الخرطوم – «القدس العربي»: أصدر قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، مرسوما بتشكيل مجلس سيادة جديد برئاسته، فيما عين محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائبا له، تزامناً مع تواصل الاعتقالات، التي استهدفت، أمس الخميس، القيادي البارز في “تجمع المهنيين”، محمد ناجي الأصم.
وتضمن مرسوم البرهان، تعيين أعضاء المجلس، وهم الفريق أول ركن شمس الدين كباشي إبراهيم، والفريق الركن ياسر عبد الرحمن حسن العطا، والفريق مهندس مستشار بحري إبراهيم جابر إبراهيم. كما تضمن تعيين مالك عقار والطاهر أبو بكر حجر والهادي إدريس يحيى ورجاء نيكولا عبد المسيح ويوسف جاد كريم ومحمد علي يوسف وأبو القاسم محمد أحمد وعبد الباقي عبد القادر الزبير عبد القادر وسلمى عبد الجبار المبارك موسى أعضاء بالمجلس.
وتم إرجاء تعيين ممثل شرق السودان إلى حين استكمال المشاورات بشأنه وفق مرسوم قائد الجيش.
وأقصى المجلس الجديد، حسب تركيبته المعلنة، قوى “الحرية والتغيير”، حيث تم تعيين ممثلين عن الأقاليم بدلا منها.
وجاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان المجلس المركزي لقوى “الحرية والتغيير”، التصعيد ضد انقلاب العسكريين في السودان، وتوحيد موقفه مع الشارع، ويبدو أن العسكريين الآن في موقف مواجهة حادة مع معظم القوى السياسية والشارع الذي يعتزم الخروج في تظاهرات ضخمة رافضة للانقلاب يومي السبت والأربعاء المقبلين تحت شعار “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية” .
ورفض التحالف الحاكم سابقاً، في بيان الأربعاء، أي تفاوض أو حوار مع البرهان، في حين تميل بعض المجموعات السياسية التي تقول إن “الحرية والتغيير” لا تمثلها، إلى المضي في الحوار مع العسكريين ولو بشكل غير معلن.
في وقت تبدو فيه مبادرات الوساطة العديدة، الوطنية والدولية التي تسعى لإيجاد تسوية للوضع الراهن في السودان، تراوح مكانها في ظل تمترس كل طرف في مكانه، وتمسكه بمواقفه. وفي الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انقلب البرهان، على الحكومة الانتقالية قبل أن يعلن حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلسي السيادة والوزراء.
مزيد من التعقيد
وحسب ما يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين، مصعب محمد علي، لـ”القدس العربي”، فإن “المشهد يمضي نحو مزيد من التعقيد، بعد بيان الحرية والتغيير وإعلانها التصعيد ضد العسكريين”.
وأضاف: “قوى الحرية والتغيير رغم إعلانها التصعيد، إلا أن سقفها التصعيدي لا يزال بعيداً تماماً عن الشارع”، لافتا إلى أن “التغيير تحاول كسب حراك الشارع المتصاعد عبر توحيد موقفها معه”.
ويأتي التصعيد، في وقت يتمسك الشق العسكري بمواقفه، في ظل اعتقال عدد كبير من شركائه السابقين في الحكم، الأمر الذي رأى علي أنه “سيقود البلاد إلى مزيد من التعطيل والاحتقان والذي قد يمضي نحو الانفلات الكامل في الدولة السودانية”، معربا عن اعتقاده أن “مبادرات الوساطة لا تستطيع أن تحدث اختراقاً في ظل تمسك الجانبين بمواقفهما، مما يجعل الموقف أكثر تعقيدا وسينعكس على تأخير تكوين الحكومة ودخول البلاد في حالة من الفراغ السياسي”.
«خطوة متأخرة»
وتعتبر لجان المقاومة السودانية خطوة المجلس المركزي لقوى “الحرية والتغيير” “جيدة” ولكنها “متأخرة”.
وقال عضو تنسيقية لجان مقاومة كرري، أمجد عمر لـ”القدس العربي” إن “قوى الحرية والتغيير إذا أرادت الدفع بالعمل الثوري وخط الشارع التصعيدي، فنحن نعتبر ذلك خطوة جيدة، ولكنها متأخرة”.
وشدد على أن “لجان المقاومة لا تقوم بأي شكل من أشكال التنسيق في الوقت الحالي مع قوى الحرية والتغيير ولديها بعض التحفظات عليها، وعلى التنسيق والتنظيم معها”. ويلفت إلى أن “موقف لجان المقاومة واضح وهو إسقاط المجلس العسكري بكل مكوناته وتمسكه بشعارات الثورة حرية، سلام وعدالة”، ولكنه يتفق مع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير في موقفها بخصوص ضرورة توحيد قوى المقاومة ضد الانقلاب. وحول موقف لجان المقاومة من المبادرات والوساطات الراهنة، أكد عمر “رفض أي تسوية لا تقود لحل جذري للأزمة في البلاد، بما فيها الشراكة أو الحوار مع المجلس العسكري”.
وأوضح أن “لجان المقاومة والشارع سيظلون يدعمون رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حال التزامه بخط الشارع والانتقال الديمقراطي، وإن حاد عن ذلك لن يجد دعمهم”.
الصحافية والمحللة السياسية، شمائل النور، بينت أن “الانقسام داخل قوى الحرية والتغيير سيقلل من قيمة خطوة التصعيد التي قام بها المجلس المركزي”.
وقالت لـ”القدس العربي” إن “المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أصبح فيه تيارين وبدأت فيه حالة من الانقسام غير المعلن فمجموعة الثلاثة (أحزاب البعث والتجمع الاتحادي والمؤتمر السوداني) الآن في المعتقلات وانحازت لها مجموعة من القوى المدنية”.
وأشارت إلى أن “هذه المجموعة تصعد وترفض التفاوض مع المجموعة العسكرية ومعهم مجموعة داخل حزب الأمة أو تيار تمثله وزيرة الخارجية مريم الصادق والأمين العام للحزب الواثق البرير”. ولفتت إلى أن “حزب الأمة أيضاً فيه تيار آخر يمضي في اتجاه التفاوض وبدأ فعليا في ذلك ضمن مجموعة من المبادرات التي تمضي في إطار دفع التفاوض بين البرهان وحمدوك”. ورأت أن “ما يحدث داخل التغيير هو بداية لانقسام أكثر وضوحاً لمجموعات قوى الحرية والتغيير في مقبل الأيام”، متوقعة أن “تصير مجموعتين، مجموعة تذهب للتفاوض مع العسكريين وتمضي دون التمسك بالوضع الدستوري قبل 25 أكتوبر، ومجموعة ثانية ترفض التفاوض”، لافتة إلى أن “هذه الانقسامات ليست حصرا على الأحزاب السياسية أيضا وستنسحب أيضا على الحركات”.
تعويل على حمدوك
وشددت على أن “موقف قوى الحرية والتغيير التصعيدي المعلن يعبر عن مجموعة، ولكن غير المعلن، أن مجموعة أخرى بدأت التفاوض مع الجهات العسكرية، وبالتالي، سيمضي قائد الجيش في التفاوض مع هذه المجموعة التي تمثل قوى الحرية والتغيير بأي حال من الأحوال، الأمر الذي سينعكس على وضع القوى السياسية المستقبلي ويزيدها انقساما وتشظياً”.
وحسب النور فإن “خطوة المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، سوف تؤثر على المشهد العام في البلاد، ولكن بالمقابل المجموعة العسكرية تعول على وجود حمدوك بشكل رئيسي نظراً لشعبيته، وإذا أتت معه بعض القوى السياسية سيكون زيادة خير، لكن التعويل على حمدوك”.
وتبعاً لأستاذ العلوم السياسية في جامعة بحري، إبراهيم محمد آدم، فإن الخطوة التي قامت بها قوى الحرية والتغيير “متوقعة وتأتي في إطار تصعيد الشارع”، مؤكدا لـ”القدس العربي” على “ضرورة إطلاق سراح المعتقلين والمضي نحو التسوية”. وأضاف أن “عدم مضي البرهان نحو تكوين حكومة حتى الآن يشير إلى تمسكه بأن يكون حمدوك جزءاً من المشهد القادم في البلاد لشعبيته الكبيرة عند الشارع وعلاقاته الدولية الواسعة”.
ملفات العدالة
وفي إطار المبادرات المبذولة، يبدو أن دول الترويكا (أمريكا بريطانيا النرويج) التي التقت البرهان الثلاثاء وطرحت عليه رؤيتها، مضت إلى مناقشتها مع المجلس المركزي لقوى “الحرية والتغيير”، حيث انعقد أمس الخميس اجتماع بين الجانبين، ناقش موقف “الحرية والتغيير”، التي أكدت أن وجود إطار دستوري ومناقشة ملفات العدالة يجب أن تكون أساس أي نقاش حول مستقبل الاوضاع في البلاد.
وقال القيادي في المجلس المركزي لقوى “الحرية والتغيير” شهاب الطيب لـ”القدس العربي”، إن “الترويكا أكدت على ضرورة حدوث حوار ما بين أطراف الجبهة الثورية لخطورة الانقسام الراهن فيها”. وأكدت على “ضرورة المضي في الانتقال الديمقراطي وقيام حكومة برئاسة حمدوك الذي ترى أنه بدأ العمل على ملفات عديدة، ويجب أن يواصل العمل عليها”.
ويبدو أن مخاوف المجلس المركزي لـ”الحرية والتغيير” التي عبرت عنها أمس، لم تخالف الواقع، حيث ألقت قوى أمنية القبض على القيادي في تجمع المهنيين السودانيين محمد ناجي الأصم. وفي سياق منفصل، علمت “القدس العربي” أن مجلس الصحافة والمطبوعات وجهاز الأمن، قد زاروا عددا من المؤسسات الإذاعة والتلفزيونية، كما اتصلوا بعدد من رؤساء تحرير الصحف، في إطار إعادة الرقابة على المؤسسات الإعلامية وتحديد مساحة الحريات فيها.
يشار إلى أن المجلس العسكري كان قد أوقف صحيفة” الديمقراطي” في الأسبوع الأول للانقلاب ووضع حراسات أمنية مشددة على أبوابها، ثم سحبها مرة أخرى قبل أيام.
احتجاجات
إلى ذلك، شهدت العاصمة الخرطوم، وقفات احتجاجية، رفضا لما اعتبره المحتجون “الانقلاب العسكري”، ودعما للتحول المدني الديمقراطي في السودان، وتمهيدا للمشاركة في مظاهرة 13 نوفمبر.
ونفذ العشرات من موظفي شركتي “بترو نيرجي” (خاصة)، و”دال” الغذائية”، ومنسوبي “مستشفى محمد الأمين” للأطفال، في مدينة أمدرمان غربي العاصمة الخرطوم، وقفات احتجاجية متفرقة، رفضا لـ”الانقلاب العسكري”، ودعما للتحول المدني الديمقراطي في البلاد. ورفع الموظفون لافتات مكتوب عليها”يسقط الانقلاب العسكري” و”دعم التحول المدني الديمقراطي” و”لا وصاية على الشعب السوداني” و”نعم للحكم المدني” و”الشعب أقوى والردة مستحيلة”.
كما نشطت “لجان المقاومة” بأحياء الخرطوم في نشر الدعاية والتوعية عبر صفحاتها على “فيسبوك” وتوزيع قصاصات ورقية في الشوارع، للدعوة للمشاركة في مظاهرة 13 نوفمبر.