الرواية المغربية من منظور النقد الثقافي

■ ضمن سلسلة دراسات وأبحاث في النقد الأدبي، وهي سلسلة محكمة يشرف عليها مختبر السرديات والخطابات الثقافية في كلية الآداب في نمسيك، وعن منشورات القلم المغربي في الدار البيضاء، صدر مؤخرا كتاب مهم موسوم بـ«آليات تشكل النسق في الخطاب الثقافي» للباحث المغربي ناصر اليديم وهو واحد من الباحثين الواعدين في حقل الدراسات الثقافية، ويقع الكتاب في 207 صفحة من الحجم المتوسط.
كان من الطبيعي أن ينطلق الكتاب من خلفية معرفية، متمثلة في النقد الثقافي ومفاهيمه وتصوراته، نظرا للنجاح الملحوظ الذي حققته في مقاربة الخطابات الثقافية، والكشف عن ما هو مضمر من الأنساق الثقافية، الثاوية خلف إنتاج النصوص الأدبية، لذلك جعل ناصر اليديم من النقد الثقافي منهجا موجها له في دراسته هذه، كما أنه لم يخف استعانته بمقاربات أخرى، حسب ما تقتضيه الحاجات التحليلية والاستدلالية.
توجّه هذا البحث إشكالية متعلقة بآليات تشكل الأنساق المضمرة في الخطابات الثقافية، وتفاعل هذه الأخيرة في ما بينها، عن طريق إظهار النسق الثقافي المشترك الذي كان وراءها، وأساسا على مستوى الكشف عن الوظيفة الدلالية للنسق، وميكانيزمات تشكله، والطريقة التي تتكون بها رموزه الثقافية بين ثنايا نصوص روائية مغربية. وكان الهدف الثاوي وراء هذا العمل هو طرح أسئلة للتفكير النقدي، بغية التوصل إلى نتائج وخلاصات دقيقة بخصوص علاقة النقد الأدبي بالنقد الثقافي، والكشف عن ارتباط المثقف بمحيطه السوسيوثقافي، كل ذلك من أجل إظهار جدارة وأهمية النقد الثقافي في دراسة النصوص والخطابات الثقافية.
وتوزعت الكتاب ثلاثة أقسام؛ الأول نظري هو تحليل الخطاب وآليات النقد الثقافي، حاول فيه ناصر اليديم التأسيس النظري والتأطير الأبستمولوجي للمفهوم منهجا وممارسة، بضبط أهم المفاهيم الناظمة له، وعلاقاته بمفاهيم أخرى كالثقافة والنقد الأدبي، وإبراز قدراته على التنقيب عن الظاهرة والكشف عن ارتباطاتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والتاريخية، والكشف عن أنساقها الخفية، كل ذلك بهدف يتمثل في جعل النقد الثقافي أرضية منهجية. وقد حاول ناصر اليديم العودة إلى المراجع الأصلية للمفهوم، وذلك ما تؤكده قائمة المراجع التي استند إليها.
أما القسم الثاني: آليات اشتغال النقد الثقافي: المنهج وطرائق التحليل، فقد قارب فيه ناصر اليديم اشتغال إدوارد سعيد بالنقد الثقافي وأدواته الإجرائية، وذلك من خلال دراسة أهم المراجع التي شكلت ملامح مشروعه، والكشف عن آليات ممارسته للنقد الثقافي، كل ذلك من أجل إظهار ميكانيزمات التحليل الثقافي، وكيف استطاع إدوارد سعيد استثماره منهجيا في الكشف عن زيف الخطابات، كما لم يفوت الباحث الإشارة للأصداء الجيدة التي خلفها لدى باحثين في كل أنحاء العالم.
في حين خصص القسم الثالث: النسق الثقافي في الخطاب الروائي، طبّق فيه النقد الثقافي على الرواية المغربية، محاولا الكشف عن النسق المشترك الذي كان وراء ثلاثة نصوص روائية، اختارها الباحث كمتن لدراسته وهي، «الهدية الأخيرة» لمحمود عبد الغني و«طائر أزرق يحلق معي» ليوسف فاضل و«بعيدا عن الضوضاء.. قريبا من السكات» لمحمد برادة، وتمثل هذا النسق المشترك في كون هؤلاء الروائيين المغاربة يفكرون بلغة ويكتبون بأخرى، ما يكشف عن هوية ملتبسة تتوارى خلف أنساقها الثقافية. ففي رواية «الهدية الأخيرة» للشاعر والمترجم محمد عبد الغني كشف ناصر اليديم كيف تسللت الدفقة الشعرية إلى النص الروائي، مؤكدا أن الدافع المحرض على خوض هذه التجربة الروائية، هو تسلح الكاتب بلغته الشعرية وثقافته التصويرية لإنتاج نصه. والأمر نفسه ينطبق على يوسف فاضل القادم من عالم المسرح والسيناريو، إذ ظل السيناريست حاضرا في النص، كخلفية مسرحية وسينمائية، من خلال التركيز على المكان كمحور للأحداث.

٭ كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية