السودان: الرئيس الذي لم يعد يجد شيئا يبيعه!

حجم الخط
15

فيما كان الرئيس السوداني عمر البشير في زيارة إلى موسكو مؤخرا، خرجت جموع صغيرة من السودانيين في العاصمة الخرطوم للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية الكارثية للبلاد، وهو أمر لم يحظ باهتمام رسميّ أو إعلاميّ بسبب انشغال العالم بطيران البشير بطائرة شحن عسكرية روسيّة (تو 154) في صفقة سياسية مع الكرملين ثمنها كسر العزلة العربية عن رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق.
انتقلت المظاهرات في الأسبوع اللاحق إلى اثنتين من أهم مدن السودان، عطبرة وبورتسودان (حيث كان البشير موجوداً لحضور مناورة عسكريّة)، وما لبثت شرارة الاحتجاجات أن انتقلت إلى مدن أخرى وصولاً مرة جديدة إلى الخرطوم، حيث بدأت ببعض الأحياء لتنتقل للمراكز الرئيسية والجامعات، فردّت السلطات الأمنية بالعنف ما أدى لسقوط 10 إلى 12 قتيلا يوم الخميس الماضي وحده (8 منهم في مدينة القضارف).
تعتبر الأحداث الأخيرة ملخّصاً كاشفاً لفشل طويل وتاريخي للنظام ورئيسه البشير، بدءاً من «إنجازه» الكبير: انفصال الجنوب عام 2011، آخذا معه معظم حقول النفط، مروراً باعتبار بلده راعياً للإرهاب والحكم بالقبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية بتهم تدبير إبادة جماعية في إقليم دارفور، ووصولاً إلى الانهيار الاقتصاديّ الحالي حيث نشهد انكماشا حاداً وتضخما كبيرا وانهيارا في قيمة العملة الوطنية.
شهدنا محاولات من المنظومة العالمية لحماية السودان من التحوّل إلى «دولة فاشلة»، فعلّقت الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ 20 عاماً، وقدّمت عدة دول أجنبية وعربية مساعدات وقروضا وودائع، وكان ثمن بعضها دماء الجنود الأبرياء، كما هو حال الذين زجّ بهم النظام في اليمن (ووعد بالتضحية بهم في مناطق أخرى)، فيما استخدمت المساعدات كرشاوى عاجلة للصرف على جهاز الدولة ومحازبيه وقواته الأمنية، واستمرّ الوضع الاقتصاديّ بالتدهور وانحسر إيمان المواطنين بالدولة فسحبوا مدخراتهم وحولوها إلى عملات أجنبية، وعجزت المصارف عن توفير السيولة النقدية للمودعين ووصل عجز السلطات إلى دقيق صناعة الخبز ووقود السيارات ووسائل المواصلات وارتفعت أسعار المواد كافّة.
حاولت الحكومة «رشوة» العاصمة بزيادة حصصها من الخبز والوقود فثارت الأطراف والهوامش، وبينها ولاية نهر النيل التي ينحدر منها الرئيس السوداني والمسؤولون النافذون في الدولة، وكذلك الولاية الشمالية التي ينحدر منها أهم مسؤولي المؤسسات الأمنية والعسكرية.
إضافة لهذه المستجدات المهمة فإن الأنباء المتواردة من السودان تنبئ عن تحوّلات لافتة، منها أن المحازبين المحسوبين على الحركة الإسلامية، والتي كانت خط الدفاع الشعبي عن النظام، انحسر حماسهم للدفاع عن النظام الذي أثبت انتهازيّته واستعداده للانقلاب على الإسلاميين وبيعهم حين يأتي السعر المناسب، كما أشارت الأنباء إلى قوات من الجيش حاولت حماية المتظاهرين من قمع الشرطة والأمن، كما حصل في عطبرة والقضارف، وتحدث آخرون عن انضمام عناصر من الشرطة للمتظاهرين في بعض مناطق الاحتجاج، وتداول مستخدمو الشبكات الاجتماعية صوراً قيل إنها لقائد الفرقة الثانية مشاة في القضارف وهو يقف في صفوف المتظاهرين.
كل هذه الإشارات تقول إن مقاليد السلطة ربما بدأت تتفلّت من البشير، وأن حيّز الاحتجاجات شمل أغلب فئات المجتمع السوداني وهو ما يضعف غريزة البطش لدى أدوات النظام للقمع ويفتح الباب، لو توفّرت الظروف المناسبة، لإمكانية حصول تغيير قد يخرج السودان من الاستعصاء الكبير الذي وضعه فيه النظام، اللهم إلا إذا قرّر البشير الاستفادة من «دروس» نظيره السوريّ الذي قرّر تدمير بلاده فوق رؤوس سكانها للحفاظ على الكرسي، غير أن السؤال هو: هل تطاوعه النخبة العسكرية والأمنية الحاكمة؟
الأغلب أن الرئيس الذي حاول بيع كل شيء ممكن (ويبدو أنه كان يفكّر باستخدام الورقة الإسرائيلية ايضاً) لن يجد شيئا آخر يبيعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    كرسي الحكم وما أدراك ما كرسي الحكم! ففي سبيل بقاء هذا الكرسي بدون منافس تراق الدماء ويعم البلاء على العباد والبلاد!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول الشربيني المهندس / مصر:

      لكنها الأيام دول يا استاذنا وتذكر قوله تعالي (وظن أهلها أنهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا اونهارا )وصدق اللـه

  2. يقول .Dinars:

    السودان ماء وأرض خصبة وشمس ولكن المنقلب كان همه كرسي الحكم الفاقد للشرعية المُخوّن لكل من تُحدثه نفسه بالإصلاح.
    ثار على البشير شعب السودان فكان عبارات مقولبه جاهز على غرار أن الشعب مندسّ ومخرّب وقطع وسائل الإتصال ثم حالة طوارئ التي هي في الحقيقة مُزمنة منذ الإنقلاب.

  3. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم.رأي القدس اليوم عنوانه(السودان: الرئيس الذي لم يعد يجد شيئا يبيعه!)
    بيع الضمير هو ابخس صفقات البيوع؛ فالرئيس السوداني عمر البشير ،وبعد أن أفلس داخليا وخارجيا لم يجد إلا بوتين ليساعده في الخروج من مأزقه الحالي (في صفقة سياسية مع الكرملين ثمنها كسر العزلة العربية مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق.) فبشار القاتل الأرعن الذي ازهق ارواح مليون وشرّد وهجّر اكثر من نصف شعبه ودمّر عمرانه ،يكافؤه البشير بزيارة (عفارم!!!)
    ف(سقوط 10 إلى 12 قتيلا يوم الخميس الماضي وحده ) من المتظاهرين السودانيين على أيدي قوات أمن البشير ،هو وصمة على على نظامه وربما يكون بداية استنساخ لطريقة بشار في القمع والدموية.
    السودانيون لا يتظاهرون من فراغ فهم يشهدون(انكماشا حاداً وتضخما كبيرا وانهيارا في قيمة العملة الوطنية.) وهذا من مميزات الدولة الفاشلة التي هرع مواطنوها
    ( فسحبوا مدخراتهم وحولوها إلى عملات أجنبية، وعجزت المصارف عن توفير السيولة النقدية للمودعين ووصل عجز السلطات إلى دقيق صناعة الخبز ووقود السيارات ووسائل المواصلات وارتفعت أسعار المواد كافّة.)
    ويبدوا أن البشير ربما(يفكّر باستخدام الورقة الإسرائيلية) لدعم كرسيه أسوة بعرب آخرين.

  4. يقول سوري:

    بكل بساطة انها استمرارية للربيع العربي قلناها اكثر من مرة والسبب بسيط هو أن الأنظمة العربية هي منظومة من الفساد والخيانة والفشل والقمع والجهل خريجو مدارس عسكرية لا تؤمن الا بالرصاص والبسطار وهذا البشير لا يختلف عن بشار كثيرا سوى أنه مجرم حرب ملاحق وثبتت عليه التهمة من قبل محكمة العدل الدولية واعتقد جازما أن هذا المجرم سيسقط بانقلاب مدبر من أبي الرز السيسي ليأتوا بعسكري آخر خوفا من امتداد رقعة الربيع العربي ولكن هيهات فالشعوب العربية اليوم تريد الحياة ولابد ان يستجيب القدر

  5. يقول سيف كرار ،السودان:

    لاحولة ولاقوة إلا باللة …

  6. يقول نضال زغب:

    نظام فاشل ومجرم يجب تقديمه للمحاكمة عن جرائمه في حق الشعب وخصوصا خيانته بالتنازل عن الجنوب .

  7. يقول ع.خ.ا.حسن:

    هل عودة الصادق المهدي من منفاه لها علاقة بأحداث السودان الحالية؟ربما

  8. يقول سامح //الأردن:

    *ماذا ينتظر (البشير ) ليعترف بفشله
    ويسلم القيادة لمن يستحقها..؟؟؟!!!
    حسبنا الله ونعم الوكيل.
    سلام

  9. سيحاسب هذا الدكتاتور وكل منتسبيه من؛مصاصي دماء السعب؛بقوه وعزيمة الشعب إنشاء الله

  10. يقول مراكش:

    زار البشير سوريا إرضاء لروسيا وكسرا لعزلة الأسد، وإعلانا لبداية ثورة أخرى برواية سودانية؛ فحظ سعيد لك أيها البشير،والعاقبة للمتقين وليست للديكتاتوريين.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية