السلم الروسي

حجم الخط
0

‘مشروع الحل الوسط الذي أعده الروس يشكل سلما يسمح لكل الاطراف بالنزول عن الاشجار التي تسلقوها. فمن جهة، يمكن لبشار الاسد أن يواصل الحفاظ على الحكم في سورية، وايران وروسيا يمكنهما أن يحميا جملة مصالحهما في الشرق الاوسط، وكسب سمعة دبلوماسية وتعزيز مكانة دولية. ومن الجهة الاخرى، ستخرج اسرائيل عن نطاق الخطر من السلاح الكيميائي السوري. اما ناشطو القاعدة، الذين لا يرغب احد في عزتهم، فلن يتمكنوا من السيطرة على سورية حاليا. ولن يضطر اعضاء الكونغرس الامريكيون الى الحسم بشأن حرب أخرى في الشرق الاوسط، تجدهم غير معنيين فيها. واوباما لن يضطر الى العمل خلافا لمذهبه الليبرالي، وبالمناسبة فانه سيبرر بذلك فوزه بجائزة نوبل للسلام. ولعل جون كيري ايضا سيحظى بجائزة خاصة به، وهكذا سيكون الجميع’ راضين عن النزل الى الارض.
الوحيدون الذين لن يسرهم اقرار الاقتراح الروسي هم المواطنون السوريون. واضح للجميع ان قبول الاقتراح معناه استمرار وجود الحرب الاهلية الوحشية في سورية. وعمليا، خلف الابتسامات وصور النصر لكل واحد من الاطراف سيبقى الوضع الراهن وكأنه لم يكن هناك استخدام لسلاح كيميائي وكأنه لا يقتل كل يوم اطفال سوريون بسلاح تقليدي. وعلى السؤال الاخلاقي ‘هل العالم غير ملزم بوضع حد للقتل الجماعي في سورية؟’ لن يرغب احد في الاجابة.
وفي كل الاحوال، فمن أجل أن يخرج الاقتراح الروسي حقا في نهاية المطاف الى حيز التنفيذ هناك حاجة الى أمر واحد وهو الثقة. يدور الحديث عن عملة نادرة في مطارحنا. في الاحساس الغريزي الاولي صرح الامريكيون بان الاقتراح هو محاولة لكسب الوقت من جانب روسيا وايران، وقد يكونون محقين. فايران هي بطلة التسويف في المفاوضات. كما أنه من الزاوية الاسرائيلية، ليس مؤكدا انه يمكن الضمان الا تخرق سورية الاتفاق وتخفي مخزونات سلاح كيميائي سري او تضعه في أمانة لدى حزب الله في لبنان.
ومن الجهة الاخرى، يخشى الاسد ان تواصل الولايات المتحدة استخدام قدراتها المختلفة لاسقاط نظامه. فيما أن ايران تخشى من أن يؤدي قبول سورية للحل الوسط الى استخدام جملة ضغوط غربية عليها لنزع مشروعها النووي. فاذا ما استخدمت الولايات المتحدة التهديد العسكري ضد السلاح الكيميائي، فما بالك أنه ينبغي ان يستخدم ايضا ضد تطوير سلاح نووي. واذا كان هذا ينجح في سورية فلماذا لا يحاول الامريكيون ذلك في ايران ايضا؟ وهكذا فان كل الاطراف يخشون من السقوط عن السلم.

معاريف 10/9/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية