السودان: استمرار التظاهرات المناهضة للانقلاب العسكري وسط تعثر الوساطات

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: بعد مرور حوالى أسبوعين على الانقلاب العسكري في السودان، لا تزال الاحتجاجات الرافضة له في تصاعد مستمر، فقد فرقت الشرطة، الأحد، موكبا لمئات المعلمين من أمام مباني وزارة التربية والتعليم في ولاية الخرطوم مستخدمة الغاز المسيل للدموع، بينما اعتقلت العشرات منهم، في وقت يبدو فيه أن كل الوساطات المبذولة للوصول لتسوية بين الجيش والقوى المدنية تمضي نحو حائط مسدود.
وشهدت العاصمة الخرطوم، أمس، حركة محدودة للمواصلات، بينما أغلقت محال تجارية وشركات ومؤسسات أبوابها في استجابة جزئية لعصيان مدني أعلنه تجمع المهنيين السودانيين. وعلى الرغم من وجود حركة في بعض الشوارع الرئيسية في العاصمة السودانية، إلا أنها لا تتوافق مع الحركة المعتادة يوم الأحد باعتباره بداية لأسبوع العمل في السودان.
وعادة ما يشهد مطلع الأسبوع ازدحاما كبيرا وحركة واسعة في الشوارع والأسواق، خاصة في وسط الخرطوم، التي تبدو هادئة، خاصة شوارع القصر والجامعة والجمهورية التي تقع فيها معظم الوزارات والمرافق الحكومية الهامة.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في البلاد، وحلّ مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتم إعفاء الولاة، واعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين.

عودة محدودة

وشهدت الخرطوم أمس عودة محدودة للدراسة في بعض المدارس، في حين رفض العديد من الأسر إرسال أبنائها للدراسة، تخوفا من الأوضاع غير المستقرة في البلاد. كذلك رفض بعض المدارس استئناف الدراسة في ظل الأوضاع الراهنة، حيث عاد بعض الطلاب إلى منازلهم بعدما وجدوا أبواب مدارسهم مغلقة.
وقالت دلال محمد، المعلمة في القطاع الخاص في ولاية الخرطوم، إن قرار العودة للمدارس أربك الجميع، مشيرة إلى أن مجموع الطلاب الذين التزموا بالحضور في المدرسة التي تعمل فيها لم يتجاوز العشرين طالبا.
وعلى الرغم من أن دلال التزمت بالعودة للعمل خوفا من الفصل، على حد قولها، إلا أنها رفضت إرسال أبنائها للمدرسة لجهة خوفها من الأوضاع غير المستقرة في البلاد.
وكانت وزارة التربية والتعليم ـ ولاية الخرطوم، قد أعلنت، بدء استئناف الدراسة الأحد، بينما شددت لجنة المعلمين السودانيين على الالتزام بالعصيان المدني المعلن واستمرار تعليق الدراسة والعمل في المدارس السودانية.

تفريق متظاهرين

وفرقت الشرطة أمس موكبا لمئات المعلمين من أمام مباني وزارة التربية والتعليم في ولاية الخرطوم مستخدمة الغاز المسيل للدموع، بينما اعتقلت العشرات منهم.
عضو لجنة المعلمين السودانيين» عمار يوسف» قال لـ«القدس العربي» إن الأجهزة الأمنية تعاملت مع موكب المعلمين بشكل عنيف، مؤكدا إصابة عدد من المحتجين واعتقال الشرطة لحوالى 87 معلما.
ورفع المعلمون المحتجون شعارات رافضة للانقلاب العسكري، وعودة من أسموهم «كوادر الإسلاميين». وأكد يوسف أن «المعلمين يرفضون كل الإجراءات والتغييرات التي قام بها الجيش من فصل للمدير العام للتعليم في العاصمة الخرطوم والمدراء في إدارات التعليم الأربع عشرة، واستبدالهم بكوادر من النظام السابق».
ولا زالت الدراسة معلقة في جميع الجامعات السودانية. ومن جهتها جددت جامعة الخرطوم تعليقها للدراسة التي توقفت منذ صبيحة الانقلاب العسكري في الخرطوم.
وأدانت الجامعة الانقلاب العسكري، واعتداء الأجهزة الأمنية على أساتذة وطلاب واقتحام داخليات الجامعة.
وقالت، في بيان، مساء السبت، بعد اجتماع طارئ لمجلس العمداء، إن قوات أمنية اقتحمت داخليات الجامعة وضربت وشتمت الطلاب، كما سرقت مقتنياتهم وشرّدتهم من الداخليات، ورفضت الجامعة انتهاك حرمة الحرم الجامعي بواسطة مسلحين يرتدون الزي العسكري.
ووجه مجلس عمداء الجامعة، الإدارة القانونية، بتحريك إجراءات جنائية ضد المتورطين في أعمال الاعتداء على الطلاب ومرافق الجامعة.
وعلمت «القدس العربي» أن قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، أصدر قرارا بإعفاء مديرة جامعة الخرطوم البروفيسورة فدوى طه، والقرار سيدخل حيز التنفيذ خلال الساعات المقبلة.
وكانت لجان المقاومة في مدن العاصمة السودانية الثلاث، الخرطوم، بحري وأمدرمان، قد أمضت ليلة السبت في وضع الحواجز «المتاريس» استعدادا للعصيان المدني الشامل.
ودعا تجمع المهنيين، في بيان الجمعة، لوضع المتاريس في شوارع العاصمة الرئيسية فيما اسماها ليلة المتاريس، استعدادا للعصيان المدني يومي الأحد والإثنين، الذي يبدو أنه لا يتوافق مع موقف لجان المقاومة التي ترى تأجيل خطوة العصيان المدني.
لجان المقاومة، التي تعد القوة الأثقل وزنا والأكثر تأثيرا على الشارع السوداني، أكدت أنها ستحدد خطواتها المقبلة وإمكانية مضيها في العصيان المدني، الذي أعلنه تجمع المهنيين بعد اجتماع اللجنة السياسية لتنسيقيات لجان المقاومة مساء الأحد، لافتة إلى أنهم كانوا يعتزمون البدء بالعصيان غدا الثلاثاء.
وقال عضو تنسيقية لجان مقاومة جنوب الحزام، أدم يحيى لـ «القدس العربي» إن تنسيقيات لجان المقاومة تركز في هذه المرحلة على وضع المتاريس، وإقامة المخاطبات الجماهيرية في الأحياء والأسواق على الرغم من ملاحقة الأجهزة الأمنية لهم.

استجابة جزئية للعصيان المدني… وعودة محدودة للدراسة واعتقال عشرات المعلمين

وأضاف: قدمنا يومي السبت والأحد مخاطبات في أحياء «مايو» و«الأندلس» وسوق «بورص» القديم والجديد التي تقع جميعها جنوب الخرطوم، مشددا على أهمية مخاطبة الشارع في ظل التعتيم الذي يمارسه الجيش واستمراره في انتهاك حق المواطنين في الاتصال واستخدام الإنترنت.
وأكد عضو تنسيقية لجان المقاومة أنهم متمسكون بعودة الأمور في البلاد إلى ما قبل الانقلاب في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويرفضون أي حوار أو شراكة مع الجيش.
وكان حي مايو الصهريج، جنوب الخرطوم، قد شهد ظهيرة الأحد تظاهرات ضمت المئات من المحتجين المنددين بالانقلاب العسكري.
وقال يحيى إنهم نقلوا التظاهرات إلى الشوارع الداخلية بعد رصدهم لتحركات مجموعات من استخبارات ميليشيات «الدعم السريع» التي يترأسها محمد حمدان دقلو «حميدتي».
وعلى الرغم من اكتفاء قوات الشرطة والمباحث بفتح المتاريس في بعض أحياء العاصمة الخرطوم، إلا أنها حاصرت بعض الشوارع في حي الديم وسط الخرطوم، واعتقلت العشرات من أعضاء لجان المقاومة في الحي الذي يشهد احتجاجات يومية واسعة وتظاهرات منددة بالانقلاب.
وشهد الحي الواقع وسط الخرطوم تظاهر المئات احتجاجا على حملة الاعتقالات التي قامت بها الأجهزة الأمنية للجان المقاومة في المنطقة واقتيادهم لجهات غير معلومة وسط مخاوف من تعرضهم للتعذيب.
كما شهدت مدينتا عطبرة وود مدني شمال ووسط السودان تظاهر المئات من المحتجين المنددين بالانقلاب العسكري، في وقت لا تزال المتاريس التي وضعها المتظاهرون في مدينة بحري شمال الخرطوم وحي بري وسط الخرطوم قاىمة، وسط حركة شبه معدومة في تلك المناطق.

مخاوف لدى المصرفيين

إلى ذلك، فتحت جميع المصارف والبنوك أبوابها بعد قرارات أصدرها البرهان السبت بإعفاء جميع المدراء العموميين للبنوك الحكومية.
عضو في تجمع المصرفيين السودانيين، فضل حجب اسمه، أبدى تخوفه من ملاحقة السلطات الأمنية، وقال لـ«القدس العربي» إن «المصارف لم تفتح أبوابها بسبب الإجراءات التي قام بها البرهان، ولكن التجمع قرر عدم الدخول في أي عصيان مدني إلى حين صرف مرتبات العمال والموظفين واستحقاقات المعاشيين لجهة الضائقة المعيشية التي تمر بها البلاد».
وما زال الإضراب في مستشفيات العاصمة السودانية مستمرا منذ بداية الانقلاب، مع التزام الكوادر الطبية بمعالجة الحالات الطارئة فقط.
على الرغم من الاحتجاجات المتصاعدة إلا أن المراقبين يشددون على أن إعلان انهيار الوساطات القائمة بين الجيش والمدنيين، سيفجر تظاهرات ستكون الأوسع على الإطلاق في السودان، باعتبار أن الشارع لا يزال في حال ترقب احتمالات إعادة الجيش السلطة للمدنيين وعودة حكومة عبد الله حمدوك.
وكان الجيش قد شدد الحراسة والإجراءات الأمنية على رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك، فضلا عن فرض المزيد من القيود على اتصالاته.
ومع أن وساطات عديدة مبذولة للوصول لتسوية بين المدنيين والجيش، إلا أنها اصطدمت برفض الجيش العودة إلى مسار الانتقال الديمقراطي للسلطة، ورفض رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أن يعيد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان تعيينه كرئيس للوزراء، وتأكيده على أنه رئيس الوزراء الشرعي للبلاد، وأن حكومته هي الحكومة الشرعية، مطالبا الجيش بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الإنقلاب.
ومن أبرز المبادرات المطروحة مبادرة رئيس البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان فولكر بيرتس، ومبادرة دول الترويكا، فضلا عن مبادرة لشخصيات سودانية وطنية، ترتكز أغلبها على العودة إلى ما قبل الانقلاب العسكري مع إحداث بعض الإصلاحات والتسويات.
فضلا عن ذلك، وصل وفد للوساطة من الجامعة العربية، مساء السبت، وعقد عددا من اللقاءات مع المسؤولين السودانيين، على أمل الوصول لتسوية تبدو عصية على وفد الجامعة العربية الذي وصل متأخرا جدا بالمقارنة بالوساطات الأخرى.
وكان وفد الوساطة الجنوب سودانية قد عاد إلى جوبا فجر الجمعة، في وقت كان يعول المراقبون كثيرا على قدرته على إحداث اختراق في المفاوضات بين الجيش والمدنيين، إلا أن جهوده يبدو أنها لم تكلل بالنجاح.
والتحدي الأبرز الذي يقف أمام الوصول لاتفاق هو فقدان الثقة بين الأطراف السودانية، حسب ما أكد مقرر الوساطة الجنوب سودانية، وزير الاستثمار الجنوب سوداني، ضيو مطوك لـ«القدس العربي» مضيفا أن «فقدان الثقة يمكن معالجته عبر التفاوض المستمر» مؤكدا أن وفد الوساطة سيعود قريبا للخرطوم لمواصلة جهوده لجمع الفرقاء السودانيين.
وعلى الرغم من تفاؤل مطوك بإمكانية الوصول لحل الأزمة السودانية، يبدو أن جميع المؤشرات تمضي نحو زيادة التعقيدات في المشهد السوداني، خاصة مع توارد معلومات عن عزم قائد الجيش على تكوين حكومة جديدة بعد فقده للأمل بإمكانية الوصول لتسوية مع حمدوك.

حوار جاد

إلى ذلك، أدانت «الجبهة الثورية» السودانية استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، وطالبت برفع حالة الطوارئ، لتهيئة المناخ للحوار الجاد لخروج البلاد من الانزلاق. وقالت، في بيان، إنها «تجدد موقفها الثابت ضد الانقلاب، وهي مع احترام إرادة الشعب السوداني والتحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية».
وجددت التزامها بالوثيقة الدستورية وتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان (وقع في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020).
وطالبت الجبهة الثورية «بإطلاق سراح جميع المعتقلين دون أي شرط وعلى رأسهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وياسر عرمان عضو المجلس القيادي للجبهة الثورية ونائب الأمين العام للجبهة الثورية».
واستنكرت «استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين».
كما طالبت «برفع حالة الطوارئ لتهيئة المناخ لحوار جاد يخرج البلاد من الانزلاق».
و«الجبهة الثورية» تضم 8 فصائل مسلحة وسياسية بقيادة الهادي إدريس، أبرزها «الحركة الشعبية» و«حركة العدل والمساواة» وكيانات أخرى.‎

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية