بخلاف الانطباع الذي قد يؤخذ من تقارير وسائل الإعلام، لا بشائر لمفاوضات على تحرير المخطوفين. المظهر في جهة والجوهر في جهة أخرى: في ما يتعلق بالمظهر، كل الشركاء في المفاوضات بذلوا جهداً هذا الأسبوع. الرئيس بايدن قال إنه يأمل تحقيق اتفاق حتى يوم الإثنين؛ وإسماعيل هنية قال إن حماس أبدت مرونة حرصاً على الشعب الفلسطيني؛ وإسرائيل بعثت بوفد إلى قطر لمواصلة الاتصالات؛ أما الرئيس السيسي ورئيس وزراء قطر محمد آل ثاني فقد بثّا تفاؤلاً حذراً.
كل تحدث إلى جمهوره: بايدن إلى المسلمين في ولاية ميشيغان الذين يهددون بطرده من البيت الأبيض، وهنية إلى العالم العربي، وكذا إلى سكان الضفة وغزة الذين يطالبون بوقف القتل والمعاناة؛ والسيسي وآل ثاني أرادا أن يذكرا الجميع، بما في ذلك الإدارة الأمريكية، من يستحق الثناء؛ وحكومة إسرائيل، كعادتها، تحدثت بعدة أصوات.
عملياً، يشعر السنوار أن بوسعه أن يسمح لنفسه بمزيد من التمديد: لديه ذخائر في اليد، وهو لا يسارع إلى التخلص منها. لا يزال لديه أمل بأن تشتعل النار الذي أضرمها إلى حرب كبرى، إقليمية، حرب تضعه في التاريخ الإسلامي إلى جانب صلاح الدين.
نتنياهو هو الآخر يشعر بأن بوسعه تمديد الحال أكثر. فهو يعرف بأن الثمن السياسي والأمني للصفقة باهظ جداً. وهو لا يسارع إلى دفعه. ولا يريد أن يسجل الثمن على اسمه.
الوفد الذي سافر إلى قطر تلقى تفويضاً بالبحث في عناصر المساعدات الإنسانية، وليس أكثر من هذا. المستوى الفني ليس أكثر. لن يأتي الخلاص منه.
كل شيء يتوقف عن السير، باستثناء الساعتين اللتين تنصبان أمامنا – ساعة حياة المخطوفين وساعة رمضان. ودقهما ينذر بالشر. هذا لا يعني أنه إذا لم يتحقق اتفاق في الأسبوع الذي أمامنا، كل شيء ضائع، وسيترك المخطوفون لمصيرهم يموتون، وستبدأ انتفاضة ثالثة في “المناطق”– لكن للتأجيل ثمناً، بالدم والنار.
الجانب الأمريكي ليس أقل إقلاقاً. لقد اعتدنا على التفكير بأمريكا بتعابير عائلية: دور الرئيس أن يدعمنا، ويحبنا، ويصرخ علينا عند الحاجة. نتلقى السلاح والإسناد الدولي، واليهود يساهمون بأصواتهم في الولايات الأساسية، وبالمال لصناديق تمويل الانتخابات. قد تقع المواجهة عندما نعرض للخطر مصلحة أمريكية عالمية، مثلما في الجدالات مع كيسنجر إبان وبعد حرب يوم الغفران، ومثلما في حرب سيناء 1956.
الوضع مختلف هذه المرة. يبدأ من طريقة الانتخابات المعقدة التي رتبها الأمريكيون لأنفسهم. وثمة أصوات انتخابات تحصى إقليمياً يكون الفرق بين المرشحين صغيراً في ولايات مثل ميشيغان التي تعيش فيها أقلية إسلامية كبيرة؛ ومثل فلوريدا، وهي ولاية أساسية أخرى، يمكن لأصوات اليهود تحديد هوية البيت الأبيض، على نمط أصوات المسلمين في ميشيغان أيضاً. في السنوات الأخيرة، قام جيل إسلامي شاب في ميشيغان، جيل سياسي ومناهض لإسرائيل. يحتل ممثلوه مواقع رفيعة المستوى في الحزب الديمقراطي. وقد ضعوا المقترعين الانتخابات التمهيدية إلى الأخذ بخيار “غير ملزم” كاحتجاج على دعم بايدن لإسرائيل في الحرب في غزة.
لقد نجحت الحملة إلى ما يتجاوز التوقعات: 130 ألف مقترع ديمقراطي أيدوها. الصفعة التي تلقاها بايدن دوت على طول الساحة السياسية وعرضها. شهدت على صعود لوبي سياسي جديد، ناجع وسام؛ وشهدت أيضاً على نفور يشعر به الكثير من الأمريكيين أمام الصور القادمة من غزة. بايدن يحب إسرائيل ويخاف عليها حقاً. لكن لا نية عنده ليخسر الانتخابات بسببها. هذا تهديد وجودي.
قال نتنياهو هذا الأسبوع إن 80 في المئة من الأمريكيين يؤيدون إسرائيل في الحرب. ولكن مراسلنا إيتمار آيخنر أوضح بأنها خدعة وتلاعب. 80 في المئة يؤيدون إسرائيل حين يُسألون: من تؤيدون.. إسرائيل أم حماس؟ هذا لا يعني أنهم يؤيدون استمرار القتال.
ما الذي يرفضه بايدن؟ أولاً، هجوم واسع على رفح يعرض حياة قرابة مليونين من السكان للخطر ممن نزحوا إلى هناك، ويوفر صوراً قاسية تبثها شاشات التلفزيون والشبكات الاجتماعية؛ ثانياً اتساع الحرب في الشمال؛ وثالثاً خطوات استفزازية من اليمين في الحرم والقدس والضفة.
الموضوع الثالث يستوجب إيضاحاً. القرار الأخير ببناء 3 آلاف وحدة سكن أخرى في الضفة علل الحاجة لمعاقبة حماس عقب عملية الإرهاب. هذا لم يؤثر على حماس بالطبع، لكن إدارة بايدن عرضت نزوات حكومة إسرائيل.
القنصلية الأمريكية في القدس مسؤولة عن الضفة. وتقاريرها حول أعمال فتيان اليمين ضد العرب قاسية. أقساها تقارير عن أعمال المنظومة التي بناها سموتريتش، بصفته وزيراً في وزارة الدفاع. سموتريتش يكافح غالانت ومنسق الأعمال في المناطق و”الشاباك” للسيطرة على السكان والمنطقة. وهو يعتزم تعيين نائب رئيس إدارة مدنية، يمسك الصلاحيات المتعلقة بالمستوطنين اليهود. ويعمل بن غفير بطريقته الخاصة، بواسطة الشرطة. كل هذه الخطوات تضر بالأمن وبالإدارة الأمريكية وبمكانة إسرائيل في المنظمات الدولية وفي الرأي العام الغربي على حد سواء. نتنياهو لا يرى لنفسه مفراً غير الانجرار وراء سموتريتش وبن غفير.
شرع الأمريكيون بمسيرة تفرض عقوبات على نشطاء اليمين. الأربعة الذين اختيروا هم الأوائل في قائمة متنامية. والمسيرة تتطلب وقتاً. لاحقاً، سيصلون إلى نشطاء مركزيين في أحزاب اليمين.
ماذا يريد بايدن؟ صفقة مخطوفين، ووقف نار، ومسيرة إعمار غزة، ومفاوضات على إقامة دولة فلسطينية وحلف إقليمي حيال إيران، بهذا الترتيب إلى هذا الحد أو ذاك. والبيت الأبيض يعمل على خطابه الذي سيفصل هذه التطلعات. الفكرة الأساس هي خلق محور التفافي لنتنياهو لدى الرأي العام في إسرائيل، ومحور التفافي لأبو مازن في المناطق وفي العالم العربي. ولكن ما الذي سيحققه الخطاب إذا تأخرت صفقة مخطوفين.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 1/3/2024