السودان: تظاهرة مليونية معارضة اليوم … والسلطات تستدعي المبعوث الأممي بعد تحذيره لها من القمع

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: تحركات واسعة يشهدها المشهد السياسي في السودان، بالتزامن مع التظاهرات «المليونية» المنتظرة، اليوم الخميس، والتي يتوقع أن تشارك فيها حشود ضخمة في العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى، في الوقت الذي تشهد فيه حدود البلاد الشرقية توترات عسكرية مع إثيوبيا، عقب مقتل 7 جنود ومدني سوداني على يد الجيش الإثيوبي، فيما لا يزال نائب رئيس المجلس السيادي، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، موجوداً في إقليم دارفور غربي البلاد.
يأتي كل ذلك، بينما يزور السودان عدد من المبعوثين الدوليين، وبعد بدء الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي والاتحاد الأفريقي و»إيغاد» اجتماعات منفصلة مع الأطراف السودانية.
ودعا رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، فولكر بيرتس، السلطات، أمس الأربعاء، إلى ضمان التزامها في حماية الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير، مؤكداً أنه لن يتم التسامح مع العنف ضد المتظاهرين.
وعلى خلفية تصريحه، استدعته وزارة الخارجية السودانية، مشددة على أن تصريحاته بشأن تظاهرات الخميس مبنية على «أحكام وافتراضات مسبقة بإدانة أجهزة إنفاذ القانون في البلاد».

استياء حكومي

وأبلغ وكيل وزارة الخارجية، السفير دفع الله الحاج علي، بيرتس، بـ»استياء وعدم رضا حكومة السودان تجاه التصريحات الإعلامية التي صدرت منه بشأن تظاهرات الخميس»، مشددا على أن «ذلك يتنافى مع دوره كمسهل يتوقع منه تقريب الشقة والعمل على تحقيق الوفاق الذي يتطلع إليه الجميع».
وقال حسب بيان وزارة الخارجية، أمس، إن «مثل هذه التصريحات غير مقبولة لما فيها من وصاية ومساس بالسيادة الوطنية»، مؤكدا على «احترام حكومة السودان لحق حرية التعبير والتظاهر السلمي، وأن سلطات إنفاذ القانون ممثلة في النيابة العامة والشرطة تضطلع بدورها في حماية الأرواح والممتلكات العامة وفقا لواجباتها المنصوص عليها في القانون».
في الأثناء، أعلنت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم، عن نقاط تجمع ومسارات عديدة لتظاهرات اليوم، التي تأتي في الذكرى الثالثة لتظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2019 والتي قلبت موازين القوى بعد سيطرة الجيش على السلطة وقتها، ورفضه الشراكة مع المدنيين، وتمخض عنها توقيع الوثيقة الدستورية التي تشارك بموجبها المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» والعسكر السلطة، في أغسطس/ آب 2019.
وبعد انقلاب العسكر في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تصاعدت الاحتجاجات الرافضة للانقلاب، والمطالبة بالحكم المدني وخروج العسكر بشكل كامل من العمل السياسي في البلاد.
وعلى الرغم من التحركات التي يقوم بها المجتمع الدولي للوصول لتسوية في السودان، وانخراط المجلس المركزي لـ»الحرية والتغيير» في لقاءين مع العسكر بوساطة أمريكية سعودية، قالت إن الهدف منهما إنهاء الانقلاب، تتواصل التظاهرات الرافضة للشراكة والتفاوض ومنح الشرعية للعسكر.

«ركائز الانقلاب تهالكت»

وقال المتحدث باسم تنسيقيات لجان مقاومة مدينة الخرطوم، لـ«القدس العربي» إنهم «يدركون أن ركائز الانقلاب تهالكت منذ إعلانه، لجهة أن قادته يمضون عكس اتجاه ومطالب الشارع، ويتغافلون عن حاجة الشعب السوداني الماسة للديمقراطية».
وأضاف: «نحن لن ننتظر سقوط الانقلاب، ولكننا نعمل من أجل ذلك»، مشيرا إلى أن تظاهرات اليوم «حدث مهم تتعامل معه لجان المقاومة بغاية الأهمية، ولكنه ليس سدرة المنتهى ونهاية طريق المقاومة».
أما القيادي في المجلس المركزي لـ»الحرية والتغيير»، ورئيس حزب المؤتمر، عمر الدقير، فقد أكد أن العنوان السياسي لمواكب الثلاثين من يونيو هو «عدم التصالح مع الانقلاب، وتأكيد مطلب إنهائه وتأسيس سلطة مدنية كاملة تمثل الجميع، والذي تندرج تحته كل مطالب الثورة وعلى رأسها الوصول لجيش قومي مهني واحد والإصلاح المؤسسي والعسكري والمدني وقضايا العدالة والمحاسبة والاقتصاد والسلام وتفكيك بنية النظام المباد وصناعة الدستور والانتخابات».
وبيّن أن «حشود المتظاهرين السلميين ستسدّ عين الشمس، وستجعل منه يوماً ملحمياً آخر يواصلون فيه زحفهم نحو تحقيق غايات الحرية والسلام والعدالة»، واصفا إياه بـ»الزحف المقدس نحو أنبل ما عرف تاريخ البشرية من غايات.»
وقال: «الشعب السوداني يواجه امتحانا وطنيا تاريخيا يتطلب البعد عن مظاهر الفرقة والشتات والاستجابة لنداء الوحدة بين قوى الثورة لامتلاك الشرط المفتاحي لهزيمة الانقلاب وانتصار أجنحة الحرية على مخالب الاستبداد».
تعديل ميزان القوى
فيما قال المجلس المركزي لـ»الحرية والتغيير»، في بيان إن «خروج ملايين السودانيين في تظاهرات اليوم هو الضمانة لتعديل نوعي لميزان القوى وهزيمة الانقلاب».
وأضاف: «اليوم سيكون لإظهار قوة الشعب ووحدته وعزمه على هزيمة الانقلاب وجعله آخر الانقلابات والذي سيودع بعده الشعب الاستبداد إلى الأبد».
ودعا إلى أن «يكون خطوة لصعود عتبة جديدة في سلم ثورة ديسمبر المجيدة، وهزيمة كل من يقف في طريقها عبر أوسع نهوض جماهيري يزلزل الأرض ويظهر وحدة شعبنا السوداني وتمسكه باستكمال طريق ثورته دون تراجع» .
وأضاف: «يجب إكمال الواجب الحاسم لهزيمة الانقلاب وهو بناء الجبهة المدنية الموحدة لقوى الثورة»، مشددا على أن «هذا هو الشرط الذي من دونه لن تتحقق غايات الشعب السوداني».
وأكد على «ضرورة التنسيق الميداني المحكم ورفع الشعارات التي توحد الطريق نحو إسقاط الانقلاب»، لافتا إلى أن «وضع المتاريس (الحواجز) في الشوارع والأحياء والطرق سلاح مجرب ضد أجهزة الأمن، وأن التظاهرات والاعتصام والعصيان المدني عمليات سيخوضها السودانيين موحدين لتصعيد العمل الجماهيري السلمي وصولاً لهزيمة الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة».
وتابع: «بفعل الانقلاب ازدادت وتيرة الجرائم في دارفور وجنوب كردفان ووضعت البلاد على حافة المجاعة»، مشيرا إلى أن «الانتصار للنازحين واللاجئين والمهمشين والضحايا لن يتم إلا بتشييع السلطة الانقلابية الاستبدادية».
وأكمل أن «مليونية 30 يونيو/ حزيران ليست حدثاً منقطعاً بل هي جزء من عملية ستستمر في الأيام التي تليها وصولاً لهزيمة الانقلاب وتحقيق غايات الثورة كاملة، وأن فعل الثورة لن يتوقف عندها ولكن سيمنحها الدفع اللازم وصولا لتحقيق النصر».
ودعا «كافة الأئمة في مساجد البلاد لتخصيص خطب الجمعة التي تلي الثلاثين من يونيو لنصرة الشعب والتعبير عن قضيته العادلة».
كذلك دعا السودانيين في دول المهجر إلى «إسماع صوتهم للعالم الخارجي بالمسيرات وكتابة الرسائل والمذكرات للبرلمانات ومراكز التشريع والحكومات في كل أماكن وجودهم، لتعزيز قدرة الشعب على المضي قدماً في طريق إسقاط الانقلاب»، مشيرا إلى أن «التضامن الإقليمي والدولي ركن مكمل من أركان انتصار الثورة السودانية وهزيمة الانقلاب».
وفي رسالة للقوات المسلحة، قال المجلس المركزي لـ»الحرية والتغيير»: «إنكم من الشعب وإليه ترجعون»، مضيفا: «كما وقفت القوات المسلحة إلى جانب شعبها في منعطفات حاسمة في تاريخه من قبل، يجب أن لا توجه السلاح في وجهه الآن». وأكمل: «لا مصلحة لقواتكم أن تخوض معركة ضد شعبها، بل أن تحميه من العدوان».
وخاطب أيضاً المجتمع الإقليمي والدولي، إذ لفت إلى أن «الشعب ينتظر مواقف قوية من الفاعلين الإقليميين والدوليين لجانبه ودفع السلطة الانقلابية لاحترام حق الشعب في التظاهر السلمي وفي إسقاط الانقلاب»، مشيرا إلى أن «السلطة الانقلابية درجت على استخدام كل مخزونها من العنف في إطلاق الرصاص الحي والقتل والتعذيب والاغتصاب والاعتقالات».
وأضاف: «ربما يشهد البعض تجارب في دول الجوار أبرزت الاستقرار على حساب الحرية والديمقراطية، لكننا نؤكد أن مدخل الاستقرار الوحيد في السودان هو الحكم المدني الديمقراطي، وأن الانقلابات هي التي تثير الاضطرابات وتفتح (صندوق العجائب) من عنف وإرهاب وتهجير قسري وحروب أهلية وتصدير للعنف والنزاع في الإقليم والعالم.»
وتابع أن «السودان في ظل الانقلاب فاشل حتماً ومضطرب وغير قادر على مقابلة احتياجات شعبه الذي لا يقدم له سوى الرصاص والمسغبة، وسوف يمس أمن واستقرار الإقليم والعالم. إن هزيمتنا للانقلاب هي الباب الوحيد للسودان للتكامل والتعاون البناء مع الأسرة الدولية .»
في الموازاة، دعا تجمع المهنيين السودانيين «كافة العاملين بأجر في القطاعين الخاص والعام والعمال إلى أوسع مشاركة جماهيرية في الثلاثين من يونيو لإسقاط انقلاب الانقلاب وعودة العسكر إلى الثكنات».
وأضاف: أن «الواجب الثوري في الثلاثين من يونيو وما بعده هو تنظيم العاملين بمختلف فئاتهم وتكوين لجان الإضراب في أماكن العمل واستخدام أدوات التصعيد المهني والوقفات الاحتجاجية والإضراب الجزئي ووصولا للعصيان المدني الشامل».
وأكد تمسكه باللاءات الثلاث : «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية»، مشددا على أنها «بوصلة لتحقيق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة وعودة العسكر للثكنات وبناء الدولة المدنية الديمقراطية ومعالجة قضايا الانتقال وتحقيق مبدأ عدم الافلات من العقاب».
وأشار إلى أن تظاهرات اليوم «ستكون بداية لتأسيس وضع دستوري جديد يؤسس لسلطة مدنية كاملة وإخراج العسكر من الحياة السياسية والى الابد، وأنها ستكون مدخلا لبناء مؤسسات الدولة وإصلاح الخدمة المدنية وقوانينها وإصلاح المؤسسات العدلية لضمان استقلاليتها من السلطة السياسية والتشريعية لتحقيق مبدأ استقلال القضاء».
كذلك سيمثل الثلاثون من يونيو، حسب البيان، «بداية تحقيق السلام الشامل العادل بقيام مؤتمر قومي للسلام يضمن مشاركة الفاعلين والمتضررين من نازحين ولاجئين والذي يضمن إيقاف الحرب والعودة الطوعية للنازحين، وتحقيق العدالة الانتقالية وجبر الضرر ومحاسبة الانقلابين على جرائمهم».
ويعوّل تجمع المهنيين أيضا على أن «تكون تظاهرات اليوم تمهيدا لوضع دستوري جديد يؤسس لسلطة انتقالية مدنية ثورية تعالج كافة قضايا الانتقال وبناء مؤسسات الدولة وإصلاح الخدمة العسكرية ومؤسساتها للوصول لجيش قومي واحد يخضع للسلطة المدنية».
المحلل السياسي عبد الله رزق، قال لـ»القدس العربي» إن مليونية 30 يونيو/ حزيران تعتبر «رسالة تأكيد على تصميم الشعب السوداني على مقاومة الانقلاب والتصدي له بكل الأساليب السلمية، وصولا إلى إسقاطه والاستعداد لتقديم المزيد من التضحيات لأجل الوصول لهذه الغاية بعد سقوط أكثر من مئة قتيل، منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول، بجانب آلاف المصابين والمفقودين».

عزلة الانقلاب

وأضاف: «تؤكد مليونية 30 يونيو استمرار عزلة الانقلاب منذ أكثر من ثمانية أشهر واستحالة تحكمه في مصائر البلاد وإدارة شؤونها بالضد من إرادة شعبها».
وأشار إلى أن «مؤشرات انهيار الانقلاب تشكل دعما غير مباشر للمساعي الجارية لإيجاد حل سياسي، يستجيب لمطالب الشعب بإنهاء الانقلاب وعودة الجيش لثكناته واستئناف مسيرة الانتقال الديمقراطي بقيادة مدنية».
وتابع: أن «رفض أي تسوية تستهدف إعادة الشراكة مع المكون العسكري وإعادة الوضع لما كان عليه قبل 25 اكتوبر/ تشرين الأول، وهو المشروع السياسي الذي يشتغل عليه المبعوث الأممي فولكر بيرتس والآلية الثلاثية بدعم من الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة، خاصة المملكة العربية السعودية والترويكا».
وأكمل: أن «مليونية اليوم بجانب ضغطها على الانقلاب العسكري، ودفعه في اتجاه التنحي عن السلطة، تلقي بثقلها وظلالها على العملية السياسية الإقليمية والدولية، للالتزام بخيارات الشعب السوداني، خاصة فيما يتصل بتحالف قوى الحرية والتغيير الذي أصبح طرفا في تلك العملية منذ لقاء بيت السفير السعودي في الخرطوم، قبل نحو ثلاثة أسابيع والذي جمع وفدا من التحالف وممثلين للمكون العسكري، وأفسح المجال أمام تفاوض مباشر، لأول مرة، رغم تحفظ بعض مكوناته التي تشدد على التفاوض إلا حول تسليم السلطة للمدنيين».
ورأى كذلك أن «استمرار التظاهرات والحشد الكبير لمليونية 30 يونيو يؤكد أن سلطة الانقلاب معزولة شعبيا وفاشلة حتى الآن في إدارة البلاد وإيجاد حلول لمشكلاتها الملحة، وأنها لا تملك من مبررات البقاء وممارسة السلطة غير القمع والكبت كما هو واضح في إجراءاتها لمواجهة الاحتجاجات الشعبية».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية