الخرطوم ـ «القدس العربي»: في وقت دخلت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها السادس، من دون نصر حاسم لأي من الجانبين، تصاعدت مخاوف الأطراف المدنية السودانية، من «سيناريو» تقسيم متوقع، حال قامت الأطراف العسكرية السودانية، بتشكيل حكومات في مناطق نفوذها.
وتوجه رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان السبت إلى جمهورية أوغندا في زيارة رسمية ليوم واحد. بينما تصاعدت المعارك في محيط القيادة العامة للجيش، وسط الخرطوم والتي ما تزال قيادات عسكرية بارزة داخلها. وظلت المناطق المجاورة لها تشهد عمليات كر وفر، بينما يتحدث الدعم السريع عن محاصرة مقر رئاسة قيادة الجيش.
وكذلك تجددت المعارك في محيط قاعدة المدرعات العسكرية- التابعة للجيش- جنوب الخرطوم، والتي يحاول الدعم السريع السيطرة عليها منذ أشهر. إلا أن الجيش ما يزال يحكم سيطرته على القاعدة ذات الأهمية الإستراتيجية البارزة في العاصمة الخرطوم.
كما قامت قوات الدعم السريع بقصف مقر سلاح المهندسين وسلاح الإشارة التابعين للجيش.
هجمات واسعة
وقال شهود عيان لـ«القدس العربي» إن الطائرات العسكرية والمسيرات التابعة للجيش، نفذت هجمات واسعة صباح السبت على مناطق تمركز قوات الدعم السريع في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم، والخرطوم بحري وأمدرمان. بينما شهدت منطقة أمدرمان القديمة غرب العاصمة اشتباكات بين الجانبين.
إلى ذلك قال المجلس السيادي السوداني ان البرهان يجري خلال زيارته إلى كمبالا مباحثات مع الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، تتناول مسار العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، والقضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.
رافق البرهان خلال الزيارة وزير الخارجية المكلف على الصادق ومدير جهاز المخابرات العامة أحمد إبراهيم مفضل.
وتعد هذه المحطة الخارجية السادسة للبرهان، منذ اندلاع حرب 15 نيسان/أبريل الماضي. حيث زار كل من مصر وجنوب السودان وقطر بالإضافة إلى أريتريا وتركيا وأخيرا أوغندا.
ومنذ خروجه من مقر القيادة العامة للجيش وسط العاصمة السودانية الخرطوم، آب/اغسطس الماضي، قام رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان بعدة جولات داخلية بالتزامن مع زياراته الخارجية، التي بدا أنها في إطار البحث عن الشرعية الدولية، لحكومة قيد التشكيل.
اجتماعات أسمرا
في الأثناء، انخرطت مجموعات سياسية وحركات مسلحة مقربة من الجيش سمت نفسها «القوى السودانية الوطنية الديمقراطية» في اجتماع استمر لأيام في العاصمة الأريترية أسمرا، تزامن مع زيارة البرهان لأريتريا ولقائه مع الرئيس أسياس أفورقي.
فيما أكدت وسائل إعلام محلية أن البرهان عقد خلال زيارته أسمرا اجتماعا غير معلن مع زعيم الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو، يعد الثاني من نوعه بعد لقاء آخر في العاصمة الجنوب سودانية جوبا. وقال «سودان تربيون» إن البرهان طلب من الحركة الشعبية القتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع.
ومن أسمرا أصدرت القوى السودانية الوطنية الديمقراطية، الخميس إعلانا سياسيا قالت إنه من أجل إنهاء الحرب في البلاد وإدارة الفترة الانتقالية.
ودعا البيان إلى وقف الحرب وتشكيل حكومة وطنية لإدارة الفترة الانتقالية، والعمل من أجل دعم التحول الديمقراطي ومدنية الدولة والتداول السلمي للسلطة والالتزام بتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان بالإضافة إلى ترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب وكفالة الحريات والالتزام بمواثيق حقوق الإنسان الدولية.
وشدد على إنهاء الحرب ووقف الاقتتال فوراً وفق إعلان جدة القائم على خروج الدعم السريع من مؤسسات الدولة والمساكن والمشافي والأعيان المدنية وضمان فتح المسارات للإغاثة.
وطالب البيان بفتح ممرات آمنة لإيصال الإغاثة للمتضررين والالتزام بحماية المدنيين كما نص عليه القانون الدولي الإنساني، داعيا المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية العاملة في مجال الإغاثة تقديم العون الإنساني للنازحين واللاجئين في دول الجوار.
وأدان إعلان أسمرا جميع أشكال الجرائم ضد المدنيين منذ الخامس عشر من نيسان/أبريل، بما يشمل «جرائم التطهير العرقي» التي شهدتها مدينة الجنينة واستهداف القيادات المجتمعة والسياسية وقتل والي ولاية غرب دارفور خميس عبدالله ابكر والتمثيل بجثته.
واتهم الدعم السريع بتنفيذ انتهاكات واسعة ضد المواطنين العزل ومؤسسات الدولة وقتل وتعذيب واغتصاب المدنيين واحتلال المنازل وسرقة الممتلكات والاعتداء على السفارات ومقرات المنظمات الدولية وتدمير المتاحف والأرشيف الوطني والآثار والأفعال الإرهابية ضد مقرات الدبلوماسيين وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وانتهاكات القصف الجوي العشوائي، مؤكدا على دعم مؤسسات الدولة السودانية المدنية والعسكرية مع مهنية القوات المسلحة واستقلاليتها في أداء واجبها الوطني.
وشدد إعلان أسمرا على ضرورة الحل السوداني -السوداني للأزمة الراهنة في البلاد عبر حوار شامل يتجاوز مرحلة ما قبل 15 نيسان/أبريل الماضي.
وأكد على ضرورة توحيد المنابر والمبادرات وتكاملها مشددين على رفض التدخل الدولي «السالب» في القضية السودانية مع الترحيب بالتيسير والتسهيل الذي تقوم به دول الجوار.
تهديدات حميدتي
بعدها بساعات قليلة، وفي تسجيل صوتي جديد منسوب إليه نشر على صفحته الرسمية على منصة «أكس» هدد زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» بأن قواته ستبدأ مشاورات لتشكيل سلطة مدنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها ستكون عاصمتها الخرطوم في حال أقدم البرهان على خطوة مماثلة من مدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر شرقي البلاد.
وقال إن قيام البرهان بتشكيل حكومة مقرها بورتسودان يعني الاتجاه نحو سيناريوهات حدثت في دول أخرى بوجود طرفين يسيطران على مناطق مختلفة في بلد واحد.
واتهم البرهان بالعمل على تنفيذ مخطط صنعه عناصر النظام السابق ليصبح «رئيسا ديكتاتوريا للبلاد» محذرا من «إعلان حكومة في جزء من السودان ومن استمرار البرهان في محاولات إدعاء شرعية زائفة».
وأضاف: لا توجد «حكومة شرعية» منذ انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 واصفاً ما حدث بعد اندلاع حرب 15 نيسان/أبريل الماضي بـ«الانهيار الدستوري الشامل». وزاد: «لقد صبرنا كثيراً على قرارات البرهان المنفردة مع عدم شرعيته، ولن نسمح لأحد بالحديث باسم السودان وإدعاء أي شرعية».
وهدد بمهاجمة مواقع الجيش السوداني في شرق وشمال البلاد، مؤكدا أنها في متناول يد قواته، وأن بامكانها دخول مدينة بورتسودان- مقر الحكومة- منذ انفجار حرب 15 نيسان/أبريل.
وعلى الرغم من تلويح حميدتي بتشكيل حكومة موازية، إلا أن قواته لم تحكم سيطرتها بشكل كامل على أي ولاية من ولايات السودان، خلال الأشهر الخمسة الماضية. بينما يسيطر الجيش بشكل كامل على 13من أصل 18 ولاية.
وبينما تنتشر قوات الدعم السريع في نطاق واسع من العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور إلا أن الجيش يسيطر على مواقع إستراتيجية هامة، ويستمر في قصف الطرق التي تعتمد عليها قوات الدعم السريع في نقل الإمدادات. ما يجعل مناطق الانتشار الواسع للدعم السريع في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، مناطق عمليات، غير مستقرة بما يسمح بتشكيل حكومة. كما تمتد المعارك بين الجانبين في منطقة كردفان، وتقول قوات الدعم السريع أنها سيطرت مساء الجمعة على مدينة أم روابة. الأمر الذي يمكن أن يعزز امكانية نقل الإمدادات إلى العاصمة الخرطوم.
وعلى الرغم من الوقائع الميدانية، تتخوف عدد من القوى المدنية من مضي الأطراف العسكرية في تشكيل حكومتين متوازيتين الأمر الذي قد يقود البلاد إلى سيناريوهات تقسيم مشابهة لليمن وليبيا.
خطوات تمزيق البلاد
وفي السياق قالت قوى الحرية والتغيير أنها ستتواصل بشكل مباشر مع الجيش وقوات الدعم السريع من أجل إيقاف ما وصفتها بـ«خطوات تمزيق البلاد».
وقالت إن تلويح طرفي الحرب بتكوين حكومة في مواقع سيطرتهما أمر خطير سيترتب عليه تفتيت البلاد وتقسيمها، مشيرة إلى أنه منذ انقلاب 21 تشرين الأول/أكتوبر2021 لا تملك أي جهة في السودان الشرعية لتكوين أي حكومة.
وأشارت إلى أنها ستتخذ عددا من الخطوات للتصدي لمخططات تقسيم البلاد والعمل من أجل إيقافها، وعلى رأسها التواصل المباشر والفوري مع الجيش والدعم السريع بغرض حثهما على تجنب أي خطوات حالية أو مستقبلية تفضي لتمزيق البلاد وزيادة رقعة الحرب، بالإضافة إلى العمل على حث الطرفين على الجلوس للتفاوض من أجل وقف الحرب ومعالجة الوضع الإنساني الكارثي.
كذلك دعا عضو المجلس السيادي السابق محمد الفكي لوضع الأطراف السودانية الخلافات جانبا والتوحد من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية.
وقال في بيان: «أن الأوان قد آن لنترك خلافاتنا جانبا ونتوحد على الوطن حتى نجد أرضا وبلادا نقول فيها رأينا ونتفق ونختلف تحت مظلتها».
ورأى أن الصراع في البلاد يدخل مرحلة جديدة عقب كلمة زعيم الدعم السريع الذي توعد فيها بتشكيل حكومة في الخرطوم في حال إعلان حكومة من قبل قائد الجيش.
كما وصف المتحدث باسم العملية السياسية في السودان القيادي في الحرية والتغيير خالد عمر يوسف، تصريح «حميدتي» بـ«الخطير للغاية» محذرا من «أن البلاد تتجه نحو التقسيم بسرعة الصاروخ لا لشيء إلا لطمع عناصر النظام السابق للاستيلاء على السلطة حتى لو كان ثمن ذلك تفتيت السودان».
وقال: «إن الواجب الآن هو أن تتوحد كل القوى الراغبة في السلام من أجل إنهاء الحرب عبر الحلول السلمية التفاوضية التي تحفظ وحدة السودان وسلامة أرضه وشعبه، وتعيد بناء المؤسسات على أساس صحيح وعادل يعالج القضايا التي تولدت حلقات من عدم الاستقرار في السودان».
وحذرت حركة العدل والمساواة بقيادة سليمان صندل من أن البلاد تمر بظرف تاريخي عصيب، ومنعطف وطني خطير بينما دخلت الحرب في السودان شهرها السادس.
وشددت على أنه لا يوجد رابح أو منتصر في هذه الحرب وأن الجميع مهزوم.
ودعت الأطراف المتقاتلة إلى الاحتكام إلى صوت العقل وإيقاف الحرب فورا، مشيرة إلى أن الشعب السوداني والعالم أجمع شاهد على حجم الكارثة الإنسانية والدمار الشامل الذي لحق بالبلاد، خاصة العاصمة الخرطوم وعواصم بعض الولايات الأخرى.
وقالت «إن البرهان بعد خروجه من الخرطوم يسعى إلى تحويل مدينة بورتسودان إلى عاصمة بديلة، وأنه في الصدد قام بسلسلة من الزيارات الخارجية، بينما كان الشعب يؤمل بأن تكون من أجل بحث السلام، إلا أنه يرغب في تشكيل حكومة من طرف واحد».
وأكدت الحركة رفضها وبشكل قاطع تشكيل أي حكومة من طرف واحد قبل الوصول إلى اتفاق سياسي شامل من حيث الأطراف والموضوعات يحدد شكل الحكومة. داعية القوى السودانية إلى الوقوف بقوة ضد تشكيل أي حكومة من طرف واحد.
وحملت أي طرف يقوم بتشكيل حكومة أحادية، التداعيات التي تترتب على ذلك، بما يشمل تهديد وحدة البلاد أرضاً وشعباً، مطالبة الجيش والدعم السريع بالعودة فورًا إلى منبر جدة من أجل التوقيع على وقف إطلاق نار دائم ينهي الحرب.
ودعت الطرفين إلى الالتزام الصارم بالقانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان والعمل على حماية وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية.
وناشدت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد وكل دول الجوار الإقليمي ضرورة العمل على إثناء القائد العام للقوات المسلحة السودانية عن تشكيل حكومة من طرف واحد.