الخرطوم ـ «القدس العربي»: كشف السودان، أمس الأحد، عن مفاوضات مرتقبة بين وفدين سوداني وإسرائيلي، خلال الأسابيع المقبلة لإبرام اتفاقيات للتعاون، فيما يدفع التطبيع مع الاحتلال بالبلاد نحو مزيد من التأزم السياسي، سيما وأن قوى مختلفة تعارض الخطوة، وتستعد للتصعيد
وزارة الخارجية السودانية أشارت إلى مفاوضات بين وفدين سوداني وإسرائيلي، خلال الأسابيع المقبلة لإبرام اتفاقيات للتعاون في مجالات الزراعة والتجارة والاقتصاد والطيران ومواضيع الهجرة.
وقالت في بيان رسمي «توصل السودان وإسرائيل إلى قرار بإنهاء حالة العداء وتطبيع العلاقة بينهما وبدء التعامل الاقتصادي والتجاري، وبتركيز أولي على الزراعة، لفائدة شعبي البلدين. وقد تم الاتفاق على أن يجتمع وفدان من البلدين في الأسابيع المقبلة، للتفاوض لإبرام اتفاقيات للتعاون في مجالات الزراعة والتجارة والاقتصاد والطيران ومواضيع الهجرة، وغيرها من مجالات لتحقيق المصالح المشتركة للشعبين».
وهو الأمر الذي أكده وزير الاستخبارات الإسرائيلي، إيلي كوهين، مشيراً إلى أنه سيزور السودان على رأس وفد إسرائيلي في القريب العاجل.
وقال لصحيفة «السوداني» المحلية» إنّ «المناقشة الفعلية بشكلٍ مباشرٍ بين الخرطوم وإسرائيل بدأت بعد لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي، وتبعته سلسلة من اللقاءات بين وفدي الدولتين تحت رعاية أمريكية، وآخر اللقاءات كانت الأسبوع الماضي ونجح فيها الوفدان في كسر الحاجز والوصول إلى اتّفاق سلامٍ نصّ على تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين».
وتوقّع زيارة وفد سوداني لتل أبيب قريبا، وكذلك زيارة وفد إسرائيلي إلى الخرطوم.
وقال : «سأزور الخرطوم بمعية وفد استثماري، أنا شخصيا سأترأس الوفد الإسرائيلي القادم للخرطوم بعد التوقيع الرسمي على اتّفاق السلام بين إسرائيل والخرطوم، وأوّد أنّ أقدّم دعوة بشكلٍ رسمي للحكومة السودانية لإرسال وفد سوداني إلى تلّ أبيب».
«حكومة مفوّضة»
ودافع وزير العدل السوداني، نصر الدين عبد الباري، عن اتفاق التطبيع الذي كان أحد مهندسيه، وقال في تصريحات صحافية أمس الأول « الحكومة الانتقالية الحالية، المؤيدة من السواد الأعظم من السودانيين، ومسنودة من العسكريين، ويقودها رئيس وزراء يحظى بتأييد لم يحظَ به أي رئيس وزراء في تاريخ السودان تملك القدرة السياسية على اتخاذ القرارات الكبرى، لأنها ليست حكومة انتقالية تقليدية، وإنما حكومة تأسيسية».
وتابع «الوثيقة الدستورية لا تضع قيوداً غير المصلحة والاستقلالية والتوازن في ممارسة الحكومة لسلطة وضع وإدارة السياسة الخارجية، ولا تمنع إقامة علاقات مع إسرائيل، والحكومة الانتقالية مفوضة بموجب الوثيقة الدستورية الحاكمة بإدارة السياسة الخارجية بتوازن وباستقلالية، ووفقاً لمصالح السودانيين، التي تتغير بتغير الزمان والظروف».
وأضاف «قرار التطبيع سوف يعود على السودانيين بمنافع كثيرة في المدى القريب والبعيد تم الاتفاق عليها، وسوف يرون أثر ذلك في الأيام القليلة المقبلة».
وفجر عضو مجلس السيادة، صديق تاور، مفاجأة من العيار الثقيل، عندما كشف أمس لفضائية «الجزيرة» عن أن الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، وعبد الله حمدوك، رئيس مجلس الوزراء قد «انفردا بصناعة قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، دون أعضاء المجلسين، في حين أنه تم الاتفاق في السابق بأن يؤول الموضوع لمجلس الوزراء ووزارة الخارجية باعتبارهما الجهات المختصة».
وزاد: «ما تم مؤخراً من اتفاق حول التطبيع لم يستشار فيه لا مجلس السيادة أو الوزراء».
وشنّ حزب «الأمة» القومي، بزعامة الصادق المهدي، هجوما على اتفاق التطبيع، مشيراً إلى أنه يبين «خطر الانفراد بالقرار، ويمهد للانهيار».
وقال في بيان بعد اجتماع لمكتبه السياسي أمس الأول «رأى المكتب أن هذا القرار الخطير يشكل علامة فارقة في بيان خطل وانفرادية التصرفات المرتكبة خارج تفويض حكومة الفترة الانتقالية بمجلسيها السيادي والوزراء، وتتطلب مواجهته موقفاً قوياً يردع هذا التردي ويعيد التوازن للفترة الانتقالية ويمنعها من الانفلات بسبب قرارات غير مسؤولة ولا مدروسة ولا متشاور عليها، تخرق الوثيقة الدستورية، وتخلخل التوازن الهش القائم، مما يمهد الأوضاع لكافة سيناريوهات الانهيار».
كوهين سيترأس وفداً لزيارة الخرطوم… وعضو في السيادي يكشف عن تفرد بالقرار
الحزب أوضح أنه سيتخذ «خطوات إجرائية وعملية بهذا الصدد خلال الأيام القليلة المقبلة».
وكان زعيم الحزب الصادق المهدي، انسحب من ندوة حكومية تقيمها وزارة الأوقاف ويحضرها ضيوف من خارج البلاد، احتجاجا على التطبيع بعد أن هدد المهدي بأنه سيقوم بإجراءات قضائية ضد أعضاء الحكومة الذين وافقوا على التطبيع.
واتهمت نائبة رئيس حزب «الأمة القومي» مريم الصادق المهدي، تلفزيون السودان بتغييب رأي القوى السياسية الوطنية.
وقالت في رسالة معممة على تطبيق «واتساب» إن «القناة القومية ظلت تكرر بلا انقطاع تصريحات وزير العدل المتغولة على مهنية منصبه وحراسته الحيادية للقانون والدستور» على حد تعبيرها.
وأضافت: «خرج وزير العدل في تصريحاته كسياسي متطرف في تأييد التطبيع مع الدولة غير الطبيعية». واتهمته بـ«تكريس موقعه لانتهاك الدستور وتغييب صوت الشعب السوداني وحقه في المشاركة في القرارات، والاستهانة بالقوى الوطنية التي تعارض التطبيع الذي يجري شكلا وموضوعا».
«طريقة مراوغة»
الحزب الشيوعي جدد كذلك رفضه للتطبيع بعد اجتماع لمكتبه السياسي، وقال في تصريح صحافي «نجدد موقفنا الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني العنصري الذي جرى بطريقة مراوغة، فضلا عن الابتزاز الذي تم، ورفض رفع الدعم والخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي وشروطه الذي يؤدي للمزيد من الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور الاقتصاد السوداني ونرفض ربط البلاد بالمحاور والتحالفات العسكرية الخارجية، وقيام علاقات خارجية متوازنة». ودعا الحزب لتكوين «جبهة عريضة للحقوق والحريات».
«النزول للشارع»
في السياق، دعا حزب «المؤتمر الشعبي» في السودان، إلى النزول للشارع لإسقاط قرار التطبيع مع إسرائيل. وقال الحزب، الذي أسسه الراحل حسن الترابي، عبر بيان، إنه «يدعو الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية والفئوية والشعبية وسائر قطاعات المجتمع للاصطفاف ضد الموقف المتخاذل من السلطة الانتقالية في البلاد، والنزول إلى الشارع لإسقاط قرار التطبيع مع إسرائيل».
وأضاف أنه «يدعو كافة القوى الشعبية إلى تكوين جبهة شعبية عريضة لمناهضة التطبيع مع إسرائيل».
وتابع: «المؤتمر الشعبي إذ يدين القرار، فإنه يطالب الحكومة التنفيذية ومجلس السيادة (جناحي السلطة الانتقالية في السودان) بالتراجع عنه، وعدم المضي في إقامة أي علاقات مع دولة الكيان الصهيوني المغتصب، وأن يترك أي قرار في القضايا المصيرية للحكومة المنتخبة شرعيا مع جموع الشعب السوداني، وليس من حكومة تسيرها السفارات والمنظمات الأجنبية» وفق وصفه.
«المصلحة الوطنية»
في المقابل، رحب حزب «المؤتمر السوداني» أحد أهم أحزاب التحالف الحاكم في السودان بالتطبيع، وقال في بيان رسمي: «نرحب ببداية الاتصالات مع إسرائيل وإنهاء حالة العداء معها، الحدث الذي يتطلب من جميع بنات وأبناء السودان الشرفاء إعادة تعريف علاقاتنا الخارجية لتقوم على قاعدة المصلحة الوطنية، وجعلها فوق كل اعتبار، وتغليبها على كل المصالح الأخرى».
وأضاف «نؤكد على أن التطبيع مع اسرائيل يجب أن يقوم على قاعدة التأمين الكامل على تنفيذ مقررات الأمم المتحدة وحفظ كافة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في قيام دولته المستقلة».
وهو نفس النهج الذي سار عليه تحالف «الجبهة الثورية» الذي يضم تنظيمات مسلحة ومدنية وقعت على اتفاق للسلام مؤخرا بالتطبيع مع إسرائيل.
وقال الناطق باسم الجبهة، أسامة سعيد، في بيان رسمي «الجبهة الثورية ترحب ترحيباً كبيرا بالقرار الشجاع الذي اتخذته حكومة الثورة بإعلاء مصالح الشعب السوداني والقيام بخطوه مهمة نحو تطبيع العلاقة مع دولة إسرائيل، وتؤكد على موقفها الداعم للفلسطينيين وتقف مع حقهم المشروع في إقامة دولتهم في إطار معادلة حل الدوليين».
وتابع: «الجبهة الثورية تدعو حكومة الثورة إلى انتهاج سياسة خارجية متوازنة ومنفتحة على كل العالم على قاعدة التعاون وتبادل المصالح المشتركة مما يدعم ذلك الاصلاح الداخلي والتقدم في عملية التغيير والتحول الديمقراطي».
«انقسامات»
وتوقع القيادي في قوى «الحرية والتغيير» ساطع الحاج، أن يقود التطبيع مع إسرائيل إلى انقسامات داخل مجلسي الوزراء والسيادة، وداخل قوى الحرية والتغيير، فضلاً عن أنه «سيعيد البلاد إلى سيطرة جهة واحدة، مما يعني انتفاء ميزة الفترة الانتقالية التي تتمثل في أن صناعة القرار غير محتكرة لشخص واحد».
ووجه في تصريحات صحافية انتقادات لاذعة لمجلس السيادة لـ«تجاوزه صلاحيات الوثيقة الدستورية ودخوله في التطبيع من أجل حمايته فقط دون أن تكون للحكومة فيه مصلحة واضحة».
وقال: «القرارات التي تتخذها الحكومة الانتقالية دائماً كانت تأتي معبرة عن رأي الشعب السوداني والثورة السودانية» لافتاً إلى أن «أي قرار في الفترة الانتقالية يتم تداوله بآليات مختلفة لجهة أنه يأتي معبراً عن مصلحة السياسة السودانية والشعب السوداني».
وحذر من أن «التطبيع سيضعف الفترة الانتقالية، الى جانب أنه سيؤدي إلى تشتيتها مما سيسمح للعسكر بمواصلة الحكم وإعادة إنتاج الأزمة من جديد».