الخرطوم ـ «القدس العربي»: في استمرار للتصعيد الشعبي ضد انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بعد استقالة رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، خرج الآلاف في العاصمة السودانية الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، الثلاثاء، في تظاهرات، للمطالبة بإسقاط الانقلاب، وتسليم السلطة للمدنيين، في حين التقى القائم بالأعمال الأمريكي، براين شوكان، البرهان، في إطار جهود واشنطن لحل الأزمة في السودان.
وكانت لجان مقاومة حي أمبدة في مدينة أمدرمان، قد دعت مساء الثلاثاء، لموكب مفاجئ يتجه نحو القصر الرئاسي، لم يكن ضمن جدول التصعيد المعلن من قبل لجان المقاومة في شهر يناير/ كانون الثاني.
وتداعت لجان المقاومة في مدن العاصمة والولايات الأخرى، وتجمع المهنيين السودانيين، لدعم تظاهرة لجان مقاومة أمبدة، وأعلنت مشاركتها في تظاهرة الثلاثاء.
وقالت في بيانات أصدرتها مع ساعات الفجر الأولى: «إلى لجان مقاومة أمبدة، لن تسيروا وحدكم».
التظاهرات المباغتة
وأصبحت لجان المقاومة، أخيرا، تعتمد التظاهرات المباغتة التي أربكت السلطات التي ظلت تغلق الطرق والجسور مع كل إعلان لتظاهرة جديدة، فضلا عن تعطيل الاتصالات، وسط سخط شعبي واسع.
وخرجت تظاهرات في مدن العاصمة السودانية الثلاث، الخرطوم والخرطوم بحري وأمدرمان، فضلا عن مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، وبورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر في شرق، وأيضا مدن الأبيض ونيالا والفاشر غربي السودان.
وأغلقت السلطات في السودان، منذ ساعات الفجر الأولى، الثلاثاء كل الجسور في العاصمة الخرطوم عدا جسري كوبر والحلفايا، بينما أغلقت محيط القصر الرئاسي والقيادة العامة للقوات المسلحة، وسط الخرطوم، وأبقت على خدمات الاتصال والإنترنت التي اعتادت قطعها بالتزامن مع التظاهرات.
وعلى الرغم من التشديد الأمني استطاع المتظاهرون في مدينة الخرطوم الوصول إلى شارع القصر المتاخم للقصر الرئاسي وسط الخرطوم، وسط إطلاق كثيف للغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية من قبل الأجهزة الأمنية. ولم تعلن لجنة أطباء السودان المركزية عن قتلى أو جرحى، حتى لحظة كتابة التقرير.
وكانت لجان المقاومة، قد حددت حسب جدول التظاهرات المعلن لهذا الشهر، أيام (6،13، 17،24،30) إلا أنها منذ بداية العام ارتجلت مظاهرتين مباغتتين حتى الآن، يومي 2 و4 يناير/ كانون الثاني.
وقالت لجان مقاومة أمدرمان، في بيان مقتضب، فجر الثلاثاء، إلى البرهان: (استقال أو لم يستقل الجدول شغّال) في إشارة لاستقالة رئيس الحكومة عبد الله حمدوك.
وفي الأثناء، التقى القائم بالأعمال الأمريكي، براين شوكان، أمس البرهان، في القصر الرئاسي، وسط الخرطوم.
وحسب إعلام المجلس السيادي السوداني، دعا القائم بأعمال السفارة الأمريكية في الخرطوم، إلى «ضرورة الاستمرار في مسار التحول الديمقراطي، والإسراع في تشكيل الحكومة التنفيذية واستكمال بقية هياكل السلطة الانتقالية».
وأكد البرهان على «ضرورة استمرار الحوار بين الأطراف كافة للخروج ببرنامج توافق وطني لإدارة الفترة الانتقالية» وقال إن «أبواب الحوار ستظل مفتوحة مع جميع القوى السياسية وشباب الثورة من أجل التوافق على استكمال هياكل الفترة الانتقالية، والسير في طريق التحول الديمقراطي، وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة تأتي بحكومة مدنية منتخبة تلبي تطلعات الشعب السوداني».
وأضاف: السودان حريص على استمرار الشراكة والتعاون مع الولايات المتحدة في مختلف المجالات، بما يحافظ على الإنجازات التي تمت خلال الفترة الماضية والبناء عليها في المستقبل لخدمة المصالح المشتركة للبلدين.
وأشار إعلام المجلس السيادي إلى أن اللقاء بحث أيضا العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن وتطورات الوضع الراهن في البلاد.
وإضافة إلى شوكان، التقى قائد الجيش برئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي، فولكر بيرتس. وحسب بيان صحافي للقصر الرئاسي، جاء اللقاء في إطار التشاور المستمر بين الحكومة وبعثة الأمم المتحدة في السودان.
وبيّن أن اللقاء بحث الوضع السياسي الراهن بالبلاد بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من منصبه، وشرح خلاله البرهان رؤيته حول الأوضاع الراهنة بالبلاد، لرئيس يونيتامس، الذي أطلعه من جانبه على رؤية الأمم المتحدة للفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية.
ووفقا للبيان الصحافي، أمن الجانبان على ضرورة استكمال هياكل الفترة الانتقالية والإسراع بتعيين رئيس وزراء جديد خلفا لحمدوك. وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قد طالب القادة السودانيين بالحوار من أجل الوصول توافق وضمان الحكم المدني، مؤكدا على ضرورة تعيين رئيس وزراء جديد، وأن تكون الحكومة السودانية المقبلة متماشية مع الوثيقة الدستورية.
إدانة أمريكية للعنف
وفي إطار المواقف الأمريكية بخصوص الوضع في السودان، أدانت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى مجلس الأمن الدولي، ليندا توماس، استمرار استخدام الجيش للعنف ضد المتظاهرين السلميين، وطالبته باحترام مطالب السودانيين بالحكم المدني.
وقالت في تغريدة على حسابها الرسمي في تويتر، إن السودان لديه فرصة متاحة للانتقال إلى ديمقراطية بقيادة مدنية حقيقية.
الأولى بعد استقالة حمدوك… ودعا المشاركون فيها لتسليم الحكم للمدنيين
وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب غريغوري ميكس، في تغريدة نشرها حساب لجنة العلاقات الخارجية على «تويتر» إن استقالة حمدوك علامة على تآكل الانتقال بقيادة المدنيين في السودان، تحت قيادة البرهان وقائد ميليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي».
كذلك أكد عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور الديمقراطي كريس كونس، في بيان، أن حمدوك حاول تحقيق أهداف الثورة، وبناء المزيد من الحرية، والسلام والازدهار للسودان.
وشدد على أن استقالة حمدوك تعزز انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول العسكري، وتكشف نوايا القادة العسكريين السودانيين في التمسك بالسلطة.
وفي وقت تحاول فيه واشنطن وعدد من الأطراف الدولية، دفع الاطراف السودانية للحوار، يبدو المشهد في السودان أكثر تعقيدا، مع استمرار رفض الشارع لانقلاب قائد الجيش ومطالبته بتنحي قادة المجلس العسكري وتسليم السلطة للمدنيين.
«محدودة التأثير»
الخبير الدبلوماسي، عثمان نافع، قال لـ«القدس العربي» إن استقالة حمدوك عقدت المشهد في السودان بشكل كبير، لافتا إلى أن «جهود الأطراف الخارجية تظل محدودة التأثير على المشهد لجهة استمرار التصعيد الشعبي الرافض للانقلاب». ولفت إلى أن «التنسيق واللقاءات بين المكون العسكري والقوى السياسية لن تحل الأزمة، وحتى لو تشكلت حكومة جديدة، لأن الشارع حدد أجندته بشكل واضح بإبعاد المكون العسكري من المشهد».
وزاد «الفرصة الوحيدة للوصول لحوار بين العسكريين والشارع ستتخلق حال ذهاب القادة العسكريين الحاليين واستبدالهم بآخرين».
ولفت إلى أن «واشنطن مدركة تماما للمشهد المعقد في السودان وتعلم أن الحل الوحيد هو ذهاب المكون العسكري الحالي من الحكم». ورجّح أن تكون الولايات المتحدة وضعت عرضا للقادة العسكريين يتضمن تنحيهم عن السلطة، بشكل غير معلن، خاصة وأن اتفاق 21 نوفمبر/تشرين الثاني الذي كان ينتظر أن يحل الأزمة وحظي بدعم واشنطن والمجتمع الدولي، قد انهار بعد استقالة حمدوك.
وشدد على عدم وجود حلول أخرى منتظرة غير تعامل العسكريين بحكمة مع الوضع في البلاد وتنحي قادة الانقلاب.
وقطع بأن الانقلاب فاشل تماما ولا أمل لنجاحه خاصة بعد ذهاب حمدوك، مشيرا لعدم قدرة قادته على تكوين حكومة لأكثر من شهرين.
ولفت لجهود واشنطن في محاصرة الانقلاب من الخارج وإقناع الداعمين له بفشله، مشيرا إلى أن أي محور خارجي لديه درجة وعي استراتيجي لن يمضي في دعم عملية فاشلة وسيسير نحو حلحلة الأمور بشكل آخر حتى لا يحرق رصيده لدى السودان.
وشدد على أن الشارع هو اللاعب الأهم الآن وهو غير مستعد للحوار مع قادة العسكر الحاليين المحمّلين بخطيئة الانقلاب، مؤكدا على ان أي تسوية او ترتيب جديد في السودان لإكمال الانتقال في السودان لن يتم إلا بذهاب القادة العسكريين الحاليين.
وأضاف: لا أفق لأي حل دون ذلك، ربما تدفع الجهود الدولية في ذلك الاتجاه، ولكن بالمقابل لن تكون هناك حلول ما لم يذهب قادة الجيش.
أما الخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة، فأكد لـ«القدس العربي»، أن «جهود واشنطن لدفع الأطراف السودانية للحوار يجب أن يتعلق بها الجانبان المدني والعسكري، خاصة وأن واشنطن قد بذلت جهودا عديدة في عودة السودان لصندوق النقد والبنك الدولي بالإضافة إلى جهودها بخصوص إعفاء ديون السودان».
انهيار المبادرات
وشدد على احتمال فقد البلاد لكل مكتسبات الفترة الانتقالية في حال توتر العلاقات مع واشنطن، خاصة في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية الحادة في السودان قد تقود البلاد للانهيار، على حد قوله.
ولفت إلى أن انهيار مبادرات حل الأزمة من الداخل والخارج وتمسك القادة العسكريين بمواقفهم قد يعود بالبلاد إلى مربع المقاطعة والعزلة نفسه الذي كان في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، مشددا على ضرورة التمسك بالفرص للمضي للأمام والتعامل مع جهود واشنطن والمجتمع الدولي لترتيب الأوضاع في السودان بجدية.
ورأى أن الجهود الأمريكية قد لا تنجح لجهة تمسك بعض الأطراف بمواقفها أو قد لا تستطيع الوصول للإجماع المطلوب للمضي نحو تكوين حكومة في أسرع وقت ممكن.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك ترك خلفه خلافات سياسية واسعة قد لا تقود لحكومة متوافق عليها قريبا حتى لو تم دفع ذلك من المجتمع الدولي.