تأخر تكوين حكومة حمدوك يعود إلى خلافات بينه وبين الجبهة الثورية، فضلا عن تأخر توقيع الميثاق السياسي الجديد الذي قد يوفر لرئيس الوزراء حاضنة سياسية جديدة.
الخرطوم-»القدس العربي»: بعد مرور ثلاثة أسابيع، على عودة عبد الله حمدوك إلى منصبه، كرئيس لوزراء السودان، بعد توقيعه اتفاقاً مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ما زالت معالم حكومة الكفاءات التي ينتظر أن يكونها غير واضحة، والتي قد تتأخر وفق مراقبين لدواعي تعقيدات المشهد الراهن في السودان.
ونفذ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر الماضي، انقلابا عسكريا، أطاح عبره بالحكومة الانتقالية التي تشاركها المدنيين والعسكريين منذ آب/أغسطس 2019.
وبعد أربعة أسابيع من الانقلاب العسكري، أخرج قائد الجيش، رئيس الوزراء من الإقامة الجبرية ووقع معه اتفاقاً عاد بموجبه رئيسا للوزراء، لكن بدون حكومته من قوى الحرية والتغيير-الائتلاف الحاكم السابق.
من جانبه، اشترط حمدوك أن تكون حكومته من الكفاءات المستقلة، الأمر الذي قد يتعارض مع اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة مع الجبهة الثورية المكونة من عدد من التنظيمات والحركات المسلحة في تشرين الأول/أكتوبر 2020.
ويضم الاتفاق عدة اتفاقات حسب مسارات تفاوضية، تشمل دارفور، النيل الأزرق، الشرق والشمال والوسط، حيث ضمنت اتفاقات المسارات جميعها في اتفاق السلام فيما بعد.
ومنح الاتفاق الجبهة الثورية 5 مقاعد وزارية في الحكومة الانتقالية، شغلت 4 منها في وقت بقي الخامس شاغرا- وزارة التربية والتعليم- لجهة خلافات في شرق السودان أدت لتجميد مسار الشرق الذي كان من المقرر أن يشغل مرشحه منصب وزير التربية والتعليم، الذي ظل فارغا حتى حدوث الانقلاب.
ويرجع المراقبون، تأخر تكوين حكومة حمدوك إلى خلافات بينه وبين الجبهة الثورية، بخصوص استبدال منسوبيها بوزراء من الكفاءات المستقلة، فضلا عن تأخر توقيع الميثاق السياسي الجديد الذي قد يوفر لرئيس الوزراء حاضنة سياسية جديدة والذي يمر بصعوبات كبيرة، وأيضا استمرار التصعيد الشعبي الرافض للانقلاب العسكري واتفاق البرهان-حمدوك والذي يعد التحدي الأبرز.
غير أن القيادي في الجبهة الثورية، محمد زكريا، نفى وجود أي خلافات بين الحركات المسلحة ورئيس الوزراء بخصوص استبدالهم بكفاءات مستقلة، مؤكدا أن مقاعدهم الوزارية استحقاقات نالوها بموجب اتفاق السلام، ولا يمكن لأي اتفاق أن يلغيها.
وقال زكريا لـ»القدس العربي» إن قرارات قائد الجيش في 25 تشرين الأول/أكتوبر حلت المجلس السيادي ومجلس الوزراء، استثنت الحركات المسلحة، لذلك أعضاء الحركات في المجلس السيادي ومجلس الوزراء، ما زالوا يزاولون مهامهم بالشكل المعتاد.
وشدد على أنه لا يمكن لأي اتفاق إلغاء استحقاقات الجبهة الثورية التي أكدت عليها قرارات قائد الجيش في 25 تشرين الأول/أكتوبر وأيضا اتفاق السلام الذي نص على أنه في حال حدوث أي تعارض بينه وبين الوثيقة الدستورية، فالنص الوارد في اتفاق السلام هو الذي يسري.
وحسب زكريا، وزراء الحركات من الكفاءات وفقا لتأهيلهم وتخصصاتهم، مؤكدا أن وزراء الحركات باقون في الحكومة الجديدة إلا إذا قررت إحدى الحركات تغيير وزيرها في الحكومة بمرشح آخر، لافتاً إلى عدم حدوث أي نقاشات في الحركات في هذا الصدد.
ورهن القيادي في الجبهة الثورية، إعلان الحكومة بتوقيع الميثاق السياسي الذي نص عليه اتفاق البرهان-حمدوك، مشيرا إلى عمل لجنة على صياغة هذا الميثاق الذي يفصل آليات الحكم وشكل الجهاز التنفيذي.
وأكد أن الوصول لإجماع حول هذا الميثاق، قد يستغرق زمنا أطول ويؤخر إعلان الحكومة لاستكمال المشاورات بين القوى السياسية.
ونفى أن تكون هناك أي خلافات بين رئيس الوزراء والحركات بخصوص استبدال وزراء الحركات بوزراء تكنوقراط، مؤكدا ان حمدوك لم يطلب أي تغيير في وزرائهم الحاليين.
وأصدر حمدوك الأسبوع قبل الماضي قرارا بإعفاء وكلاء 21 وزارة، كان قد عينهم قائد الجيش عقب الانقلاب.
وكلف رئيس الوزراء وكلاء جدد في جميع الوزارات عدا المالية والحكم الاتحادي التي ما زال وزراء الجبهة الثورية يزاولون مهامهم فيها منذ الانقلاب.
ويزاول كذلك وزراء المعادن والتنمية الاجتماعية مهامهم لذات الأسباب، أي لاعتبارهم انها استحقاقات اتفاق سلام لم تتأثر بالإنقلاب.
وانعقد اجتماع مجلس الوزراء الأول منذ الانقلاب، الثلاثاء الماضي، وقال إعلام مجلس الوزراء في تعميم صحافي، إن الاجتماع كان بين رئيس الوزراء والوزراء والوكلاء المكلفين، في إشارة لعدم حسم بقاء أو ذهاب وزراء الحكومة من الجبهة الثورية.
وفي السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين مصعب محمد علي إن تعيين رئيس الوزراء لوكلاء وزارات في الفترة الأخيرة مؤشر واضح على أن التشكيل الوزاري سيتأخر لمزيد من المشاورات وحتى التوقيع على الإعلان السياسي الجديد المتوقع خلال الأيام المقبلة، وتكوين حاضنة سياسية للحكومة تختار أو تساعد في اختيار الوزراء الجدد.
وقال علي لـ»القدس العربي» إن حمدوك رغم التضارب بين اتفاقه واتفاق السلام الذي يمنح قادة الحركات مقاعد وزارية محددة وتمسك هذه الحركات بمقاعدها، يستطيع تكوين حكومة تكنوقراط من خلال التفاوض وطرح صيغة بموجبها يتم تكوين الحكومة.
ويرى أن المخرج الوحيد لحمدوك هو أن تحتفظ الحركات بمقاعدها ويعين حمدوك وزراء مقابل نسبتهم من القوى السياسية التي ستوقع على الإعلان السياسي ويعين البقية من التكنوقراط.
من جانب آخر، يمكن أن يتم التشاور مع الحركات في اختيار وزراء تكنوقراط في حالة رفضهم مشاركة قوى سياسية أخرى، وبالتالي تصبح الحكومة كلها من التكنوقراط حسب مصعب، مشيرا إلى أن الخيار الراجح هو أن تكون الحكومة مناصفة بين الحركات وقوى سياسية بنسبة ويتم تشكيل النصف الثاني من تكنوقراط، والذي يتطلب التوافق من خلال الإعلان السياسي الجديد.
وأضاف «لا أتوقع أن يفشل حمدوك في تكوين حكومته الجديدة، بل أتوقع تأخيره حتى الإعلان السياسي، فالحاضنة التي تتشكل ستساعده في الاختيار وضمان الدعم له».
وتوقع علي فشل حمدوك في حال لم يجد دعم من قوى سياسية وأيضاً إذا فشل الإعلان السياسي في تحقيق قاعدة سياسية تشكل دعماً للحكومة.