مِنْ بيتِنا الريفيّ «بيتِ الماءِ».. لي
هذا المُسجّى.. كنتُ قد أسمَيْتُه يوما سريرا.. تَذْكُرينَ سريرَنا؟
لم تسألي يومًا.. ولا أنا..
إنْ يكنْ من قَيْقبٍ.. من سَوْحَرٍ.. خَشَبٍ.. ومن سَرْوٍ.. وساجٍ..
أو حجرْ
مُتسلّقَيْنِ به عناقيدَ البروق مُبلّليْنِ.. أتَذْكُرينَ؟
كأنّهُ أضلاعُنا.. كبداً وقلباً طائراً..
أرضاً.. ولحماً..
كنتُ أولدُ فيه طفلاً، ثمّ زوجاً؛ ثمّ شيخاً..
والسريرُ صديقُنا الأوفى، نُسِرُّ له المحبّةَ أو نُسِرُّ له الندامةَ..
والسريرُ سريرتي..
ليلي معا..
ليلي معي..
ليلي معكْ
بيتي وتابوتي السريرُ؛ وما أنا اسْتودعْتُه من سرّنا، (اسْتودعتِهِ) واسْتودَعَكْ
والبيتُ؟
هل كنّا بنينا البيتَ من أجل المطرْ؟
٭ ٭ ٭
كنّا كما الأسماك تقفزُ في الرمالِ.. أو المياهِ..
بنا من الأسماكِ بهجتُها..
من الأسماك خفّتُها..
على هذا السريرِ.. أتَذْكُرينَ؟ اليومَ .. مُطّرحٌ به.. من حيثُ أبدأُ.. أنتهي..
اليومَ أقرأ في السرير يديّ طفلا..
ثمّ قلباً طاعناً..
هل صارَ كالصندوقِ لي هذا المُسَجّى؟ صرْتُ أَدْفُنني بهِ؟ أم صرْتُ أُحْرَزُ فيه؟
أحيانًا أقولُ لعلّه فرحٌ كقبركِ.. حيث لا موتٌ، فَيحضرَ مرّة أخرى..
وأحيانًا أقولُ سريرُنا هذا.. حزين مثل عشّ الطير؛ إذ زُغبُ الحواصل طِرْنَ..
كيف تركتني وحدي؟
ولا ماءٌ يُرشُّ عليه.. لا ظلٌّ ولا فيءٌ.. سِوَى
مُتَمَاطِرٍ في النومِ أو في الحلمِ.. مِن حزني عليك تُراهُ؟ أم حزني عليّ؟
له أنينُ مَحارةٍ ورنينُها.. نسْجُ العناكب والطحالبِ؛
وهو يُمطرُ ليلةً.. ويكفُّ أخرَى..
خيطُ ذكرًى من تنهّدِ عاشقينِ.. على سريرِ الماءِ.. أيْبسهُ الجليدُ بياضيَ الأعمى..
وأنتِ بعيدةٌ فقريبةٌ فبعيدةٌ.. جسداً ضباباً..
في رذاذٍ.. في بياضٍ.. في ضبابٍ من شجرْ
٭ ٭ ٭
لوْ تخرجينَ الآن من جَدثِ القصيدةْ
ويدورُ لي هذا الفلكْ
ويدورُ بي
فأقولَ لكْ:
شكرًا لهذا الموتِ علّمني أراكِ إذنْ
وعَلّمني أحبّك أنت أكثرَ
يا رشيدةْ
كاتب وشاعر تونسي
يا للشجون أيها المنصف، هكذا ينصف الشعر الميتين ويحيطهم بذاكرة المحبين
روح المحب المخلص شاعرنا الكبير منصف الوهايبي، تخاطب روح حبيبته ورفيقة دربه الفقيدة رشيدة.
ربي يصبرك أستاذنا العزيز
شكرًا للقدس العربيّ التي أتاحت لنا قراءة هذه القصيدة المليئة بالشجن والحزن وهيبة القدر.لم أستطع أنْ ( أتخيّل ) صاحبة القصيدة إلا وهي تسمع معنا مواجيد صاحبها مثلنا سواء…لأنّ الشهداء أحياء.تذكّرشاعرنا نزار قبانيّ ورحيل زوجته بلقيس الراويّ فحوّلها إلى قصائد…إنّ زوجة الشاعر بالنتيجة هي قصيدة خالدة المعاني.وهكذا أراد القدر أنْ تكون { رشيدة } قصيدة ( الكأس الأخيرة ) للشاعر منصف الوهايبيّ.أثابك الله صبرًا جميلًا ؛ أيّها المبدع: شعرًا ونثرًا.وإليك مني هذه الأبيات: { هو الموت لا يحنو ولن يتوجّعا…..وما هاب بأسًا أو تقبّل شافعا }.{ فلا بدّ من أنْ كلّ نفس تذوقه…..
شرابًا مريرًا غصّة وتجرّعا }. { فأحَزن مسرورًا وكدّر صافيًا…..وراع قلوبًا ؛ ما ألفنَ الفواجعا }.اكتب شعرًا ونثرًا؛ فالحزن كالحبّ؛ بركان العطاء والوفاء أبــــدًا؟
ثانية يعود منصف الوهايبي إلى موضوع يسير على جمره بخطى عاشق ملتاع،وهو يتفقد نصفه الآخر في عزلته الجديدة،مستعيرا من الأمكنة مشتركات فاعلة في تكريس ذلك الحضور في أفق الغياب.نحن بانتظار نصوص أُخر يتمم الشاعر بها مرثية عشقه المفقود بلغة ناضحة بالحنين،وإيقاع آسر منح النص حضورا لافتا في موضوعه.
جزيل الشكر للدكتور جمال والدكتور رعد والصديقين ضياء ومحمود هذه القصيدة جزء من مشروع شعري مداره على زوجتي الراحلة الغائبة الحاضرة