الخرطوم ـ «القدس العربي»: تقضي الوثيقة المشتركة التي ستقدم من الوسيط الإثيوبي السفير محمود درير، وممثل الاتحاد الأفريقي البروفسور الموريتاني الحسن لباد، لتقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري في السودان وقوى المعارضة، بتشكيل مجلس سيادة مشترك وافقت عليه قوى «الحرية والتغيير»، وكذلك مجلس الوزراء ورئيسه من قوى الثورة، على أن يتم إرجاء تعيين المجلس التشريعي، المختلف حوله، الى وقت لاحق، وفق ما كشفت لـ«القدس العربي» مصادر سياسية مطلعة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
ووفق المصادر فإن «مشاورات رفيعة المستوى جارية للتداول حول مقترحات محددة لتجاوز الخلافات حول المجلس التشريعي بحيث تحصل قوى الحرية والتغيير على نسبة 50٪ بدلاً من نسبة الـ 67٪ التي جرى الاتفاق عليها سابقاً، أما الـ50٪ الباقية فتشرف المعارضة على تقسيم نسبة 17٪ منها على شخصيات مدنية من قوى شرق السودان والحركات المسلحة الموقعة على اتفاقيات سلام سابقة في دارفور. وتؤول نسبة الـ 33٪ لقوى وتشكيلات أخرى من خارج قوى الحرية والتغيير وتضم أحزابا سياسية ورجال أعمال وإدارات أهلية والمجتمع المدني يتم اختيارهم بالتشاور بين المجلس العسكري وقوى الثورة».
القيادي في قوى «الحرية والتغيير»، وعضو تنسيقية الثورة السودانية، صديق التوم، قال لـ«القدس العربي» إن «تقسيم نسب المجلس التشريعي بهذا الشكل، يعبر عن رؤية المجلس العسكري وتطلعاته فقط، ويعيد السلطة للقوى التي كانت شريكة في النظام البائد، ويعرقل عملية الانتقال، ويفرغ عملية التغيير من محتواها «.
وأضاف: «هذا المقترح يحوّل الفترة الانتقالية لمشروع شراكة ما بين قوى إعلان الحرية والتغيير وبين النظام البائد بكل تركيباته ومحاصصاته السابقة، ويحافظ على مصالح ومكتسبات الفئة الاجتماعية التي ساقت البلاد الى الأزمة العميقة، كما يعرقل عملية الانتقال بالكامل ويعيد الأزمة وتمظهراتها في السودان، وبدلاً من أن تقود قوى التغيير عملية الانتقال يحولها إلى مشروع شراكة، أي يستوعبها داخل منظومة النظام البائد».
وحسب المصدر «القضية الأساسية ليست النسب لان الهدف هو عملية انتقال وتغيير، وإذا كانت عملية التغيير سيشارك فيها من ثار عليهم الشعب، فهذا لا يحقق أهداف الثورة، لأن هؤلاء الذين يريدون إشراكهم هم من ثار عليهم الشعب وانتفض ضدهم، فكيف لنا أن نقبل وجودهم في الفترة الانتقالية؟».
وزاد: «لكي نحقق عملية التغيير نحن نحتاج لأكثر من 17 ٪ للحركات المسلحة المؤثرة في الساحة، مثل حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو وحتى لا يكون هناك إقصاء يجب أن يتم تمثيلهم في عملية التغيير والفترة الانتقالية، لأن لديهم شكوكا جدية بعملية المحاصصة الجارية الآن باعتبار أنها تهمش مناطق الصراعات في دارفور وجنوب كردفان ويجب البحث عن طريقة لإشراك هذه القوى في المجلس التشريعي ومؤسسات الحكم الانتقالي».
اتساع رقعة الحرب
وحذر من «اتساع رقعة الحرب في السودان أو نشوب حرب أهلية في ظل الانقسامات الواضحة في المنظومة الأمنية ممثلة في قوات الدعم السريع والجيش السوداني، وسط دور سلبي من الدول الخارجية التي تحاول فرض تسوية بشكل معين».
وبين أن «الأمريكان والأفارقة مع احترامنا لدورهم، لن يحلوا مشكلة السودان، والحل بيد الجماهير مثل ما شاهدنا خلال الأشهر الماضية عندما أسقطت الحركة الجماهيرية نظام البشير دون مساعدات خارجية، وعلى العكس تماما كانت الجهود الخارجية تحاول مساعدة المخلوع، والآن تساعد المجلس العسكري».
قوى «التغيير» اعترضت على توزيع النسب وحذرت من حرب أهلية بسبب التدخل الخارجي
واستدرك بالقول: «الدور الخارجي لم يكن إيجابيا تجاه التغيير في السودان، ولذلك شهدت سفارات للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وجمهورية مصر في دول العالم المختلفة، احتجاجات أمامها».
وواصل : «إذا استمر الدور الخارجي من بعض الدول في السلبية يمكن أن يقود الى توسيع رقعة الحرب في السودان، خصوصا أن مؤشرات الانقسام بين الدعم السريع والجيش السوداني صارت واضحة جدا، وكذلك الانقسامات داخل المنظومات الأمنية وقوات الدعم السريع نفسها».
واعتبر أن «أي مشروع للتسوية يقوم على قمع الإرادة الشعبية، ويحد من تطلعها للتغيير، هو تعميق للأزمة السودانية، وبدلا من تفكيك النظام السابق سيقود إلى تفكيك الدولة السودانية، ومن تمظهراته تفكيك قوات الشعب المسلحة لمصلحة تمدد منظومات الدعم السريع والميليشيات الأمنية، وهو ما يمكن أن يقود الى حرب أهلية «.
تواصل التظاهرات
إلى ذلك، شهدت عدة مدن سودانية تظاهرات وتجمعات جماهيرية، ووقفات احتجاجية تطالب بتسليم السلطة لحكومة مدنية، وتدعو للمشاركة في مليونية في 30 يونيو/ حزيران الجاري. و30 يونيو هو اليوم نفسه الذي نفذ فيه الرئيس المعزول عمر البشير انقلابا عسكريا عام 1989 وتولى على إثره السلطة، قبل أن تتم الإطاحة به في أبريل/ نيسان الماضي، تحت وطأة ثورة شعبية.
والأربعاء دعت قوى إعلان الحرية والتغيير إلى «مواكب مليونية» في 30 يونيو، للمطالبة بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية.
ونشر حزب المؤتمر السوداني المعارض مقاطع فيديو على صفحته في «فيسبوك» لتظاهرات طلاب وطالبات المرحلة الثانوية في ولاية سنار (جنوب) تطالب بتسليم المجلس العسكري الانتقالي السلطة للمدنيين.
وأفاد شهود عيان، أن آلاف الطلاب والطالبات في مدينة سنار خرجوا إلى الشوارع يرددون شعارات «سلطة مدنية.. أو تظاهرات أبدية». كما نشر الحزب فيديوهات لخطابات جماهيرية لكوادر طبية في سوق مدينة الفاشر (غرب)، ووقفات احتجاجية لتجمع موظفي وعمال وزارة الثروة الحيوانية، والتحالف والديمقراطي للمحامين، ولجنة المعلمين، ولجنة أطباء السودان المركزية في ولاية كسلا (شرق).
وأقامت قوى الحرية والتغيير ندوة سياسية في مدينة «المناقل» (وسط)، بالتنسيق مع لجان المقاومة في المدينة، حسب ما أورد تجمع المهنيين على صفحته في موقع «فيسبوك».
وعزلت قيادة الجيش في 11 نيسان/ أبريل الماضي، عمر البشير من الرئاسة، بعد ثلاثين عاما في الحكم، وذلك تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر العام الماضي، تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية.
أعقبت ذلك تطورات متسارعة تلخصت في مطالبات بتسليم السلطة للمدنيين، قبل فض اعتصام أمام مقر الجيش في الخرطوم، في انتهاك حمَّلت «قوى إعلان الحرية والتغيير»، قائدة الحراك الشعبي، مسؤوليته للمجلس العسكري، وقالت إنه أسفر عن سقوط 128 قتيلا، فيما تقدر وزارة الصحة العدد بـ61.
ومنذ أن انهارت مفاوضاتهما، الشهر الماضي، يتبادل الطرفان اتهامات بالرغبة في الهيمنة على أجهزة السلطة المقترحة، خلال المرحلة الانتقالية. وأعرب المجلس العسكري مرارا عن اعتزامه تسليم السلطة إلى المدنيين، لكن قوى التغيير تخشى من احتمال التفاف الجيش على مطالب الحراك الشعبي للاحتفاظ بالسلطة، كما حدث في دول عربية أخرى.
لم اسمع بمجلس تشريعية غير منتخبة الا في عهد الإنقاذ الهالك. الفترة الانتقالية هي لإعداد البلاد لوضع يستطيع فيه اختيار ممثليه بالانتخابات الحرة المباشرة. الفكرة ناتجة من تشكك في قدرة الشعب السوداني حاليا في ممارسة ديمقراطية منتجة. وهذا يحتاج لوقت طويل وجهد كبير ووعي واسع من النخب يتحول لبرامج توعية وتعبئة شعبية وتنظيم و للثقة بجدوى الديمقراطية لأنها هي الحل والضمان للسلام والتبادل السلمي للسلطة.