«الرواية العالمية» للناقد الأمريكي آدم كيرش : ترويض الأدب وضبط النغمة السائدة

محمد عبد الرحيم
حجم الخط
0

القاهرة ــ «القدس العربي»: «عندما نتناول بالحديث الرواية العالمية، فنحن إنما نتحدث في واقع الحال عن مجموعة صغيرة من الروايات التي تُرجمت إلى لغات عدّة – الإنكليزية والفرنسية بخاصة – بفعل الحظ الطيب أو لأسباب أخرى، وهكذا صارت هذه الروايات موضوع مباحث شتى بعد أن أُشبعت نقاشاً على المستوى العالمي، لكن الآليات المؤسساتية التي يتم بموجبها وتحت رعايتها الاحتفاء بنخبة مختارة من المؤلفين والروائيين، تظل غامضة وغير مفهومة على نطاق واسع، ولهذا السبب فهي عرضة للشبهات والتشكك على الدوام.. هل الكتب التي أتاح لنا الحظ فرصة قراءتها هي حقاً الأفضل، والأكثر أصالة بين الروايات الأخرى المكتوبة باللغات ذاتها التي كُتبت بها هذه الروايات؟ أم أنها – ببساطة – الروايات التي تناغمت مع الحسابات التجارية القائمة وحسب؟».

هذا ما يحاول الناقد الأمريكي آدم كيرش، استعراضه وإثارة العديد من الأسئلة حوله، فما هي مواصفات الأعمال التي تنال صفة العالمية في وقتنا هذا، بغض النظر عن جماليات ومدارس الفن الروائي. وكيف يمكن صياغة الأدب وفق منظومة تفرض عليه شروطها، بحيث لا تتحقق عالميته إلا بوجوب اتباع إرشاداتها بكل دقة؟ سواء بوعي أم بدون. هذه بعض من الأسئلة التي يناقشها كيرش من خلال مقالاته الست، والمترجمة إلى العربية مؤخراً تحت عنوان «الرواية العالمية.. التناول الروائي للعالم في القرن الحادي والعشرين». والصادر عن دار المدى وقامت بترجمته لطيفة الدليمي.

النموذج المطلوب

يوضح كيرش بداية مقصوده من فكرة «الأدب العالمي»، وهي «طريقة الكتابة والقراءة التي تتعامل مع العالم بكليته باعتباره موضوعها والجمهور القارئ لها». ويذكر في مقال بعنوان «دفاعاً عن الروائي العالمي» أن أي منتَج أدبي ينال حظوة واحتفاء من جانب النظام الرأسمالي العالمي لابد أن يتم تحييده ومن ثم تدجينه من جانب النسق النيوليبرالي المتغول الحاكم في العالم، فكل ناشري الكتب هم في الغالب أذرع صغيرة للتجمعات الرأسمالية العملاقة، وأن الاحتفاليات الأدبية التي تحتفي بالأدب العالمي إنما تحصل بفعل التمويل السخي لكبريات الشركات الرأسمالية في العالم. كيف يمكننا أن نتوقع في حالة مثل هذه الحالة أن يحظى عمل ذو رؤية راديكالية أصيلة أو مخالفة للسائد أو خارجة عن السياق العام بمباركة وتعضيد مثل هذه القوى المالية المتغولة؟ ألا ينبغي جعل الأدب العالمي مصاغاً في قوالب قياسية بعيدة عن منافسة وتهديد الأنساق النيوليبرالية السائدة تماماً مثل حالة محلات «ستار بكس» أو مطاعم وجبات ماكدونالد السريعة، حيث يتشابه الحال على نطاق عولمي في أبو ظبي وسياتل وشانغهاي؟ من ناحية أخرى.. هناك كتابات تم تسليعها تجارياً تحت لافتة (الهويات المسكوت عنها)، وبالتالي «لن تحظى هذه الكتب التي تقف موقفاً مضاداً من هذه الهويات بفرصة الترجمة والانتشار العالمي، بل ربما لن تجد من يكتبها على الإطلاق بعد أن بات الكتاب على اختلاف لغاتهم مدركين للتوقعات التي تتطلبها السوق العالمية».

يمكن للرواية أن تكون عالمية، حتى لو كانت مقيّدة في مكان محلي، فرواية «ثلج» لباموك تحكي عن شاعر تركي عائد من منفاه السياسي في ألمانيا ليستقر في بلدته التي باتت معزولة عن العالم بفعل عاصفة ثلجية.

العوالم الروائية

يتناول كيرش أعمال ثمانية من الكُتاب يرى أن «ثمّة اتفاقا مقبولا على الصعيد العالمي بأن هؤلاء يمثلون الشخصيات الروائية التي تقود عربة الرواية»، وهم .. أورهان باموك، هاروكي موراكامي، روبرتو بولانيو، تشيماماندا أديتشي، محسن حميد، مارغريت آتوود، ميشيل ويلبيك، وإيلينا فيرانتي. وهم يتوزعون على ست لغات: التركية، اليابانية، الإسبانية، الإنكليزية، الفرنسية والإيطالية.
يمكن للرواية أن تكون عالمية، حتى لو كانت مقيّدة في مكان محلي، فرواية «ثلج» لباموك تحكي عن شاعر تركي عائد من منفاه السياسي في ألمانيا ليستقر في بلدته التي باتت معزولة عن العالم بفعل عاصفة ثلجية، ويحدث أن تشهد البلدة انقلاباً مدبّراً من قِبل جماعة علمانية تقتل السكان المسلمين، يرتبط الأمر بظاهرة الفتيات المنتحرات، التي يحاول الشاعر بحثها، ليجد ان من بينهن فتاة اشتركت في مظاهرة مدرسية، رفضت فيها خلع وشاح الرأس، مثلما طلب مدير مدرستها العلماني، والذي يتم اغتياله في ما بعد، على يد متطرف إسلامي، بدعوى قمع الحريات الدينية. وهكذا يرى كيرش كيف عرضت الرواية حالة الصراع بين تركيا وأوروبا، أو بمعنى أدق بين الإسلام والغرب. وهنا ظهر باموك كاتباً تتداخل ثيماته الروائية مع الهواجس الغربية بشأن الصراع بين الإسلام والعلمنة، وبين الحرية الفردية والاعتقاد الجمعي.
وفي رواية «أمريكانا» للنيجيرية تشيماماندا أديتشي، إذ تقيم البطلة في الولايات المتحدة، إلا أنها لم تصبح أمريكية تماماً، لذا تعود في نهاية الأمر إلى بلدها الأم. ومن خلال مفارقات حياتها المحلية التي تود الفرار منها، وطريقة رؤيتها وفهمها لمجتمع مختلف (أمريكا) فقط رؤية من الخارج، تختلف هذه الثقافات والعادات، ما بين عالم منغلق يحلم صاحبه، وآخر يصبح المثال المرجو، بدون نسيان الوجه الساخر للأمر.

فكرة الثقافات والهويات المختلفة

ونأتي لفكرة العنف، كما تم تجسيدها من خلال جنس الضحية، كما في رواية روبرتو بولانيو «2666» ورواية موراكامي «Q84». ومن العنف إلى مستقبل الجنس البشري، كما في رواية الكندية مارجريت آتوود «أوريكس وكريك» والفرنسي ميشيل ويلبيك في روايته «احتمال جزيرة»، ذلك من حيث التشابه في استشراف فناء الجنس البشري. هذا الشكل من شيوع رواية (الدستوبيا) الذي يتنبأ بفناء العالم يرى كيرش أنه يبدو طبيعيا في ظل تحولات عالمية، لافتاً إلى أن أعظم روايات الديستوبيا كانت دائما انعكاساً لأحوال المجتمعات التي أنتجتها، والمرتبطة دوماً بانحطاط كارثي في المجتمع.

مأزق العالمية

وفي الأخير نجد أن فكرة (العالمية) نفسها متغيّرة وبعيدة عن معايير فنية أو جمالية، وحسب كيرش فإن «التحدي الماثل أمام الروائي العالمي يكمن في أمور كثيرة هي في جوهرها مسألة أسلوب وتقنية، كيف يتأتى لكاتب متجذر في ثقافة ما أن ينقل حقيقتها إلى قرّاء من أماكن وثقافات شديدة التباين؟ لذا سيبقى البعد العالمي في تجربتنا البشرية محض بعد سردي وموضوع يثار من خلال الخيال دوماً والسياسة غالباً».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية