الخرطوم ـ «القدس العربي»: شارك الآلاف من المحتجين في تظاهرات غير مركزية في العاصمة السودانية الخرطوم، نددت بالاعتداء الجنسي على ابنة الأمين العام للجنة إزالة التمكين الطيب عثمان، ورفضا للتسوية مع قادة الانقلاب وغلاء المعيشة في البلاد.
وفي مدينة الخرطوم، توجهت التظاهرات نحو شارع الستين، الواقع شرقها، حيث تعالت الهتافات المطالبة بإسقاط الانقلاب ومحاكمة قادته والمطالبة بوقف العنف والانتهاكات ضد المعارضين لانقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
وأعلنت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم التصعيد رفضا لاستخدام أجساد النساء في المعارك السياسية، حتى إسقاط الانقلاب الذي وصفته بـ “الدموي واللاأخلاقي»، مؤكدة استمرار التظاهرات الرافضة للتفاوض والشراكة ومنح الشرعية لقادة الانقلاب.
وشددت على أن المقاومة الشعبية للحكم العسكري ستتواصل حتى إسقاط الانقلاب.
وقالت في بيان: «سوف نناضل من أجل انتزاع كل ما نستحق، أو نتوج بالشهادة ونحن نحاول»، مضيفة: «ستظل زغاريد الكنداكات تتعالى وهتافات التروس مطالبين بإسقاط السلطة الانقلابية وقيام سلطة الشعب».
وتستخدم كلمة كنداكة للإشارة للمتظاهرات من النساء بتشبيههن بالملكات في الحضارة النوبية القديمة، واللاتي اشتهرن بالشجاعة والحكمة وتقدم الصفوف، بينما اعتاد الشبان الثوار مناداة بعضهم البعض بـ «التروس» للتأكيد على صمودهم مثل المتاريس ـ حواجز يقومون ببنائها من الحجارة ـ لحماية الاحتجاجات من قمع العسكر.
جريمة بشعة
واعتبرت لجان الخرطوم تظاهرات أمس «حلقة في سلسلة المقاومة الشعبية للسلطة الانقلابية والانتهاكات» التي وصفتها بـ«الدناءة والفظاعة وتجاوز كل الحدود، بتواصل الانتهاكات الجنسية ضد المتظاهرين واستخدامها كسلاح سياسي ضد المعارضين».
ووصفت حادثة اغتصاب ابنة عثمان بـ “الجريمة البشعة والمصاب العظيم للشعب السوداني»، متهمة قوات الانقلاب والمناصرين لها بمواصلة الانتهاكات الجنسية واستخدامها في تصفية الخصومات السياسية.
وقالت إن «السلطة الحاكمة ظلت تمارس القتل والسحل والترهيب وتواصل الانتهاكات ضد المتظاهرين والمواطنين»، مبدية غضبها من استخدام اغتصاب الأطفال «كوسيلة لتكميم أفواه الناس، وسلاح لتصفية الخصومات السياسية والشخصية»، واعتبرت ذلك «امتدادا صريحا لنهج النظام السابق «.
نددت بالاعتداء الجنسي على ابنة الأمين العام للجنة إزالة التمكين
وأضافت: «تابعنا في الأيام القليلة الماضية حادثة اختطاف واغتصاب ابنة عثمان ذات الخمسة عشر ربيعاً، والتي عادت بعد الاعتداء عليها محملة برسالة إلى والدها مفادها أن (قولي لأبيك إننا قادرون على أن نصل إليك) في مشهد خالٍ من الأخلاق والإنسانية، مما زاد من سخط وغضب الشعب السوداني تجاه مرتكبي هذه الجريمة ومن يتبعونهم».
وأشارت إلى أن الحادثة «أثارت الحنق الشعبي والعزم على مواصلة الرفض والمقاومة لسلسلة الانتهاكات التي طالت الشعب، وأكدت إدانتها واستنكارها لاستخدام أجساد النساء في الصراعات السياسية، ولكل ما يحاك ضد المواطن السوداني من خطط وخبايا وصفتها بـ«الخبيثة».
غلاء المعيشة
وفي مدينة أمدرمان، غرب الخرطوم، حركت تنسيقيات لجان المقاومة، تظاهرات رافضة لغلاء المعيشة، حيث جاب المتظاهرون الأسواق مرددين هتافات منددة بالحكم العسكري والسياسات الاقتصادية في البلاد، أبرزها: «صحة وتعليم مجان والشعب يعيش في أمان.العسكر للثكنات والجنجويد يتحل»
وأكدت لجان مقاومة أمدرمان في بيان على «تمسكها بالمواثيق السياسية التي أعلنتها اللجان خلال الأشهر الماضية، والتي نصت على مجانية الصحة والتعليم، معتبرة إياهما «حقا أساسيا ومكفولا للجميع بغض النظر عن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية».
وقالت في بيان إنها «ستظل ترفض كل أشكال الظلم الذي تمارسه السلطة الانقلابية بفرضها موازنات لإفقار وتجويع السودانيين وتسليع وخصخصه التعليم وتحويله إلى مؤسسات ربحية ذات طابع استثماري ضاربين بأولية التعليم كحق للجميع عرض الحائط».
ونفذت لجان المقاومة مخاطبات جماهيرية في أسواق مدينة أمدرمان، وقامت بتوزيع قصاصات نددت بالانقلاب والسياسات الاقتصادية التي تنتهجها البلاد.
وشهد مطلع العام الجاري، زيادات غير معلنة في أسعار السلع والخدمات، في وقت لم تقر الحكومة موازنة 2023 ولم تعلن تفاصيلها حتى الآن، وسط تخوف من استمرار سياسات رفع الدعم عن السلع والخدمات.
وفي مقابل الزيادات العالية في أسعار السلع الأساسية، التي ترتبت على رفع الدعم، تراوح أجور الموظفين والعمال السودانيين مكانها، الأمر الذي تسبب في موجة واسعة من الإضرابات.
وتشهد قطاعات العمل في السودان إضرابات واسعة، بسبب غلاء المعيشة وضعف الأجور، أبرزها إضرابات المعلمين وأساتذة الجامعات، في وقت يشكو التجار من كساد البضائع وضعف الإقبال على الأسواق، في ظل الزيادات المتتالية في الضرائب التي تفرضها السلطات على التجار وأصحاب الأعمال.
المالية تنأى بنفسها عن الرسوم
وفي تعليقه على تصاعد أسعار السلع والخدمات، قال وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، في تغريدة على حسابه في «تويتر»، الشهر الماضي، إن المؤسسات الحكومية هي التي تقترح تعديل رسومها وفق تقديرها لتكلفتها الحقيقية، مؤكدا أن دور وزارته يقتصر على الموافقة على تلك التعديلات.
وشدد على أن وزارة المالية لا علاقة لها بالرسوم الدراسية التي تفرضها الجامعات، والجبايات التي تتم في المحليات والولايات والطرق، مؤكدا على إنها لا تملك سلطة فرض ضرائب أو رسوم جديدة، وأن ذلك من اختصاص السلطة التشريعية.
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2020 بدأت السلطات السودانية برامج رفع الدعم عن الوقود والخبز والسلع والخدمات الاستهلاكية.
وفي وقت تفاقمت الأزمة الاقتصادية في البلاد، في أعقاب انقلاب القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الأمر الذي تسبب في اضطرابات سياسية وأمنية واسعة كانت لها آثار فادحة على الاقتصاد، أعلنت الصناديق الدولية تعليق برامجها الاقتصادية في البلاد، بسبب استيلاء العسكر على السلطة.
وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي وقعت مجموعة من الأطراف المدنية والعسكرية اتفاقا إطاريا، تعول على أن ينهي الأزمات المتفاقمة في البلاد.
وأعلنت مطلع الأسبوع الجاري الشروع في المرحلة النهائية في العملية السياسية تمهيدا للتوقيع على اتفاق نهائي يعيد السلطة للمدنيين، في فترة انتقالية تستمر لعامين، تعقبها انتخابات.
وفي مقابل الدعم الدولي الواسع للاتفاق، تتواصل التظاهرات الرافضة للتفاوض والشراكة ومنح الشرعية للعسكر، وتعتبر لجان المقاومة التي تقود التظاهرات منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية الاتفاق الأخير تسوية فاشلة وخيانة للثورة السودانية.
وخلال 15 شهر من استيلاء العسكر على السلطة في السودان، راح ضحية قمع الأجهزة النظامية للاحتجاجات 122 متظاهرا حسب إحصاءات لجنة أطباء السودان المركزية، بينما تجاوز عدد المصابين 6000 وفق منظمة «حاضرين» الناشطة في علاج مصابي الثورة السودانية.