الرواية العراقية وسرديات الانتهاك

يمكن لفعل الانتهاك أن يكون خطابا ثقافيا وسياسيا وبدلالات مادية ورمزية، مثلما يمكنه أن يكون مفهوما ذا توصيفات قانونية وجنائية، أو أن يكون خطابا يمسّ ما هو جوهري في حقوق الإنسان، لأنه يُعبّر عن سلوكٍ يتسم بغلو الإكراه والقسوة، وتمثيل العنف المادي على الجسد، والعنف الرمزي على الذات والهوية، لكن ما نحاول أن نسعى إليه في قراءاتنا يعمد إلى مقاربة كشوفات الانتهاك في مجالات الاشتغال السردي، عبر تمثيلات في الرواية العراقية، وعبر ما يتبدى في متخيّله التاريخي والسياسي والميثولوجي، وعبر فحص علاقته بذاكرة الصراعات والحروب والاستعباد، بوصفها مرجعيات جماعوية وأيديولوجية وعصابية لفعل الانتهاك.
ظاهرة الانتهاك ليست بعيدة عن تعالقاتها الحاكمة للنظام السياسي، بوصفها تعالقات صيانية، تسوّغ العنف، والقوة، بوصفهما «عنفا شرعيا» فضلا عن كونها تعالقات تقوم على فكرة حفظ الجماعة، عبر حفظ نصوصها وأعرافها وسردياتها، وهذا ما يجعل الكشف عنها قرينا بالكشف عن «المقموع والمسكوت عنه» لأنهما يحملان خطابا ضديا، تتمثل قوته الرمزية في تدوين ما خفي في التاريخ، وتتبع تمثيلاته في سرديات الجماعات المهمشة والمقصية، لتبدو هذه السرديات وكأنها نظير ضدي للتاريخ، ومصدر مهم لفضح وثائقه وتخيلاته، إذ تحولت الرواية إلى أرشيف، وإلى ذاكرة، وإلى لعبة في «التنكيل بالتاريخ» كما سماها سعد محمد رحيم.
الخداع والتسريد الروائي، صارا أقنعة أتاحت مجالا استعاريا لقراءة كثير من الوقائع التاريخية، مثلما تحولت إلى مجسات لتلمّس المضمر في أنساق صراعية ذات أبعاد إثنية ودينية وجندرية وعنصرية، لم تشأ «السلطة» أو «الجماعة» أو حتى القوى الكبرى، أو صناع «الإشهار التاريخي» تدوينها والإفصاح عنها، وتحويلها إلى وثائق للإدانة ولتعرية السلطة ومركزياتها المهيمنة..
من جانب آخر اتسع مفهوم الانتهاك، خارج علاقته بالسلطة، ليكون تعبيرا مفضوحا عن مأزق الأيديولوجيا العربية، وهوية الإنسان المعاصر في سياق علاقته بالسلطة والأيديولوجيا والهوية والجماعة، وتمثيلا لمظاهر استلابه وطبيعة صراعاته الداخلية، ولتاريخ علاقته الملتبسة بالتاريخ وقواها الفاعلة، عبر تغوّل مظاهر العسكرة والشعبوية والأصولية والجماعوية، وهي مظاهر نسقية تغولت عبر إنتاج العنف والتطرف والتكفير والإرهاب والسيطرة، بما فيها سيطرة السلطة والمخزن والمنصة والوثائق ذاتها. هذه المقاربة، أعطت للرواية وظيفة مناوئة للتاريخ، إذ كثيرا ما تحولت فضاءاتها السردية إلى مجال للإدانة والنقد، وإلى تمثيل ما تعرّض له الضحايا من تهميش وانتهاكات، وعلى نحوٍ أبرز صوت الشاهد، عبر شراهة التخيل السردي، ليبدو صائتا بشهادته واعترافه واحتجاجه واغترابه، مثلما أعطته مجالا ضديا ومخاتلا لنقض التاريخ، والكشف عن عيوبه النسقية، وهي استشرافات جعلت من الروائيين، يشبهون صائدي الجوائز، أو محققي القصص البوليسية، أو عمال المناجم، يبحثون في سرائر المخفي والمهمل عن دالة الجريمة الثقافية، وعن بصمات سرديي الطغيان والاستبداد والقتل السري.

الرواية العراقية ليست بعيدة عن «المسكوت عنه» في تاريخ المدينة والسجن والمراقبة والاعتقال، ولا عن أثر عنف السلطة والأدلجة، ولا عن فكرة البطل القربان الميثولوجية، فضلا عن أنها ليست بعيدة عن أن تكون جزءا من التاريخ ووثائقه واعترافات ضحاياه، ومن سرديات فضح الانتهاك بحمولته السياسية والأيديولوجية والرمزية.

وبقدر ما يستدعي الانتهاك السياسي من شواهد، ومن علامات وصور للمجرمين والطغاة والسجانين والمحققين ورجال الأمن والمخبرين، وكذلك من ذاكرة ليوميات السجون، فإنه يستدعي في سياق التخيّل التاريخي كثيرا من السرديات التي يرويها الخائفون، في لحظات ضعفهم وانكسارهم الرمزي في المكان المعادي وعبر اللغة المعادية، وعبر ما يخضع له الجسد المُنتهَك من تلصص المراقبة، ومن قسوة التعذيب أو الاغتصاب والفقد.. فعل الانتهاك لا علاقة بالفكرة الأضحوية، ولا بفكرتها عن المقدس، بقدر ما هو فعل تمثيلي لعنف الصراع الإنساني ولتوحشه في التعبير عن استبداد القوة والاستملاك، كما يسميه نادر كاظم، ولتحوله إلى فعلٍ يتجوهر حول انتهاك الجسد والهوية، وحول نفي تمثيلهما في أيّ سياق آخر.
التمثيل الروائي لسرديات الانتهاك، تتبدى عبر إبراز مظاهر الصراع، وعبر مظاهر الاستلاب، إذ تعيش الضحية عصاب الهيمنة، ورثاثة الفقد، مثلما تعيش لعبة التحايل على التاريخ، وعلى سردنة وقائعه، وعلى الاشتباك مع مرجعياته الأيديولوجية والعصابية، عبر تعرية السلطة ذاتها، وتعرية الطاغية والمؤسسة والذاكرة الأمنية، التي استغرقت فكرة المراقبة والسجن والاغتصاب والانتهاك المادي والرمزي، وهو ما فعله روائيون قصاصون كثر مثل جورج أورويل وإسماعيل كادريه وغيرهم، أو كما كتب صنع الله إبراهيم وعبد الرحمن منيف وعبد الرحمن مجيد الربيعي وفاضل العزاوي وجليل القيسي وجمعة اللامي ولطفية الدليمي وسعد محمد رحيم وخضير فليح الزيدي ووارد بدر السالم وآخرون..
الرواية العراقية ليست بعيدة عن «المسكوت عنه» في تاريخ المدينة والسجن والمراقبة والاعتقال، ولا عن أثر عنف السلطة والأدلجة، ولا عن فكرة البطل القربان الميثولوجية، فضلا عن أنها ليست بعيدة عن أن تكون جزءا من التاريخ ووثائقه واعترافات ضحاياه، ومن سرديات فضح الانتهاك بحمولته السياسية والأيديولوجية والرمزية، فبدءا من روايات «النخلة والجيران» وتسجيلها لمظاهر الانتهاك الطبقي والسياسي، ورواية « الرجع البعيد» ورمزيتها في الانتهاك السياسي والأيديولوجي والأخلاقي، فإن الرواية والقصة العراقيتين انكشفتا على تجليات كبيرة وكثيرة لسرديات الانتهاك بمستوياته النفسية والسياسية والأيديولوجية، لاسيما في ستينيات القرن العشرين، إذ اقترنت تلك التجليات بعنف السلطة الانقلابية، وبعنف عسكرتها وجماعتها الأيديولوجية، حيث حفل كثير من الروايات والقصص لغانم الدباغ وعيسى الصقر وفاضل العزاوي ومحمد خضير وجليل القيسي وغازي العبادي ومحمود جنداري، وأحمد خلف وجهاد مجيد وعبد الرحمن الربيعي وموسى كريدي وجمعة اللامي وغيرهم، باشتغالات كان الانتهاك هو الصورة الأبرز للقهر الإنساني، ولتمثيل مظاهر الخراب والطرد والإقصاء، والقرين بتداعيات ما يتركه الصراع الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي من أثر فاجع على الناس، لاسيما توحش العنف بمستوييه المادي والرمزي، إذ تتغوله سلطة الانقلاب ليكون أداتها في قمع الآخر، وفي تعصيب بنيات السيطرة عليه، عبر الرقابة والمشفى والسجن بوصفها براديغمات للمكان المعادي كما سماه باشلار، وعبر إشاعة الخوف من الاعتقال والاغتيال والطرد والنفي.

لطفية الدليمي – عبد الرحمن منيف – عبد الرحمن مجيد الربيعي

اقترن فعل الانتهاك بذاكرة السلطة العراقية، وبذاكرة العنف، وبالاحتجاج والتظاهر، وبقطع النظر عن المرجعيات الأيديولوجية والعصابية، فإنه تكرّس في المدينة السياسية العراقية بوصفه سايكولوجيا ضدية، تكشف عن خوف الضحايا، وعن رعب المدينة المستبدة، التي يصنعها العسكر والانقلابيون، إذ تتبدى هذه الانكشافات عبر مظاهر أسهمت إلى حدٍّ كبير في تغريب المدينة ذاتها، وفي تدمير هويتها الحضرية والتجارية والديموغرافية، لتبدو كأنها مدينة دستوبية، معادية، تستجلب المعسكرات الجند، والطغاة، تعيش رهابات التحوّل، إلى أمكنة للمراقبة والسيطرة، مثلما يكون فيها فعل الانتهاك تمثيلا للسيطرة، ولغياب الحرية، ولوضع الكائن أمام موت كينونته، إذ يعيش هواجس الفقد والنبذ، والطرد الديموغرافي والوظيفي، حيث تنتهك بنية المعيش، والبنية التجارية، والبنية الحضرية، والبنية الثقافية، مقابل تضخم البنية الدوستوبية، عبر تضخم السجون والمعتقلات، وقصور الحكم، ومؤسسات السيطرة، وهذا ما يعني تحولاً في سرديات المكان ذاته، حيث الذهاب إلى الحكاية المخاتلة، الرمزية، المخادعة عبر النكتة، والسخرية والأغنية والطقوس، وحيث تحوّل الصراع من كونه ظاهرة وجودية، إلى صراع له عنفه الأنثربولوجي والأيديولوجي، وله رعبه في القهر وفي السيطرة على المكان، وعلى الآخر، إذ يكون السجن سريرا لاغتصاب الكائن، وإخضاعه إلى ما يشبه المحو، وتغييب حريته، وكسر إرادته، واستلاب وجوده، مقابل التحويل في الذات المنتهكة، لتبدو ذاتا شبحية، وقناعا للهوية الغائبة، ولفكرة الاغتراب الوجودي، والاغتصاب المادي والرمزي..

فعل الانتهاك السياسي في الرواية العراقية جزء من تاريخ الصراع الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي، ومن تشكلات سردياتها المعروفة، فوجودها ارتبط بأزمة المكان/ المدينة، في تحولاته الرمزية والتاريخية، وبأزمة شخصياتها

فعل الانتهاك السياسي في الرواية العراقية جزء من تاريخ الصراع الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي، ومن تشكلات سردياتها المعروفة، فوجودها ارتبط بأزمة المكان/ المدينة، في تحولاته الرمزية والتاريخية، وبأزمة شخصياتها، إذ تبدو شخصية السجين هي المحور، والحمولة الرمزية، وأن حضوره في تضاعيف السرد، يكشف عن تمثيله السياسي بشكلٍ خاص، فضلا عن تمثيله الاجتماعي والثوري والنضالي، مقابل تغييب التخيّل السردي لشخصية السجان ورجل الأمن والمحقق، فظاهرة السجان ظلت غامضة ومقصية، ولم تؤطر بشكل واضح في السرديات العربية والعراقية، لم تُقرأ، لا نفسيا ولا أنثروبولوجيا واجتماعيا، وتظل شخصية السجين هي المكشوفة للقراءات النفسية والسياسية، وكأنها قرينة لا واعية بفكرة القربان/ الضحية في الميثولوجيا الدينية من جانب، والضحية الوطنية والأيديولوجية والسياسية، أو أنموذج البطل كما في سرديات التاريخ من جانب آخر.. وباستثناء رواية «قشور الباذنجان» للروائي عبد الستار ناصر، لم أجد سردية واضحة لشخصية السجان، لأن يكون بطلا سرديا، وأن فعله السردي يقوم على ثنائية الاسترجاع، وعلى الاعتراف، إذ يبحث عن ضحيته السياسية ليقدم لها فروض هذا الاعتراف، للتطهير ولتعرية فعل الانتهاك، وإدانة السلطة، وفضح تاريخ عنفها، ونظرتها التقويضية للجسد المسجون، والقائمة على فعل الخرق النفسي والاغتصاب والتشوه والانكسار الذي يتعرض له، إذ يظل الانتهاك من وجهة نظر السلطة، مجالا صيانيا، ونسقا مضمرا يتحقق عبر الغياب والقهر والإخفاء والاغتصاب، وعبر محمولات اللغة المحشوة بالعنف القهري، حيث يُقصى الآخر أو يختفي عبر اللغة – الشتيمة، الإكراه، والتنمر- وحيث تتحول السلطة إلى شهوة، أو منصة، أو ذات مرآوية تمارس حكمها وأنويتها واستحواذها ولذتها عبر التعالي في فرض القوة بوصفها ظلا قهريا للمقدس والقانون، والنص.

الرواية ومخيال العنف..

هذه المعطيات لها حضورها في كثير من الروايات العربية والعراقية، ليس لأنها جزء من المخيال التمثيلي للعنف السردي، بل لأنها تكشف عن تاريخ العنف في الذاكرة العراقية، التاريخية، والميثولوجية والسياسية، مثلما تكشف عن ذاكرة الصراع، وعن تمثيلاته في أنموذج استبداد السلطة، والأيديولوجيا، وفي تاريخ مهيمنها المليء بالتابوات الاجتماعية والدينية، وما تواتر من الحكايات والمرويات الغاطسة في الميثولوجيا والمرويات الشفاهية والسحر والدوستوبيا.

الرواية الحديثة

الرواية الحديثة، لا تعني أنها تعيش زمنها كما ذهب جابر عصفور، بل إنها بدت أكثر حرية وشراسة في مواجهة التاريخ، وفي تقويض ذاكرة الحكي، والانفتاح على أنساق مجاورة، لسرديات السجن والاغتراب والمطاردة، وللشخصيات التي تعيش رهاب تلك السرديات، ومقاربة تحولات الكائن المنتهَك، بوصفه سجينا، أو منفيا أو مطرودا أو مغتصَبا، أو مُغيَبا، مثلما هي المجال الذي يمكن من خلاله الكشف عن ملفات غائرة، على مستوى العنف الأيديولوجي والجماعوي، أو على مستوى قراءة ما هو «مقموع ومسكوت عنه» في الذاكرة العراقية، لاسيما ما علق برعب الأمكنة، وبعصاب الأيديولوجيا، وبأنثربولوجيا التوحش، إذ حفلت يومياتها بطقوس غرائبية للقتل والتعذيب ولمحو الذاكرة، ولكي يخرج السجين منتهكا، أو مجنونا، بلا ذاكرة، ولا عفة، ولا جسد للمباهاة.

الانتهاك في السياق السردي هو فعل تدميري، عبر إفراغ الشخصية الأضحوية من قيمتها الرمزية، لتتحول إلى شخصية هامشية، منكسرة، تبحث في اللغة والجسد عن إشباعات إيهامية، تتماهى مع سجنها الرمزي، وهو ما وجدناه في رواية «الوشم» لعبد الرحمن الربيعي.

توحش الانتهاك في الرواية العراقية، هو تمثيل لرغبات متسيدة، قد يبدو بعضها قرينا بأطروحات علي الوردي، أو بطبيعة الشخصية المأزومة والعنفية، لكنها تكشف في الجوهر عن محنة الرعب السياسي، وعن علاقته بالعصاب، والأيديولوجيا، وعن علاقته بالتغالب والعنف الاجتماعي وحتى الطائفي، فضلا عن محنة وثائقها، إذ يحفل تاريخ المدينة السياسية كثيرا بـ»المحذوف» مقابل أسطرة السلطة ومدوناتها، وغلو ما تصنعه من خطاب هو تجسدٌ لمركزيتها، ولعنفها وسطوتها، ولطبيعة الشخصيات الموتورة، والمعطوبة، والمسكونة بعقد إخصاء الآخر، وإبراز ذكورتها وكأنها تمارس لاوعي المغازي والغنائم، عبر الغلو في ترميز مفهوم السلطة، وفي الحصول على الأعطيات، بما فيها الحصص العسكرية والمالية والأيديولوجية، فالانقلابي يصبح جنرالا، وأمينا عاما للحزب، وقائدا للجموع، مثلما يجد المعارض والمختلف وظيفته في أن يكون سجينا أو ضحية أو مخفيا أو مراقبا ومنفيا. الذكورة اللاواعية للسلطة، اكتسبت قوة ذاكرتها الرمزية من التاريخ، ومن المقدس، وهذا ما جعل علاقة السلطة بالجنس غامرة بنصوص سرية، وعبر أمكنة موبوءة بروائح البغي والفساد والانحراف والفضائح، وجعل من رموزها الانقلابية كائنات فحولية معلولة، تجد في الانتهاك الجنسي وكأنه نظير للانتهاك السياسي الذي يصطنع معه كثيرا من الإزاحات السردية، عبر تغويل الأخيلة، أو أسطرتها، أو عبر تشبيك عنف السلطة أو الانقلاب أو الحزب أو الأيديولوجيا، بالعنف التاريخي والجندري وفرضية ذكورة السلطة الدينية والاجتماعية والسياسية، ونظرتها الدونية للمرأة وتعريضها للانتهاك الجنسي والرمزي والوجودي.

مرويات الانتهاك، هي ذاتها حكايات وقصص الجسد المقتول، والهوية المقتولة، وأن الآخر لا يحضر فيها، إلا بوصفه قاتلا، أو جلادا، وأن ثنائية « الضحية والجلاد» تتحول إلى لعبة يتجاوز فيها الروائي الثنائية الفلسفية الهيغلية «السيد والعبد» إذ يتحول الانتهاك إلى فضيحة، وإلى «قتل عمد» عبر القهر الحقوقي، والاستحواذ الجنسي، وإزاحة الضحية من مركزها الاجتماعي والسياسي وحتى الجنسي» لإخضاعها إلى رهاب الهامش، حيث يتغول الجلاد عبر سلطة المركز، عبر فرضية استملاكه للمكان/ السجن/ أو عبر علاقته باللغة/ التحقيق/ الاعتراف. هذه الإحالات القهرية تكشف عن عصابها النسقي، وعن تحوّل نظامها السيميائي، عبر تحوّل بنيتها الوظيفية، حيث يكون الانتهاك سلطة، وحيث تعيش الضحية استلابه، وحيث تتحول لعبة السرد إلى مخادعة، وإلى تورية، وإلى تقويض يتسم بالطاعة والإكراه، أو التابعية، والحاجة، ونمطية الولاء، فلا عقد اجتماعي، أو اخلاقي يؤطرها، فضلا عن تحولها إلى علاقة إيهامية، تدفع باتجاه مغالبة الاعتراف القهري، بوصفه نوعا من التدمير الداخلي.
الانتهاك في السياق السردي هو فعل تدميري، عبر إفراغ الشخصية الأضحوية من قيمتها الرمزية، لتتحول إلى شخصية هامشية، منكسرة، تبحث في اللغة والجسد عن إشباعات إيهامية، تتماهى مع سجنها الرمزي، وهو ما وجدناه في رواية «الوشم» لعبد الرحمن الربيعي. رواية الانتهاك نجدها أكثر حضورا في الرواية التاريخية أو في الرواية السيرية، إذ تحضر تلك الروايات بوصفها الأكثر تمثيلا لفكرة الاعتراف، ولشخصنة وجود السارد في الصراع، وعبر صور القهر والاستبداد، والتي لا تسترها أو تفضحها سوى اللغة، إذ تكون اللغة هي النسق، والوثيقة والتقرير، مثلما هي الاستعارة والقناع و»البيت» كما يسميها هولدرن، والتي تملك أهلية التمثيل لكتابة نص الاعتراف أو كتابة الشهادة، ولصياغة تمثيلهما السردي، من خلال حمولات شتى، منها ما يدخل في ما يسمى بـ»الرواية السياسية» أو «روايات السجن» أو في كتابة المذكرات والسرد السيري، والتاريخي، ومنها ما يدخل في التمثيل الافتراضي والأنثروبولوجي لصراعات الجماعات والهويات..

كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية