رام الله ـ «القدس العربي»: قدم الأسبوع الأول الذي أعقب «قمة العقبة الخماسية» على الأقل حدثين مركزيين يحملان مؤشرات سلبية صادرة عن السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية فيما يخص تعاملها مع الأصوات المعارضة لنهجها وسياستها، إلى جانب مجموعة من التصريحات والتعليقات على لسان مجموعة من المسؤولين الذين رحبوا بالصوت المعارض على اعتبار أنه حاجة مهمة، والسفراء والقادة الحزبيين من الصف الثالث الذين قالوا للمعارضين لقمة العقبة وللمدافعين عن حالة المقاومة الراهنة أنه: «عندما تذهب دباباتكم إلى تل أبيب من أجل تحريرها خذونا معكم».
يتعلق الحدث الأول بموقف شعبي متجاوز للجغرافيا الفلسطينية المقسمة احتلاليا، موقف رافض لقمة العقبة ويعتبر الصفقة التي سبقت القمة مع الولايات المتحدة تشكل تراجعا عن الحقوق الفلسطينية، أما الحدث الثاني فيتعلق بالموقف المقاوم والحالة النضالية التي تشهدها الضفة الغربية، وهو حدث يرتبط بظهور كتائب مقاومة جديدة ظهرت خلال الأسبوع الماضي في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية.
القمع والمنع لحراك جذري
في تفاصيل الحادثة الأولى قامت الأجهزة الأمنية الفلسطينية، للمرة الثانية، بالعمل على منع عقد مؤتمر صحافي لـ «المؤتمر الشعبي الفلسطيني 14 مليون» عبر إغلاق مكتب التحالف الشعبي، ومن ثم منع دخول حشد من أعضاء المؤتمر لمقر تلفزيون «وطن» من أجل تلاوة بيان صحافي.
وحول حيثيات المؤتمر الممنوع فإنه كان يهدف إلى الإعلان عن مذكرة وقعت عليها 150 شخصية سياسية واجتماعية تدعو إلى انعقاد المجلس الوطني، وإجراء انتخابات شاملة، والتخلص من أوسلو، إلى جانب إعطاء موقف من اجتماع العقبة واعتداءات ميليشيات المستوطنين في حوارة وريف نابلس.
وحسب القائمين على المؤتمر فإن المذكرة أو البيان الذي كان يهدف إلى إطلاع الرأي العام عليه كان يدين سحب مشروع القرار الفلسطيني من مجلس الأمن، وجريمة الاحتلال في نابلس، ويطالب بإلغاء الاتفاقيات الأمنية واتفاق أوسلو، والعودة إلى الشعب لإجراء انتخابات عامة.
وحمل البيان أربعة مطالب وفكرة منعه عملت على مضاعفة انتشاره كنتيجة عكسية لفعل المنع وممارسات القمع، حيث جاء في البند الأول مطلب إنهاء ظاهرة التفرد بالقرار الفلسطيني، والعودة إلى الشعب لإجراء الانتخابات التي نص عليها إعلان الجزائر، وثانيا ضرورة الالتزام بقرارات الإجماع الوطني بوقف التنسيق الأمني وإلغاء أية التزامات باتفاقات أوسلو سياسياً واقتصادياً وأمنياً. وثالثا، إعادة بناء م. ت. ف. وكل النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية، أما البند الرابع فنص على ضرورة مغادرة نهج أوسلو لصالح إستراتيجية وطنية عنوانها الوحدة والمقاومة والصمود على طريق إنجاز حقوق شعبنا بالعودة والتحرير.
بدورها استنكرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان «ديوان المظالم» ذلك المنع واعتبرت منع أفراد الأمن عقد لقاء في قاعة مغلقة وحرمان ممثلي المؤتمر الشعبي من عقد لقائهم ومؤتمرهم الصحافي، يشكل انتهاكاً لحق المواطنين في التعبير عن آرائهم بحرية (المادة 19 من القانون الأساسي) وانتهاكاً لحقهم في المشاركة السياسية، وفي عقد الاجتماعات الخاصة دون حضور أفراد الشرطة أو حتى إشعارها بالاجتماع (المادة 26 من القانون الأساسي).
وطالب الهيئة مجدداً أجهزة إنفاذ القانون والسلطات الرسمية باحترام حرية التعبير وحرية العمل الصحافي، فالاعتداء على الحريات الأساسية التي يكفلها القانون الأساسي جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم (المادة 32) من القانون الأساسي ووثيقة إعلان الاستقلال، ويتعارض مع التزامات دولة فلسطين المترتبة عليها بموجب انضمامها لاتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وتبدو الواقعة الأولى حاملة لمؤشرات وبوادر قمع تتجاوز أطراف المعارضة السياسية مثل حركة حماس التي تمنع من ممارسة أنشطة سياسية في عموم مناطق الضفة الغربية، وهي تحمل مؤشرات على أن النظام الحاكم لا يتحمل صوتا فلسطينيا متجاوزا للحالة الحزبية التقليدية المتكلسة والتي تطالب بأبجديات العمل لتوحيد الفعل الفلسطيني.
ويمكن للمتابع أن يشعر بالحيرة في ظل أن السلطة وأجهزتها ذاتها سمحت بانطلاق مسيرة دعت لها مجموعة من فصائل العمل الوطني والإسلامي على دوار المنارة وسط مدينة رام الله وأعلنت موقفا رافضا لقمة العقبة حيث وصفتها بإنها «القمة الأمنية» وأنها تهدف إلى تصفية المقاومة الفلسطينية.
«بروفا» الحرب الأهلية
أما المثال الثاني المتعلق بالموقف الأمني من حالة المقاومة الحالية تلخصها مجريات الأمور في منتصف الأسبوع الماضي التي وقعت في مدينة طولكرم، وتحديدا في مخيم نور شمس شرق المدينة، حيث طالبت ما بات يعرف بـ«كتيبة طولكرم» عناصر الأمن الفلسطيني بالتوقف عن ملاحقة المقاومين.
وجاء في البيان الذي نشرته «الكتيبة» عبر قناتها في «تلغرام»: «كُفّوا عن ملاحقتنا ومتابعتنا، نحن لا نشكك في وطنيتكم ولكن قيادتكم لا ثقة لنا بهم». وأضاف البيان: «يا من سبقتمونا في رسم الطريق، وكنتم أول من حمل السلاح ومعظمكم من الأسرى المحررين. كيف نهون عليكم ونحن إخوتكم الذين نشأنا وكبرنا على قصص بطولاتكم؟».
وعلى أثر ملاحقة أجهزة أمنية فلسطينية نهاية الأسبوع الماضي لقائد الكتيبة اندلعت احتجاجات في مخيم نور شمس بطولكرم، تخللها إغلاق طرق رئيسية، وإشعال للنيران.
واعتبر نشطاء ومراقبون أن ما جرى في المخيم هو بمثابة «بروفا» لما يمكن أن يحدث فيما لو استمرت الأجهزة الأمنية في استهداف حالة المقاومة كجزء من التزامها بجهود خفض التصعيد.
ومما ذكر في بيان الكتيبة: «حتى وإن رفعتم سلاحكم علينا وقتلتمونا فلتقطع أيادينا إن رددنا بالمثل فنكون كمن قتل نفسه مرتين ولن تقسى قلوبنا عليكم ولن نحتسبها عند الله حتى لا ينتقم منكم فتذرف دموعنا عليكم ونصبح خُصماء عند لقاء الرحمن فنحن أبناء مدينتكم».
وتابعت الكتيبة في بيانها: «قوات الأمن الوطني أنتم الجيش الفلسطيني كونوا كما يجب أن تكونوا وأنتم يا أبطال الأمن الوقائي يا من سبقتمونا في رسم الطريق وكنتم أول من حمل السلاح ومعظمكم هم من الأسرى المحررين كيف نهون عليكم ونحن إخوتكم الذين نشأنا وكبرنا على قصص بطولاتكم ونحن الامتداد الشرعي لنضالكم؟».
ويعكس الحدثان مظهرين وتعبيرين شعبيين بعيدين كل البعد عن الفصائل والقوى الوطنية التقليدية وهما مظهران يعكسان جانبا مهما من موقف الشارع الفلسطيني.
في الجانب الأول هناك حالة كبيرة من عدم الرضا من منظمة التحرير ونهج السلطة الوطنية الفلسطينية المرتبط بنهج أوسلو انعكس في مطالب شعبية متجاوزة للحدود الفلسطينية التقليدية حيث يعبر التحالف الشعبي عن نفسه بإنه يسعى أن يكون ممثلا للفلسطينيين في كل العالم أي بعددهم البالغ 14 مليونا، وهو أمر وأن بدا فعلا نخبويا لكنه كما يظهر فإنه يحمل بداخله ما يخيف السلطة في ضوء طبيعة المطالب التي يتبناها وينادي بها، وحسب أحد القائمين على التحالف فإن المشاركين والأعضاء «ليسوا على مقدار اليد بالنسبة للسلطة الفلسطينية» إنما هم تعبير عن «اتجاه جذري يحاول أن يقلب الطاولة في مشهد النظام الفلسطيني المأزوم».
إلى جانب ذلك تعكس ظاهرة المقاومة الحالية وهي بدورها متجاوزة للعمل الحزبي والتنظيمي التقليدي أكبر حالة اتفاق وتأييد فلسطيني في لحظة كالتي تمر بها القضية الفلسطينية، حيث تعاني الانقسام والتراجع وضعف الخيارات وقصور الموجود منها.
وحسب آخر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ما بين 7-10 كانون أول (ديسمبر) 2022 في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة فإن من يؤيد ظاهرة المقاومة المسلحة بلغ 72 في المئة، وهؤلاء يؤيدون تشكيل مجموعات مسلحة مثل «عرين الأسود» لا تخضع لأوامر السلطة الفلسطينية، فيما نسبة 87 في المئة من المستطلعين يعتقدون أنه لا يحق للسلطة الفلسطينية القيام باعتقال أفراد هذه المجموعات المسلحة.
إعادة بناء الحركة الوطنية
ويعلق في هذا السياق الكاتب والمحلل الفلسطيني زكريا محمد على الواقع الفلسطيني من نقطة انتصار المشروع الاستيطاني في الضفة حسب وصفه، فهو يرى أن ما جرى في الضفة الغربية خلال العقدين الماضيين انعكاس لحالة الهدوء وعدم المواجهة التي منحت المستوطنين كل الوقت لتكريس مشروعهم.
ويكمل معتبرا أنه ما لم يجر إبعاد النخبة الفلسطينية التي قادت الضفة الغربية، ودمرت بنيتها التنظيمية عبر القمع وأجهزة الأمن وعبر التلاعب بالمال، فسوف تكون الهزيمة الكاملة هي ما ينتظرنا.
ويشدد أنه «لم يعد لدينا وقت، علينا أن نعيد تجميع شتاتنا. علينا ان نعيد الاستقلال لحركتنا السياسية، ولمنظماتنا الشعبية التي حولوها إلى فروع تابعة للأجهزة الأمنية، علينا أن نعيد بناء هيكلنا القيادي كله، على أسس جديدة، وأن نستعد لخوض معركة طويلة ومريرة». واعتبر الكاتب محمد في مطلب إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية على أسس جديدة بالمهمة المطروحة الآن، ويكمل: «بالأشلاء الممزقة الحالية التي تبقت من حركة فتح ومنظمة التحرير ليس لنا أي أمل. سننتهي. سيكون أقصى أمانينا أن يوقف نتنياهو نقاش تأسيس مستوطنات جديدة لمدة ثلاثة أشهر، لقد وصلنا إلى الحضيض».
لا تستطيع حتى إدانة الحدث ال بعد اذن
إسرائيل، لا يهمهم إلا المناصب و الكراسي.
يستهزؤن بالمقاومة اين هي الدبابات التي
جئتم بها حتى تذهب إلى تل أبيب، على الأقل
الشرفاء الأحرار يقاتلون بما في أيديهم و أنتم
اين تقاتلون، لم نسمع يوما عن أحد منكم
سقط شهيدا. من هنا نعلم. اعتذروا للشعب
الفلسطيني و ارحلوا افضل لكم.