كانت رشيدةُ، حين يغْشى الليلُ.. تُسْدِلُها..
وتوقدُ شمعةً لعشائِنا..
ــ«أكبادُنا» كبِرُوا.. وطارُوا..
نحنُ عدْنا مثلما كنّا.. ولا حِسٌّ ولا جرْسٌ.. وأنتِ جميلةٌ..
بل أنت أجملُ يا رشيدةُ.. كلّ يومٍ..
«أنتِ أيّتها الحَبِيبُ..»
ـ أنَا.. وكيفَ؟ وَبِي من السرطانِ.. يجْري في دَمِي..
بقوائمِ الحيوانِ.. مَا بِي..
ـ تلكَ؟ ذكْرى من حَليبِ الضوءِ.. تلكَ؟ يَمَامةٌ طارتْ..
دَعِي الأشياءَ تُكمِلْ نقْصَها الأبديَّ.. وهو كمالُها..
وَلْنَحْتفِلْ بحياتِنا..
ـ ما كنتُ أحْسَبُني أُسائلهُ بِصِيغةِ مُفْردٍ أبداً..
ـ كَذَا الأشياءُ.. زَوْجٌ كلّها:
الأرضُ زَوْجٌ.. والسماءُ.. الليلُ زَوْجٌ.. والنهارُ.. الصيفُ زَوْجٌ.. والشتاءُ…
أنَا.. وأنتِ..
الآن وحْدي.. نحنُ لم نهرمْ.. كما كنّا تعاهدْنا.. معا..
الموتُ خانَ.. وَفُتِّني..
وحْدي.. سريري باردٌ.. وَبَلاطُ بيتكِ كالجليدِ.. أسيرُ فيه على وريدِي..
كيْ أطلَّ عليك من خلَلِ الستائرِ..
هلْ أرَى في «ليْليَ النجْديِّ» أعني «لَيْلِيَ الكِنْديِّ» إلاّ طيْفَ غيمٍ
يشبهُ امرأةً بثديٍ واحدٍ؟
أأقولُ عطرُ الصمتِ؟ زنبقةُ الشفاهِ؟
تُرَاهُ ظِلٌّ مِنكِ يَحْلُمُنِي ويُزْهرُ في فمِي؟
أأقولُ إذْ يُرْخِي النهار سُدُولَهُ في القيروانِ عليَّ؟
ما قد قلتُ إذْ كُنَّا معاً..
هذي الغُيومُ السابِحاتُ.. المَاطِرَاتُ..
كأنّهنَّ مُحارِبَاتُ الآمَزُونِ يَثِبْنَ..
يكتبُهنَّ ماءُ الليلِ في لَوْحِي؟
وهلْ تُخفي الستائرُ غيرَ ما تطْوِي السرَائرُ.. غيرَ ما تجلوهُ
إذْ تنزاحُ لي؟
٭ ٭ ٭
كانتْ رشيدةُ.. حينَ تحتجبُ السماءُ..
وحينَ يغسلُ لاذِعُ الأمطارِ سطحَ الدارِ.. تُهْرَعُ نَحْوها
فتُزيحُها.. مأخوذةً مثلي بأستارِ المياهِ على الحديقةِ مُرْسَلاتٍ..
مثلَ إجْراسِ الطيورِ ونَقرِها..
لكنْ ربيعُ العامِ أمطرَ.. وهو أبيضُ.. مثل موتكِ..
فُتّني.. فالذكرياتُ البِيضُ لِي..
والموتُ ليس سوى صراطٍ مستقيمٍ.. سوف أعْبُرُهُ وحيداً..
ما الذي تُخْفِي تصاويرُ الستائرِ لي؟
مَفَازاتٍ.. وأنْهَاراً؟
أَغِزْلاناً وأقْمَاراً؟
أماساً؟ أم لآلئَ؟ أم نجوماً؟ أم حِجَاراً؟
ما الذي تُخفيهِ لي؟
٭ ٭ ٭
هذي الستائرُ.. لم تَعُدْ لي..
كيف أُسْبِلُها.. وأُرْخِيها.. وأُرْسِلُها.. إذنْ؟
وأنا أرَى يَدَكِ الرحيمةَ.. وَهْيَ من خلْفِ الزجاجِ..
تُزيحُها.. حيناً.. وتُسْدِلُها.. لنا.. حيناً..
أتُخْفِينِي الستائرُ أمْ تُرى تُخْفيكِ؟
تَجْلُوني الستائرُ أمْ تُرى تَجْلُوكِ لي؟
شاعر تونسي
قصيدة رثاء رائعة الشكل والمحتوى حيث ﻻزالت المرحومة رشيدة تعيش مع اﻻستاذ المنصف كل تفاصيل حياته
شعر رثائي جميل وانسيابي إلى حد المباشرية في التعبير
ولكن هناك بعض المفردات أراها في غير محلّها صورةً ووقعًا
كمفردة “لاذع” في السطر: (وحينَ يغسلُ لاذِعُ الأمطارِ سطحَ الدارِ)
على سبيل المثال لا الحصر
كل التقدير والتحية للسيدة رشيدة السكاكيني على الملاحظة الذكية واللامعة
شكرا أختي نينار،
الشعر أذواق أنا كقاريء أرى أنّ ( لاذع الأمطار ) له جرس محسوس أكثر من ألفاظ أخرى.لأنّ اللاذع مع الحزن يعطي
نكهة الجرح.شكرا الوهايبي المبدع.
تحية طيبة للأخت رشيدة السكاكيني على بعض المقترحات النقدية
وتحية طيبة أيضا للأخ منصف الوهايبي – وكم كنت أتمنى أن أرى رأيه فيما طُرح