الرواية الرقمية

حجم الخط
2

بدأت تتواتر خلال السنتين الأخيرتين ندوات ومؤتمرات وكتابات في بعض الدول العربية حول الأدب الرقمي والرواية الرقمية، وما يتصل ببعض قضايا علاقة التكنولوجيا الجديدة بالإبداع. لقد تأخرنا كثيرا في الاهتمام بمسائل الرقميات بالقياس إلى ما تحقق من أدبيات في هذا الاتجاه. هناك أسباب كثيرة تكمن وراء ذلك، ولعل أهمها يكمن في عدم قدرتنا على مواكبة المستجدات على المستوى الفكري العالمي، لأن تطورنا البطيء، وعدم انخراطنا في أسئلة العصر، يجعلاننا لا نلتفت إلى ما يطرأ إلا بعد مرور زمن طويل.
إن عدم المواكبة دليل على انغماسنا في قضايا كثيرة تشغلنا عن الارتقاء إلى المساهمة في الأسئلة التي يفرضها العصر، وما يحبل به من تطورات تتم في غيابنا. وحين نلتفت إلى ما تحقق عالميا، بعد مرور الزمن، نجد أنفسنا لأننا لم نساهم في إنشائه غير قادرين على تمثله بشكل جيد. وبما أننا لا نعمل على بذل الجهد لاستيعاب ما جرى على النحو المناسب، وخوض الحوار البناء الذي يدفعنا إلى تدارك التأخر بهدف الانخراط والمشاركة الفعالة في مسيرة التطور، يحصل أن يكون ما يطبع علاقتنا بتلك المنجزات مبنيا على السطحية والاختزال والتسرع. ولا يمكن أن ينجم عن ذلك سوى أن يتضاعف تأخرنا مرتين، زمنيا وفكريا من جهة، ومن جهة أخرى تكون مشاركتنا معطلة عن تطوير ما يساهم فيه الآخرون.
يلخص هذا الوضع، بوجه عام، كل علاقاتنا بالعصر الحديث، وعلى المستويات كافة، سواء تعلق الأمر بالتكنولوجيا أو بالفكر الذي تحقق فيه. ويكفي أن نتساءل على سبيل التمثيل، كيف تعاملنا مع الليبرالية والاشتراكية، والتحليل النفسي والبنيوية وما بعدها، لنجد أنفسنا لا نساهم في تطوير ما أنجز، ولا نقدم أي إضافة. ويمكن أن نقول الشيء نفسه عن التكنولوجيا في مختلف جوانبها، نظل نستوردها ولا نعمل على توفير الأسباب التي تمكننا من إنتاجها، على غرار بعض باقي الأمم المنخرطة في العصر، التي تنجح في تدارك ما لم تسهم في بنائه، وتعمل على فرض نفسها حتى على الأمم التي سبقتها إلى ذلك (الصين وكوريا مثلا).

لقد تأخرنا كثيرا في دخول العصر الرقمي، كما تأخر نقاشنا الفكري حول طبيعته، وهو يشكل حقبة كبرى في مسيرة تطور البشرية. لم ننتبه إلى طبيعة هذا التحول، ودخول الإنسان إلى مرحلة جديدة من تاريخه الطويل.

لقد تأخرنا كثيرا في دخول العصر الرقمي، كما تأخر نقاشنا الفكري حول طبيعته، وهو يشكل حقبة كبرى في مسيرة تطور البشرية. لم ننتبه إلى طبيعة هذا التحول، ودخول الإنسان إلى مرحلة جديدة من تاريخه الطويل. لقد ألهانا مظهر من مظاهر هذا التحول وهو «العولمة» فانشغلنا بها كثيرا، وشغلتنا عن تكوين رؤية شاملة عما تحقق. وعندما فتر الحديث عن العولمة ها نحن نريد الحديث عن العصر الرقمي، وعن التعليم الرقمي، وعن الأدب الرقمي. وها هي المؤتمرات والندوات بدأت تنعقد هنا، والكتابات تظهر بين الفينة والأخرى هناك، لكن بأي وعي؟ وبأي خلفية فكرية أو معرفية؟ هذا هو السؤال.
لن نتحدث عن الذين يرفضون الاعتراف بأن البشرية تدخل مرحلة جديدة في تاريخها. كما أننا لن نتناول السياسات التعليمية التي تتعامل مع التكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل، بربطها بالتكوين المهني وسوق الشغل. ولا عن كيف يتعامل معها الباحثون، كي لا أقول علماء الاجتماع والنفس في الوطن العربي، فتلك أسئلة حارقة. ولكننا نود التساؤل عن الإبداع الرقمي، خاصة الرواية الرقمية بسبب بروز بداية الاهتمام بها في الوطن العربي.
أرى أننا نكرر تجربة نشأة الرواية في تاريخنا الحديث لكن بشكل مختلف. فإذا كانت أغلب التصورات ذهبت آنذاك إلى أن الرواية موجودة في تراثنا في الحكايات والسير الشعبية، وأننا سبقنا الغرب إلى كتابة الرواية، نجد أنه ليس بإمكاننا الآن ادعاء أن الرواية الرقمية موجودة في التراث لغياب التكنولوجيا المصاحبة لها، فكان أن ادعينا أننا نجدها في الروايات التي تتحدث عن الرسائل والأجواء و«التفاعل» الحاصل فيها، بسبب تناول موضوعات تتصل بالتكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل، فأي رواية توظف مواد تتصل بالفيسبوك واليوتيوب، والرسائل التي تتم من خلال الوسائط الجماهيرية هي رواية رقمية، وما على الناقد سوى تحليلها كما تحلل الروايات الورقية ليدعي أنه يسهم في تطوير الأدب الرقمي؟
إن عدم التمييز بين حضور ما يتصل بالعصر الرقمي من مواد في الرواية، أو تحويل الرواية الورقية إلى الشاشة عن طريق تصويرها بصيغة (بي دي أف) مثلا، وبين إنتاج رواية رقمية لا تتحقق إلا عن طريق إبداعها بواسطة برمجيات تجعلها قابلة ألا تتلقى إلا من خلال شاشة الحاسوب، لا يعني سوى أننا لا نفرق بين الرقمي وغير الرقمي.
في سنة 1882 حصل فريدريك نيتشه على آلة كاتبة. تبين له بعد تجاوز صعوبات البداية في استعمالها أن أسلوبه ولغته وطريقة تفكيره قد تغيرت كليا، وأنه صار يتعامل مع الأشياء بكيفية مختلفة، لكن بالنسبة إلينا نتعامل مع هذه التكنولوجيا فقط كوسيلة، وليس رؤية جديدة للعالم وطريقة التفكير فيه. إن عدم طرح الأسئلة الفكرية حول الوسائط لا يمكن إلا أن يؤخر طريقة رؤيتنا لها، وتفكيرنا فيها. كما إن عدم مواكبتنا واستيعابنا لما يكتب عنها يضاعف تأخر إبداعنا الرقمي.

٭ كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول S.S.Abdullah:

    ما كتبه د سعيد يقطين تحت عنوان (الرواية الرقمية) يمثل حاله ومفهومه كممثل لثقافة الأنا فقط،

    ولا تمثل المجتمع أو ثقافة النحن للرواية الرقمية من وجهة نظري على الأقل.

    بالنسبة لي في عملي، وتعاملي وفهمي بالمقابل:

    علم الكلام شيء، علم اللغة شيء ثان، علم التدوين شيء ثالث

    الخلط بينهم يؤدي إلى الضبابية اللغوية، الذي تعمل به الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية والإعلامية في دولة الحداثة عن عمد وقصد، بحجة المحافظة على أسرار دولة ولاية الفقيه الديمقراطية.

    الكثير لم ينتبه إلى أن هناك نوعين من البرمجة اللغوية:

    واحد لتعليم الآلة لغة الإنسان في كيفية أداء أي وظيفة
    ثان لتعليم الإنسان لغة الآلة في كيفية أداء أي وظيفة

    في فرق بين الفهم وبين البصم (بين الإتباع والتقليد)، ولذلك تجد الموظف الحالي مثل الآلة، وليس إنسان في أداء أي وظيفة، بسبب مناهج التعليم الحالية??

  2. يقول S.S.Abdullah:

    وأضيف في الإقتصاد الإنتاجي، لاحظت هناك مدرستين لمفهوم التجارة:

    ولاحظت الاختلاف بين المدرسة التجارية الأولى والمدرسة التجارية الثانية،

    هو أن الأولى أساسها مدرسة الكويت وبقية دول الخليج قبل 2/8/1990، هناك حقوق واضحة حتى لو غير مسجلة رسمياً

    بينما الثانية أساسها العراق وبقية دول الحداثة قبل 2/8/1990، لا توجد أي حقوق واضحة، حتى لو كانت مسجلة رسمياً في كل سجلات الدولة، المضروبة أصلاً حتى لا يدفع ضرائب ورسوم وجمارك كما ينبغي.??

    فمن هو الحرامي هنا، الدولة التي تفرض ضرائب ورسوم وجمارك بدون خدمات يحس بها ويقدرها ويحترمها الإنسان والأسرة والشركة المنتجة وبالتالي يدفعها؟!

    أم الدولة التي تفرض ضرائب ورسوم وجمارك دون التفكير في تقديم إحترام للإنسان والأسرة والشركة المنتجة على الأقل، في كيفية إتخاذ قرار كيف عمل أو إصلاح، أي طريق أو صحة أو تعليم أو أمن في الدولة، كما هو حاصل في المملكة الأردنية الهاشمية أو المغربية العلوية (دولة سلطة آل البيت لشعب الرٌب المُختار)، في عام 2019 على سبيل المثال لا الحصر؟!??
    ??????

إشترك في قائمتنا البريدية