الخرطوم ـ «القدس العربي»: أثار إعلان وزير الخارجية السابق، علي كرتي، عن نفسه بأنه الأمين العام للحركة الإسلامية، بعد وفاة الأمين العام السابق الزبير أحمد الحسن، منتقداً «الإقصاء» ومتوعداً بالرد على «التضييق» جدلاً في السودان، تزامناً مع استغلال رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، فرصة زيارته للشيخ الياقوت أحد أقطاب التصوف للتأكيد على أن «الدين الإسلامي محمي بالإرث الصوفي ولا خوف عليه».
«غيهم أعيا بصيرتهم»
وقال كرتي، الذي تولى مناصب عديدة حكومية وشعبية، من بينها إمارة ما يعرف بـ«المجاهدين» في خطاب مسجل بمناسبة تشييع الحسن، سجل في مكان غير معلوم، حيث تطارده الحكومة الانتقالية وأجهزتها الأمنية، إن «الهيئة القيادية في حركتكم آثرت حقن الدماء، رجاء أن يعي نشطاء السياسة الدرس، إلا أن غيهم أعيا بصيرتهم وظنوا أن حلمنا ضعفا إلا، ليعلم من يهمه الأمر أننا في ظل هذا العدوان والجراءة على الله وعباده لن نقف مكتوفي الأيدي ولسنا بطير مهيض الجناح، وها هم نشطاء السياسة يسقطون كل يوم في اختبار الحرية، ويدخلون البلاد في ظلمات الحقد والكراهية، والسياسة لا تحتمل اختلاف الرأي، ولا العدالة تستجيب لكل الحقوق».
وتابع : «الحركة الإسلامية السودانية كانت وما زالت وستظل، تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم تبادر بعدوان ولم تتخذ العنف سبيل لغايتها، لكنها في ظل هذا التضييق والترهيب والتقتيل والإقصاء مضطرة للدفاع عن مبادئها في الحق والعدل، ولو اقتضى ذلك التضحية بالأرواح، ورغم ذلك تدعو العقلاء لمنع انزلاق البلاد إلى هوة سحيقة من المواجهات والدماء والأشلاء بسبب التضييق والقتل الممنهج والاقصاء».
«منزلقات تحيط بالبلاد»
وعن مشروعية تكليفه بقيادة الحركة قال: «وقع علي هذا التكليف من أخينا (الشهيد) الزبير أحمد الحسن الأمين العام للحركة الإسلامية في ظرف يستحيل فيه الاعتذار أو التراجع، ومن بعده جرى تأكيد التكليف من مجلس الشورى والهيئة القيادية للحركة، وتمت إجازة استراتيجية الجديدة وأجيزت الخطط التي بنيت عليها وتم إنزالها كبرامج عمل وأجيزت هياكل الحركة على ما أقرته الاستراتيجية وهي كلها تعمل بانتظام لإكمال خططها وللتواصل مع عضويتها رصا للصفوف واتصالا بالتيار الإسلامي العريض من أجل جمع الصف الوطني والعمل سويا لمواجهة المنزلقات التي تحيط بالبلاد».
وحسب ما أوضح مصدر سياسي مطلع من غير الأحزاب المشاركة في الحكومة لـ«القدس العربي» فإن كرتي «يريد تثبيت نفسه في مخيلة التيارات الإسلامية المتعددة، مسؤولا أوحدا، لكن هذا ليس مكمنا. الخطورة بل المشكلة في أن الرجل يؤمن بأفكار ما يعرف بالتيار القطبي نسبة لسيد قطب، وهو ممن يؤمنون بالعنف سبيلا للسلطة والذي ظهر في خطابه الذي يحذر فيه من الأشلاء والدماء بعد أن ثبت لنفسه قبل جماعته بالحق في الدفاع عن النفس، وهنا تكمن الخطورة».
«المؤتمر الوطني مات»
وعلق نائب رئيس الحركة الشعبية ـ شمال، والقيادي في مجلس شركاء الحكم الانتقالي، ياسر عرمان، على كلام كرتي بالقول «حديث علي كرتي بأن الراحل الزبير محمد الحسن- عليه الرحمة – هو من اختاره كأمين عام جديد للحركة الإسلامية، عمليا يعني أن عمر البشير وعلي عثمان هما من قاما باختياره، وإنه مسؤول المؤتمر الوطني الجديد، وهو حزب فاشي محظور على الحكومة التصدي له بتفكيك نظامه وتسليم البشير والمطلوبين للمحكمة الجنائية حتى يصمت حزب المؤتمر الوطني، ومن كان يعبد المؤتمر الوطني فإن المؤتمر الوطني قد مات».
سجال بين وزير المالية وعضو في مجلس الشركاء حول الأحوال الشخصية
وفي الأثناء، زار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك القطب الصوفي الشيخ الياقوت الشيخ مالك، جنوب الخرطوم، حيث أكد حسب بيان صادر من مكتبه على «الدور الراسخ الذي ظلّت تلعبه الطرق الصوفية في نشر الإسلام في السودان والعالم الأفريقي بصورة عامة، ودورها كذلك في دعم التعايش السلمي ورتق النسيج المجتمعي في البلاد».
وبيّن أن «الشخصية السودانية استمدت من التصوف ثقافة التسامح وقبول الآخر». وقال إن «الدين الإسلامي محمي بالإرث الصوفي ولا خوف عليه».
وأشاد بـ«المواقف الوطنية المشرفة للطرق الصوفية عموماً في دعم ثورة ديسمبر المجيدة والشيخ الياقوت بصفة خاصة ومواقفه الوطنية المشهودة في مناصرة المظلومين».
فيما قال أحد وزراء الحكومة الذين شهدوا الإفطار مع رئيس الوزراء في (خلاوي الشيخ الياقوت) لـ«القدس العربي» بشكل غير رسمي إن «منسوبي الإسلام السياسي يريدون النيل منا، لجهة تصويرنا بلا إسلام، ونحن نصوم ونصلي، كما شاهد الناس اليوم خلال هذه الزيارة و(الكيزان) يلعبون لعبة خطرة جدا بالدين، وباستقرار البلد، عبر استدرار عواطف العامة، لكن نحن مع إسلام المتصوفة الذي هو إسلام أهل عامة السودانيين الذين لفظوا الإسلام السياسي».
«التناسب مع الخواجات»
وتزامن ذلك مع دعوة وزير المالية، جبريل إبراهيم، صاحب الخلفية الإسلامية وأحد قادة الجماعات الموقعة على السلام في جوبا، لمقاومة تغيير قانون الأحوال الشخصية، إذ قال خلال كلمة له بعد أدائه صلاة الجمعة قبل أيام مع أحد اقطاب التصوف في السودان «على أهل التصوف مناهضة القوانين التي تتعارض مع الإسلام والتصدي لتغيير قانون الأحوال الشخصية الذي يسعى للتناسب مع أمزجة الخواجات (الغرب) وهو أمر خطير. يجب أن يتصدى له كل أطياف الإسلام «.
كلام إبراهيم استدعى رداً أمس الأحد من عضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية، جمال إدريس، حيث قال إنّ تصريحات إبراهيم المتعلّقة بقوانين الأحوال الشخصية لا تمثّل حكومة الفترة الانتقالية ولا مجلس الشركاء، بل تمثّل آراءه الشخصية.
وأضاف في تصريحاتٍ لصحيفة «الانتباهة» أنّ «التغييرات في القوانين والإصلاحات تتمّ داخل مجلس الوزراء وجبريل هو وزير في السلطة».
وتابع «إذا أراد أنّ يغيّر شيئا أو يطالب بتغييره يطالب داخل مجلس الوزراء وإذا لم تعجبه الحكومة أو ما هي ماضية فيه يغادر ويتركها».
وزاد: «جبريل له الحرية الكاملة في التعبير عن آرائه الشخصية بعيدا عن الحكومة الانتقالية».
«مظهر الضحايا»
إلى ذلك، حذر الكاتب والباحث السياسي محمد المبروك، في مداخلة مع إحدى الفضائيات العربية من «التعامل الأمني مع الإسلاميين لأن ذلك سيظهرهم بمظهر الضحايا».
وقال «الحركة الإسلامية أنهكت بمشاركتها نظام البشير، ونحن رأينا ملايين من السودانيين خرجوا ضدها، ولإسقاط نظامها، والشعب السوداني يرى أن الحكومة أداؤها ضعيف، لكن هذا لا يشجع على الإطلاق أن الخيار الآخر هو الإسلاميون، الذين قد يكون ظهورهم مؤقتا، ولا أعتقد أنه ذو أثر على المدى البعيد».
وتابع «نحذر من الأخطاء في التعامل معهم عبر الأدوات الأمنية لأنه يعطيهم فرصة أن يظهروا كضحايا، وبالتالي يسبقوا السودانيين إلى الحواضن التقليدية مثل الطرق الصوفية والقبائل وبقية مكونات الشعب السوداني المتضررة ويقوموا بقيادتها واستمالتها لأغراضهم».
تقرير عاجل
إلى ذلك، طلب رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، إعداد تقرير عاجل عن الملابسات التي صاحبت تفريق إفطار للإسلاميين، وأيضاً عن ملابسات وفاة الأمين العام السابق للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن بعد إحضاره من سجن كوبر إلى مستشفى الشرطة، وفق ما أكدت مصادر صحافية أمس الأحد.
وفضت قوات الأمن السودانية، الخميس، إفطارا رمضانيا في العاصمة الخرطوم، شارك فيه عشرات من أنصار النظام السابق.
وقال شهود عيان إن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع على إفطار لمجموعات إسلامية محسوبة على نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وأضاف الشهود أنه بعد إطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة، قام المشاركون في الإفطار بالتظاهر شرقي الخرطوم.
ونشرت «الحركة الإسلامية» (المرجعية الفكرية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا)عبر موقعها، مقاطع مصورة لإطلاق الغاز على المشاركين بالإفطار.
وبعدها بساعات، أكدت لجنة إزالة التمكين اعتقال 12 من عناصر حزب المؤتمر الوطني المنحل (حزب الرئيس المعزول عمر البشير) شاركوا في تجمع إفطار رمضاني «بغرض سياسي» شرقي العاصمة الخرطوم.
وأضافت اللجنة الحكومية أن « الشرطة دونت بلاغات في مواجهة المتهمين بموجب قانون تفكيك نظام 30 يونيو واسترداد الأموال العامة، وقانون الإجراءات الجنائية وذلك لممارستهم نشاطا سياسيا تحت مظلة الحزب المحلول».
كما أشارت إلى أن عناصر حزب المؤتمر الوطني المنحل قامت بإثارة أعمال شغب في المنطقة.
وعزلت قيادة الجيش السوداني، في 11 أبريل/ نيسان الماضي، البشير (1989 ـ 2019) من الرئاسة، تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 أقرت السلطات السودانية قانونا لتفكيك نظام البشير، جرى ضمنه حل حزب «المؤتمر الوطني» و«الحركة الإسلامية».
وبدأت في السودان، في 21 أغسطس/آب 2019، مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم السلطة خلالها كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الخرطوم اتفاقا لإحلال السلام، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.