الزعيم أردوغان

حجم الخط
4

ليس من الممكن اتهام رئيس تركيا، رجب طيب اردوغان، بالافتقار إلى الأصالة. فالمعرض الملون الذي نظمه للرئيس الفلسطيني محمود عباس أخرج تركيا عن طورها. وشيئا كهذا لم يحدث من قبل في القصر الرئاسي الجديد في أنقرة، القصر الابيض الذي كلف مئات ملايين الدولارات، وبالتأكيد لم يحدث أيضا في القصر القديم.
16 تركيا طويل القامة لبسوا الملابس التقليدية التي مثلت الـ 16 دولة التاريخية التي أقامتها الشعوب التركية في آسيا وافريقيا. وقد وضعوا على رؤوسهم القبعات التقليدية وعلى وجوههم الاقنعة وبجدية مبالغ فيها نظموا حرس شرف على درجات مدخل القصر. وظهرت على وجه عباس بشكل جيد علامات تقول إنه لم يعرف ما اذا كان يرغب أن يضحك أم يهرب، ولكن اللقاء كان مهما جدا لأنه كان سيساهم في التفاهم في مصالحة اضافية بين حماس وفتح للتغلب على مصاعب اعادة اعمار غزة.
بقي عباس واردوغان، الذي وعده بأن كل استقبال له سيتضمن هذا المظهر البازاري. وفي هذا الاسبوع ايضا تشرف الرئيس الاذربيجاني باستقبال مشابه. وبالنسبة للشبكات الاجتماعية وهي عدو اردوغان اللدود، اعتبرت هذه الاحتفالات لا داعي لها. ففي احدى صفحات الفيس بوك اقترح أحدهم تنصيب ابطال فيلم «سيد الخواتم» كممثلين رسميين للدولة. وعلق آخر بنفس الطريقة، وآخر أنزل صور مفبركة لنفس الابطال وهم موشحون بملابس الشهداء قبل الموت، وفضل ثالث ابطال «حرب النجوم» وهم يستقبلون تلك الشخصيات.
إن فرحة الشبكات الاجتماعية كانت قصيرة جدا، فبعد انتهاء المراسيم مع الرئيس الاذربيجاني أعلنت سلطات الاعلام التركية المرتبطة بمكتب رئيس الحكومة أنها لن تمنح بطاقة صحافي دائم لـ 94 صحافيا، ومنهم اكرم دومنالي وهو محرر الصحيفة الاكثر رواجا «زمان»، على الرغم من توصيات وموافقة نقابة الصحافيين. ورجال الصحافة في تركيا يتلقون نوعين من البطاقات أحدها مؤقت يمكن استعمالها لمدة عشرين سنة والاخرى دائمة تعطى لكل صحافي يعمل على الاقل عشرين سنة. لقد كان هذا انتقام آخر لاردوغان من الصحافيين المعارضين ولا سيما من الصحافيين المرتبطين بحركة «يزمت» بقيادة فتالله جولان، وهو عدو اردوغان اللدود في المعسكر الإسلامي.
إن المسيرة الضخمة التي جرت هذا الاسبوع في فرنسا وشعار «أنا شارلي» من اجل حرية الصحافة وحرية التعبير، لم تثر أي انطباع لدى اردوغان. إن قمع حرية التعبير في تركيا هو الوظيفة الاكثر أهمية لاردوغان. وسيدة تركيا السابقة، مروة فويكسرا، شعرت ايضا بنفس الشيء عندما دُعيت إلى التحقيق بشبهة الاساءة إلى الرئيس في عمود الانستغرام الخاص بها. كما أن الصحيفة الليبرالية «الجمهورية» تعرضت هي الاخرى لزيارات شرطية للتأكد من أن نشراتها لم تتضمن الكاريكاتورات التي نشرتها المجلة الاسبوعية الساخرة الفرنسية، «شارلي ايبدو»، ردا على الاعتداء على مكاتبها، هذه الزيارة الشرطية كان الغرض منها عدم نشر تلك الكاريكاتورات خشية الاضرار بالدين.
وعلى الرغم من أن اردوغان قد أرسل رئيس حكومته، اهمت دبوتالو، إلى مسيرة الزعماء في باريس إلا أن الانشغال الدولي بقتل الصحافيين في «شارلي ايبدو» واليهود في السوبرماركت ليست من اهتمامات اردوغان، وهو يدعي أن «مواطنون فرنسيون قتلوا والإسلام دفع الثمن».
والتهمة حسب اردوغان يجب أن توجه إلى المخابرات الفرنسية التي فشلت في منع الاعتداءات. هناك قدر من الصحة في ادعاءات اردوغان تجاه المخابرات الفرنسية، ولكن من المشكوك فيه أن تكون مخابراته هو قد نجحت في منع اغتيالات وعمليات جرت في بلاده. إن اردوغان قلق جدا على الإسلام والمسلمين، ولكن هناك هوة عميقة بين الدفاع عن الإسلام وبين عرض تركيا كزعيمة للعالم الإسلامي. وبخلاف ذلك يتصرف رئيس الحكومة التركية الذي في مداولاته في البرلمان مع اعضاء حزب العدالة والتنمية، حزب السلطة الإسلامي، قال «إن اولئك الذين يريدون اثارة النفوس ضد الإسلام أرادوا أن لا يروا في المسيرة في فرنسا أي زعيم مسلم لكي يتمكنوا من القول لجمهورهم: «أنظروا إلى المسلمين الذين يؤيدون سرا هذه الاعتداءات ولهذا فهم جميعا جزءً من المشكلة». إن حضورنا هناك منع هذه التهمة ضد أبناء شعبنا الذين يسكنون في اوروبا وضد 45 مليون مسلم يعيشون في القارة. لقد نقلنا رسالة إلى المسلمين في اوروبا تقول أنتم لستم وحدكم، إننا من ورائكم».
جنون العظمة ليس جريمة، ولكن من المهم جدا أن يمثل هؤلاء المسلمين وزير الخارجية المصري ووزير خارجية البحرين والجزائر الذين شاركوا في المسيرة.
ويبدو أن هذه هي الاستراتيجية الجديدة التي يتبناها اردوغان، لأن الرئيس التركي لا يستطيع التفاخر بتمثيل العالم العربي (حيث أن بلاده ليست دولة عربية وعلاقتها مع معظم الدول العربية غير سوية). إنه يتطلع إلى قيادة الدول الإسلامية. ولكن هنا ايضا سيجد منافسين لا يأخذونه في الحسبان في هذا السياق مثل السعودية وايران. فتركيا ما زالت تعتبر في ميثاقها كدولة علمانية، ولا يستطيع زعيم دولة علمانية أن يكون زعيما للعالم الإسلامي.
إن الدفاع عن المسلمين بالنسبة لاردوغان ليس معزولا عن الهجوم على إسرائيل. فبعد أن وصف عملية «الجرف الصامد» بأنها إرهاب دولة، أخذ يشوه رئيس الحكومة نتنياهو عندما عبر عن استغرابه من وجود «الإرهابي الإسرائيلي» في مسيرة باريس. «يصعب أن نفهم كيف تجرأ نتنياهو على الذهاب إلى باريس. فعليه أن يمثل للقضاء على آلاف النساء والاطفال الذين قتلهم. كيف يمكن رؤية هذا الرجل يلوح بيده وهو يقود إرهاب دولة ويقتل أكثر من 2500 انسان في غزة». هكذا أرعد اردوغان. وأضاف رئيس حكومته أمس القليل من هذا السم عندما ساوى نتنياهو بالقتلة في فرنسا.
من الصعب أن تنطلي علينا اتهامات اردوغان لنتنياهو ومن الصعب مقارنة هذه الادعاءات التي يوردها اردوغان باعمال الذبح والطرد والاقتلاع التي ينفذها الجيش التركي على مدى سنين طويلة ضد الاقلية الكردية. لكن هذه المقارنة تضليلية، ويمكن أن تُنسب إلى جيوش امريكا وبريطانيا وفرنسا. إن حسابات اردوغان مع إسرائيل لا علاقة لها بما حدث في فرنسا. وعداءه لإسرائيل لم يولد في عهد نتنياهو. بل إن أسس هذا العداء ولدت منذ عملية «الرصاص المصبوب» التي توقفت بعدها تركيا عن التدخلات السياسية.
وصدق نتنياهو في ادعائه أن أحدا لم يأت للدفاع عنه ضد اتهامات اردوغان، ولكن هذه حسابات اخرى. كان افضل لنتنياهو أن يفحص اسهامه في هذه الازمة. إن ما يقلق مواطني تركيا ليس الحوار المتكدر بين اردوغان ونتنياهو، فبعد خمسة اشهر من انتخابه للرئاسة يحث نتنياهو مسيرة السيطرة على الدين والدولة. فمثلا هو يدعم قانون يمنح النساء امتيازات مالية واجازات اطول وأن يحظى الرجال ايضا باجازات ولادة. وطلب اردوغان من النساء في تركيا أن تلد على الاقل ثلاثة اولاد، ويدعم الاتفاق الموقع بين السلطات للشؤون الدينية وبين وزارة الصحة الذي حسبه يقوم رجال الدين ويوعظون ويعملون في المستشفيات من اجل رفع معنويات المتواجدين في المستشفى.
وربما تحظى وزارة الصحة بميزانيات اكثر والسلطات الدينية تتمتع بميزانية سنوية تبلغ مليار دولار، وهي ما يعادل حجم ميزانية وزارة الصحة وميزانية عدة وزارات اخرى مجتمعة.
وطالما كان هذا هو الوضع فما العجب أن يقوم رئيس سلطات الشؤون الدينية بالسماح لنفسه بالسفر في سيارة يزيد ثمنها عن 400 ألف دولار؟ وبعد تسعين سنة من مصطفى كمال اتاتورك اقامت السلطات للشؤون الدينية مؤسسة تربط بواسطتها الدين بالدولة.
وهكذا تكون قد اكتملت الدائرة وعاد الدين ليفرض نفسه على الدولة في تركيا. ولا حاجة إلى كبح صافرات الانذار: فالى الجنوب قليلا من تركيا، في إسرائيل تجري مسيرة مشابهة يتحول فيها الدين إلى رمز الشخصية الوطنية.

تسفي برئيل
هآرتس 16/1/2015

صحف عبرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول prof.mohamad Damascus:

    اردوغان يا سيد الرؤساء حياك الله .لقد احرجت المنبطحين

  2. يقول م حسن:

    نيتنياهو يفضل أن يقتل الشباب بعضة البعض , لمصالح الجالسين علي الكراسي المرفهة . التطرف لا يولد إلا التطرف .

  3. يقول حراحشة -المفرق:

    تركيا اقرب الى الشعوب العربية من حكوماتها الصديقة (لاسرائيل). تركيا الى الاما م السعودبة لا يمكن ان تكون ولن تكون الرائدة في العالم الستي وكذلك الحال يل مغفل بالنسبة لايران لانهما بعدين عن الشعوب العربية.. الى الامام تركيا.

  4. يقول حراحشة -المفرق:

    (وبعد تسعين سنة من مصطفى كمال اتاتورك) اتاتورك مات وصارت اعظامة مكاحل والآن الاسلامبون في السلطة والقادم اعظم. وتلك الايام نداولها بين الناس ابامكم قليلة

إشترك في قائمتنا البريدية