصهم ولا يطمئنون للكتابات الأولى؟
■ هناك روايات قد استغرق أكثر من سنتين كاملتين في مراجعتها، أعرف أن ذلك «حنبلية» وكثير جدّا، لكنها طبيعة شخصيتي، أراجع على بعض المقاطع عشرات المرات، ثم في النهاية أحذفها كاملة من النص، وكما يقول ماركيز «لا ينهي الكاتب روايته، لكنه يتخلى عنها».
□ ذات مرة قلت: شهرة الكاتب تعتمد على ذوق المشترين، وليس على أصالة ما يقدمه من إنتاج أدبي، فعلى من يريدون الشهرة أن يدرسوا جيدا متطلبات السوق أكثر من دراسة متطلبات الفن، هل هذه قناعة؟ أم خبرتك في الكتابة هي التي جعلتك تقول هذا؟
■ هذه خبرتي في الكتابة وفي الوسط الأدبي، وذلك هو ما يجعلني بعيدا نسبيّا عن التجمعات الأدبية، أكتب في حالي ومع نفسي، ثم أنشر ما أكتبه، فقط أفعل ما أريد فعله، ودون ضغط من أحد أو من أي جهة، وهذه نعمة كبيرة جدّا، لأن أساس أي فن هو الحرية.
□ أصدرت العديد من المجموعات القصصية والروايات..أيها أقرب إليك؟ وما هي كواليس الكتابة، غير المكررة، التي تود أن تُطلع قارئك عليها؟
■ كتبت القصة والرواية والرسالة العلمية والشعر والكتابة الموجهة للأطفال، لم أشعر أن شيئا قريبا مني وشيئا آخر بعيدا، كلها قريبة من قلبي وإلا لمَا كنت قد كتبتها، لا أود أن يطلع القارئ على بيتي وهو غير منظم، أود أن يزوره فقط عندما يكون جاهزا لاستقباله.
□ نقلت عن بورخيس قوله: نحن لا نكتب ما نود كتابته، بل ما نستطيع كتابته، هل ينطبق هذا القول عليك أنت شخصيّا؟ أقصد هل ما زال لديك ما تود أن تكتبه ولم تستطع بعد أن تفعل؟
■ بالطبع، لديَّ ما أود كتابته ولا أستطيع، مثل أغلب الكُتاب، كلنا عندما نكتب تكون آمالنا كبيرة جدّا، وعندما نتم الكتابة نجد أنها أقل مما كنا نطمح.
□ هل يمكن أن تحدثنا عن روايتك «السيدة الزجاجية» ومجموعتك القصصية «بائع السخانات»؟
■ رواية «السيدة الزجاجية» فيها شخصية أشعر بأنها تعبر عنا جميعا، فهي إنسان ما قبل العصر الصناعي، ثومة، أو أم كلثوم، كيف تحولت من سيدة زجاجية إلى مجرد شيء، مثل أغلب ما يحدث في عالمنا الرأسمالي الجامد. «بائع السخانات» أنا أراهن أن القارئ لا يمكنه أن يخرج منها كما دخل، فهي مجموعة 190 صفحة وتحتوي على 6 قصص فقط، وهذا يعني أنها قصص طويلة تتعدى الـ30 صفحة أحيانا، وهي ما يمكن تسميته بالقصة المشبعة، وأنا أحبهما بشكل غير عادي، الرواية والمجموعة.
□ نهاية.. فضولي كمحاور يجعلني أسألك: ما هو السؤال الذي تتمنى أن يُوجه إليك، ولم يُوجهه إليك محاور بعد؟
■ كيف تكتب؟ وكيف تحافظ على انتظام مشروعك الإبداعي في هذا الواقع الصعب؟